"أسطول الصمود": بين سردية إسرائيل الأمنية وسردية إنسانية عالمية لكسر الحصار عن غزة
3 أكتوبر 2025
اعترضت البحرية الإسرائيلية، صباح الجمعة، آخر سفينة متبقية من "أسطول الصمود العالمي"، الذي أبحر نحو غزة بهدف كسر الحصار البحري المستمر منذ أكثر من 17 عامًا. السفينة الأخيرة، "مارينيت"، كانت تقل ستة متضامنين من جنسيات مختلفة، ووصلت إلى مسافة 54 ميلاً بحريًا (نحو 100 كلم) من شواطئ غزة، متخطيةً بمقدار 20 ميلًا نقطة اعتراض السفن الأولى.
الخطوة الإسرائيلية جاءت بعد سلسلة اعتراضات استهدفت قوارب الأسطول البالغ عددها 42، لتعلن تل أبيب عمليًا إفشال محاولة النشطاء الدوليين إيصال المساعدات إلى غزة، رغم ما تحمله من رمزية سياسية وضغط معنوي على دولة الاحتلال.
تحذيرات إسرائيلية مسبقة
قبل ساعات من اعتراض "مارينيت"، حذّرت الخارجية الإسرائيلية من أن السفينة إذا اقتربت من شواطئ غزة فستُواجَه بالصد، بزعم دخولها إلى "منطقة قتال نشطة". هذا الموقف عكس نهجًا ثابتاً لإسرائيل، التي ترى في أي محاولة لكسر الحصار تهديدًا مزدوجًا: ميدانيًا عبر فتح ثغرة في الطوق البحري، وسياسيًا عبر تكريس السردية الدولية التي تعتبر الحصار غير شرعي.
أعلنت اللجنة الدولية لكسر الحصار أن عددًا من النشطاء المحتجزين دخلوا في إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجًا على ظروف احتجازهم
احتجاز وترحيل
وبالتوازي مع عمليات الاعتراض، نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مصادر رسمية أن السلطات الإسرائيلية باشرت إجراءات ترحيل النشطاء الدوليين الذين وقعوا على أوامر الترحيل، فيما يظل آخرون رهن الاعتقال إلى حين استكمال الإجراءات.
وظهر وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، في مقطع مصور، مهاجمًا المحتجزين ووصفهم بـ"الإرهابيين"، في حين بدا النشطاء في المشهد وهم جالسون على الأرض محاطين بجنود الاحتلال، مرددين شعار: "الحرية لفلسطين".
من جهة أخرى، قال مركز عدالة الحقوقي لـ"التلفزيون العربي" إن فريقه القانوني التقى عددًا من النشطاء المحتجزين وتأكد من سلامتهم، مشيرًا إلى أن إسرائيل "اختطفتهم من المياه الدولية" ونقلتهم إلى سجن كسديعوت في صحراء النقب، على بُعد نحو 30 كيلومترًا من الحدود المصرية.
وأكدت المديرة القانونية في مركز "عدالة"، سهاد بشارة، أن محامي المركز رافقوا النشطاء خلال استجوابات استمرت قرابة 24 ساعة في ميناء أسدود، قبل أن يتم تحويلهم إلى سجن النقب، موضحةً أن الفريق القانوني في طريقه لزيارتهم والاطمئنان على أوضاعهم.
إضراب عن الطعام وموجة جديدة
في سياق متصل، أعلنت اللجنة الدولية لكسر الحصار أن عددًا من النشطاء المحتجزين دخلوا في إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجًا على ظروف احتجازهم. كما كشفت عن انطلاق موجة ثانية من عشر سفن جديدة، من بينها سفينة "الضمير" التي تقل صحافيين وعاملين في المجال الطبي الدولي من 25 دولة، ما يعكس تصميم الحملة على الاستمرار رغم الاعتراضات.
من "مرمرة" إلى "أسطول الصمود العالمي"
محاولات كسر الحصار البحري على غزة ليست جديدة. ففي أيار/مايو 2010، شهد العالم حادثة سفينة "مافي مرمرة" التركية، عندما اقتحمت القوات الإسرائيلية الأسطول التضامني وفتحت النار على النشطاء على متنه، ما أسفر عن استشهاد 10 متضامنين أتراك وإصابة العشرات. الحادثة فجّرت أزمة دبلوماسية واسعة بين أنقرة وتل أبيب، وأثارت انتقادات دولية حادة، لكن إسرائيل تمسكت بروايتها الأمنية.
منذ ذلك الحين، انطلقت عدة محاولات أصغر لكسر الحصار، بينها أسطول الحرية (2011 و2012) و"سفينة زيتونة" (2016) و"العودة" (2018)، لكن جميعها انتهت بالاعتراض الإسرائيلي. ورغم فشلها في إدخال المساعدات، فقد نجحت في تثبيت قضية حصار غزة على الأجندة الدولية، وفضح الممارسات الإسرائيلية في المياه الدولية.
أبعاد سياسية وحقوقية
يرى مراقبون أن هذا التصعيد يضع إسرائيل أمام مأزق حقوقي متجدد؛ إذ تُتهم مجددًا بانتهاك حرية الملاحة في المياه الدولية واعتقال مدنيين سلميين، في وقت تواجه فيه انتقادات متزايدة بسبب حصار غزة وسياساتها العسكرية.
سياسيًا، يشكل الاعتراض الكامل للأسطول محاولة من حكومة بنيامين نتنياهو لتفادي انتصار رمزي للحملة الدولية المتضامنة مع غزة، لكنه في المقابل يكرّس صورة إسرائيل كدولة تمارس الحصار والعقاب الجماعي، الأمر الذي تستثمره الحركات التضامنية في خطابها الإعلامي والحقوقي.
رسائل متعددة
بينما تروّج إسرائيل لروايتها بأنها قوة "تحمي حدودها" وتتصدى لما تصفه بمحاولات "الاختراق المعادي"، يتمسك منظمو "أسطول الصمود العالمي" برواية مضادة، مؤكدين أن تحركهم ليس استفزازًا عسكريًا بل مبادرة مدنية وإنسانية تهدف إلى كسر الحصار البحري المفروض على غزة منذ أكثر من 17 عامًا. ويشدّد هؤلاء على أن الحصار يتعارض مع القانون الدولي، إذ يحوّل القطاع إلى سجن مفتوح ويقيد وصول الغذاء والدواء والوقود، فيما يعيش أكثر من مليوني إنسان تحت تهديد دائم بالمجاعة والأوبئة.
ويعتبر منظمو الأسطول أن تحركهم هو بمثابة "نداء أخلاقي" موجه إلى المجتمع الدولي، مفاده أن استمرار الصمت أو الاكتفاء بالتصريحات المنددة لا يكفي، وأن هناك مسؤولية قانونية وأخلاقية تقع على عاتق الدول الكبرى والمؤسسات الدولية لمنع كارثة إنسانية متصاعدة. من جانب آخر، تحاول إسرائيل تصوير هؤلاء النشطاء باعتبارهم "متواطئين مع الإرهاب"، في مسعى لنزع الشرعية عن أي عمل مدني أو تضامني مع غزة، وتبرير استخدام القوة في اعتراض السفن واعتقال المشاركين.
بهذا، يتحول "أسطول الصمود العالمي" إلى ساحة مواجهة جديدة: بين سردية إسرائيل الأمنية القائمة على منطق القوة والسيطرة، وسردية إنسانية عالمية تدعو إلى رفع الحصار ووقف العقاب الجماعي بحق سكان القطاع.