أغنيات أكتوبر 73.. من عبور القنال إلى دموع أم البطل

ارتبطت الأغنية على نحوٍ وثيق بذكرى الانتصار في حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973. بل يُمكن القول إنّ هذه النغمات سطّرت تجربة موازية لا تقل أهمية عن ذكرى النصر نفسه. إنها باقة من أجمل المشاعر الحماسية التي خرجت في عفويّة واتساق مع أهميّة الحدث وتأثيره النفسي والمعنوي على الأمة العربية بأسرها. وإن كانت السينما قد خلّدت العديد من المشاهد القتالية والمعارك ولحظات الأمل ونشوة الانتصار، فإن

لا شك أنّ واحدة من أشهر أغنيات المعركة هي "بسم الله – الله أكبر" هذه الأنشودة التي استلهمها الشاعر عبد الرحيم منصور من لحظة عبور الجنود للقنال وتحطيم خط بارليف، لينسج منها بليغ حمدي لحنًا مؤثرًا، ردده جموع الشعب في الشارع بعد أن بثته الإذاعة المصرية.

بسم الله اللهُ أكبر بسم الله بسم الله

بسم الله أذِّن وكبَّر بسم الله بسم الله

نصرة لبلدنا .. بسم الله بسم الله

بإيدين ولادنا .. بسم الله بسم الله

و أدان ع المدنة .. بسم الله بسم الله

بيحيِّى جهادنا .. بسم الله بسم الله

تم تسجيل الأغنية في أستوديو 46 بالإذاعة، وفي اليوم الثاني من الحرب تحوّلت إلى ما يُشبه النشيد الرسمي للمعركة والعبور. ولا يختلف الأمر كثيرًا في حالة أغنية "سمينا وعدينا" التي كتبها الشاعرة علية الجعّار وأنشدتها شهرزاد صاحبة الحنجرة الصدّاحة ولحنّها عبد العظيم محمد.

جمعنا كل قوتنا و ساندتنا عروبتنا

وسمينا و عدينا و إيد المولى ساعدتنا

وسمينا و عدينا و شقينا طريق النصر

و إيد المولى ساعدتنا و رجعنا ابتسامة مصر

وشقينا طريق النصر ... و رجعنا ابتسامة مصر

في كتابه "هكذا غنّى المصريون" يرصد المؤرخ د. نبيل حنفي محمود مجموع ما تم إنتاجه من أغنيات لحرب 73، حيث رصدت مجلة الإذاعة المصرية عدد الأغنيات التي تم تقديمها من الأيام الأولى للمعركة حتى تشرين الثاني/نوفمبر، وقد بلغ العدد 34 أغنية. ومن بين هذه الأعمال: "صدق وعده" للمجموعة من كلمات عبد الفتاح مصطفى وألحان بليغ حمدي، و"الفجر لاح" لعبد الحليم حافظ من كلمات مرسي جميل عزيز وألحان بليغ حمدي، و"صوت المآذن" لنجاح سلّام من كلمات عثمان المراغي وألحان أحمد صدقي، و"آمن بكفاحك" لعبد العزيز محمود من كلمات حسين السيد. لا يتذكر الكثيرون أغلب هذه الأغنيات في يومنا، فلم تعد الأغنيات تقدم منها إلى القليل.

وتظل "أغنية حلوة بلادي" التي أنشدتها وردة من كلمات عبد الرحيم منصور وألحان بليغ حمدي واحدة من الأعمال التي لا زال يرددها الجمهور إلى يومنا، وتحوّلت مع مرور الزمن إلى واحدة من أكثر الأعمال ارتباطًا بالمعركة.

حلوة بلادي السمرا بلادي الحرة بلادي

وأنا على الربابة بغني ما أملكش غير إني أغني

وأقول تعيشي يا مصر

وأنا على الربابة بغني وأقول

ما أملكش غير غنوة أمل للجنود... أمل للنصر

ليكي يا مصر ليكي يا مصر

تحوّلت الإذاعة المصرية خلال أيام المعركة وما تلاها إلى ما يشبه خلية النحل. كان المطربون والمطربات يتدافعون إلى تسجيل الأغنيات، بل نجد أن هناك من قرر التنازل عن أجره عن التسجيل مثل بليغ حمدي. فعرفنا عن طريق الإذاعة "يا غنوة مصر" من كلمات محسن الخياط وألحان علي إسماعيل، و"مصر أول حب" التي تغنّي بها محمد رشدي من كلمات محسن الخيّاط وألحان بليغ حمدي وغيرها الكثير من الأغنيات.

 الأغنية كانت السجل الصوتي لحناجر الجنود وأنفاسهم الحارة خلال المعركة

كان عبد الحليم حافظ من أكثر الفنانين الذين سجلّوا أغنيات ارتبطت بهذه الذكرى، ومنها "لفي البلاد يا صبية" و"عاش اللي قال" و"صباح الخير يا سينا" وغيرها من الأغنيات المتميّزة.

وإن كنا قد تحدثنا عن أغنيات الانتصار والمعركة، فلا بد أن نذكر "أم البطل" لشريفة فاضل والتي كتبها بتأثر الشاعرة نبيلة قنديل ولحنّها علي إسماعيل. كانت حنجرة شريفة تختنق بالدموع. فقد كان المستمعون يعرفون أن ابنها كان أحد شُهداء الحرب، فخرجت الأغنية تفيض بالصدق والعاطفة.

ابني حبيبي يا نور عيني .. بيضربوا بيك المثل

كل الحبايب بتهنيني .. طبعا ما أنا أم البطل

يا مصر ولدي الحر .. اتربى وشبع من خيرك

اتقوى من عظمه شمسك .. اتعلم على ايد أحرارك

اتسلح بإيمانه واسمك

شد الرحال .. شق الرمال .. هز الجبال .. عدى المحال

زرع العلم .. طرح الأمل.. وبقيت أنا .. أم البطل

تظلّ هذه مجرد استعادة لمجموعة من الأغنيات الوطنية التي ارتبطت في الوجدان الجمعي للمصريين والعرب بذكرى انتصار تشرين الأول/أكتوبر 1973 على إسرائيل، ولا شك أن توثيق الأغنيات كاملة يحتاج إلى أكثر من مقالة.