شهدت مختلف المدن السورية احتفالات واسعة النطاق عقب إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عزم واشنطن رفع العقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة على سوريا منذ عقود. وتُعدّ هذه الخطوة تحوّلًا في مسار العلاقات السورية الأميركية، وتمهيدًا لوضع دمشق على طريق التعافي الاقتصادي بعد 14 عامًا من الحرب، في ظل المرحلة الجديدة التي بدأت مع سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي.
وكانت الولايات المتحدة قد فرضت عقوبات متعددة الطبقات على سوريا منذ عهد الرئيس السابق حافظ الأسد في 1979، قبل أن تأخذ مسارًا تصاعديًا خلال عهد نظام الأسد الابن منذ عام 2004، بلغت ذروتها عقب اندلاع الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في آذار/مارس 2011. ورغم أن هذه العقوبات كانت تستهدف المسؤولين والمقربين من نظام الأسد، لكنها أثّرت بشكل مباشر على حياة السوريين عامة، ما أغرق البلاد في أزمة اقتصادية حادة بلغت ذروتها مطلع العقد الجاري.
تاريخ جديد يكتب في سوريا
في خطوة مفاجئة تشير إلى عودة تدريجية لمسار العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن ودمشق، شهدت العاصمة الرياض لقاءًا هو الأول من نوعه بين ترامب ونظيره السوري أحمد الشرع، والذي تخلله إعلان الرئيس الأميركي بدء واشنطن اتخاذ الإجراءات اللازمة لرفع العقويات المفروضة على سوريا، مؤكدًا أن الشرع يملك الآن فرصة عظيمة لصنع تاريخ جديد في سوريا.
شهدت مختلف المدن السورية احتفالات واسعة النطاق عقب إعلان الرئيس الأميركي عزم واشنطن رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا منذ عقود
وفي كلمة متلفزة وجهها الرئيس الشرع للشعب السوري، أمس الأربعاء، أكد التزام دمشق بتعزيز المناخ الاستثماري، وتطوير التشريعات الاقتصادية، وتقديم التسهيلات اللازمة لتمكين رأس المال الوطني والأجنبي من الإسهام الفاعل في إعادة الإعمار والتنمية الشاملة، داعيًا المستثمرين من مختلف الجنسيات إلى الاستفادة من الفرص المتاحة في جميع القطاعات السورية.
وعقب إعلان ترامب عزمه رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، سجلت الدولار انخفاضًا حادًا في سعر الصرف المحلي وصل إلى نحو 8.300 ليرة سورية مقابل الدولار الواحد مساء الثلاثاء، بعدما كان يتراوح في حدود 11.400 ليرة. وبعد سلسلة التقلبات المتتالية التي شهدتها أسعار الصرف، عاد اليوم الخميس إلى الاستقرار عند حاجز 9.800 ليرة سورية، وسط توقّعات بانخفاض سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية لحظة دخول إجراءات رفع العقوبات الأميركية حيز التنفيذ.
أطلقوا أبواق سياراتهم فرحًا
تشير صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية إلى أنه في غضون ساعة من إعلان ترامب المفاجئ عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا، انخفض سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار. وأضافت أنه في حي باب توما الدمشقي، صاح بائع متجول باتجاه السيارات المارة: "كان 10,000، والآن أصبح 9,000!"، ليردّ عليه كثيرين بإطلاق أبواق سياراتهم فرحًا بهذه اللحظة التاريخية. ومع حلول منتصف الليل، واصل السعر تحسّنه، فيما أضاءت الألعاب النارية سماء العاصمة واحتشد المواطنون في الشوارع احتفالًا.
وفقًا لمشاهدات "واشنطن بوست"، كان حازم اللودة (31 عامًا)، وهو سائق سيارة أجرة، يشاهد خطاب ترامب على هاتفه مساء الثلاثاء. يقول للصحيفة الأميركية: "أنا سعيد. أنا سعيد جدًا"، وأضاف أنه عمل لساعات طويلة ليوفر لقمة العيش، حتى أن زيارة صديق تطلبت مرطبات، جعلته يقطع مسافات إضافية لشرائها.
قال اللودة في حديثه: "الولايات المتحدة ادعت أن هذه العقوبات تستهدف الأسد، لكننا، نحن الشعب، من عانى أكثر من غيره"، مشددًا على أن النظام لم يتأثر فعليًا، في حين وجدت الطبقة الثرية وسائل للالتفاف على العقوبات. وأضاف: "رأينا سياراتهم الفاخرة تجوب الشوارع أمامنا، بينما لم نكن نملك القدرة على شراء أي شيء صُنع بعد عام 2011".
احتفالات في ساحة الأمويين وسط العاصمة #دمشق بعد قرار الرئيس الأميركي رفع العقوبات عن #سوريا@HoussemTekali pic.twitter.com/H78kyxWXbl
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) May 14, 2025
وفي مقهى الروضة، أحد المقاهي الدمشقية المعروفة، والمفعم بدخان الشيشة والسجائر، صفق الزبائن ورقصوا على أنغام الموسيقى حتى وقت متأخر من الليل. وعندما سُئل أحد النُدُل، عز الدين صالحة (25 عامًا)، عمّا يحتاجه الناس اليوم، أجاب ببساطة: "أساسيات الحياة"، لافتًا إلى أن قرار الرئيس ترامب سيساعد سوريا "على بدء عملية إعادة الإعمار، وسيخلق فرص عمل للشباب وللجميع".
الأمور ستتغير الآن
وفي السياق ذاته، أفاد موقع "إن بي سي نيوز" الأميركي أن إعلان ترامب رفع العقوبات عن سوريا لاقى ترحيبًا واسعًا بين السوريين والناشطين، الذين كانوا يطالبون منذ سنوات بتخفيف القيود المفروضة بهدف إعادة إعمار البلاد المدمّرة، وهي عملية قدّرت تكلفتها بنحو 400 مليار دولار.
الأهالي في مدينة #طرطوس السورية يحتفلون بقرار #ترمب رفع العقوبات عن #سوريا pic.twitter.com/m8rlkNl2qI
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) May 13, 2025
وعندما صرّح ترامب أمام جمهور سعودي قائلًا: "سنرفعها جميعًا"، خرجت ربة المنزل دلال قلاب إلى الشوارع برفقة أطفالها، في لحظة غامرة من الفرح. وقالت قلاب، وهي أم لأربعة أطفال من مدينة اللاذقية الساحلية: "قال ترامب إنه سيمنحنا فرصة، ونحن نستحقها"، مضيفة: "بعد 14 عامًا، شعرت أن الرئيس الأميركي يهتم لأمرنا. لقد كانت لحظة تاريخية منحتنا الأمل بحياة أفضل".
ورأى كثيرون في القرار الأميركي فرصة للراحة بعد سنوات قاسية من العقوبات التي جعلت سوريا من بين أكثر الدول خضوعًا للقيود الاقتصادية على مستوى العالم. قال ناصر عيدو، وهو محامٍ يبلغ من العمر 49 عامًا، فرّ إلى النرويج خلال الحرب ثم عاد إلى دمشق بعد سقوط الأسد: "آمل أن أرى سوريا مثل الإمارات أو قطر أو السعودية"، وأضاف مؤكدًا: "أنا واثق من قدرتنا على تحقيق ذلك. لقد نهب النظام القديم موارد البلاد، وأبقى الشعب فقيرًا وجائعًا".
احتفالات في ساحة الساعة بمدينة #حمص السورية، عقب الإعلان عن رفع العقوبات الأميركية#سوريا pic.twitter.com/QWqY1fKmHy
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) May 13, 2025
أما جمانة حايك، الطالبة الجامعية البالغة من العمر 23 عامًا من مدينة حلب، فتحدثت عن معاناتها في ظل العقوبات، قائلة: "كان إرسال الأموال إلى سوريا أمرًا محفوفًا بالخطر بسبب العقوبات الأميركية والدولية". وأضافت: "كان شقيقي يرسل لي 100 يورو شهريًا من ألمانيا، وهو مبلغ بسيط لكنه كان يعرّضه للخطر، كما كنّا نحن معرّضين للمساءلة عند استلامه". وختمت حديثها بالقول: "لقد عانينا كثيرًا، لكن الأمور ستتغير الآن".