أمام محكمة العدل الدولية.. إسرائيل على المحك وشرعية الأمم المتحدة في الميزان
2 مايو 2025
اختتمت محكمة العدل الدولية، يوم الجمعة، أسبوعًا من جلسات الاستماع التي تناولت ما يجب على إسرائيل فعله لضمان إيصال المساعدات الإنسانية الضرورية إلى الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
وقد جاءت هذه الجلسات بطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي دعت المحكمة إلى إصدار رأي استشاري بشأن التزامات إسرائيل القانونية، لا سيما بعد أن قامت بمنع وكالة "الأونروا" من العمل، وهي الجهة الرئيسية لإغاثة الفلسطينيين في القطاع.
ويقول خبراء قانونيون، بحسب تقرير لوكالة "أسوشيتد برس"، إن القضية قد تُشكل سابقة مؤثرة تتجاوز حدود الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وتمس مستقبل عمليات الأمم المتحدة ومكانتها القانونية حول العالم.
تزامنت جلسات الاستماع مع تدهور غير مسبوق في الأوضاع الإنسانية داخل غزة، حيث يوشك نظام الإغاثة على الانهيار الكامل، وسط استمرار تعثر الجهود الدبلوماسية لوقف إطلاق النار.
اختتمت محكمة العدل الدولية جلسات استماع تاريخية بطلب من الأمم المتحدة، لبحث التزامات إسرائيل القانونية في عرقلة المساعدات إلى غزة
ومنذ 2 آذار/مارس، منعت إسرائيل إدخال الغذاء والوقود والأدوية، قبل أن تُجدد قصفها في 18 آذار/مارس، وتنخرط في هجوم بري جديد على أجزاء واسعة من القطاع، قائلة إن هدفها هو الضغط على حماس لإطلاق سراح مزيد من الرهائن.
في حين تنفي إسرائيل استهداف المدنيين أو فرق الإغاثة عمدًا، فإنها لم تشارك في جلسات المحكمة، واكتفت بتقديم مذكرة خطية من 38 صفحة للنظر فيها.
صلاحيات الأمم المتحدة على المحك
رغم أن النقاش يتركّز على وصول المساعدات، إلا أن الخبراء يؤكدون أن الرأي الاستشاري للمحكمة قد يُشكل علامة فارقة بشأن حصانات الأمم المتحدة ومهامها.
وقد قال مايك بيكر، أستاذ القانون الدولي لحقوق الإنسان في كلية ترينيتي في دبلن، في تصريح لوكالة "أسوشيتد برس": "للمحكمة فرصة مهمة لتوضيح الإطار القانوني لحصانات الأمم المتحدة، وهو ما سيُضعف حجة أن هذه الآراء غير ملزمة".
فرغم أن الآراء الاستشارية لمحكمة العدل الدولية لا تحمل صفة الإلزام القانوني، إلا أن الاتفاقيات الدولية المتعلقة بسلامة موظفي الأمم المتحدة تنص على أن رأي المحكمة يُعد مرجعية ملزمة لحل النزاعات.
مضمون القرار المطلوب
يطالب القرار، الذي بادرت إليه النرويج، المحكمة بتحديد التزامات إسرائيل "بشأن وجود الأمم المتحدة ونشاطاتها، بما يضمن تسهيل إيصال المساعدات الضرورية لحياة المدنيين الفلسطينيين". وقد عارضت الولايات المتحدة هذا القرار.
وكانت إسرائيل قد بدأت بمنع وكالة الأونروا من العمل في يناير/كانون الثاني الماضي، وسط اتهامات متكررة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن "حماس مخترقة للوكالة"، وهو ما تنفيه الأونروا باستمرار.
بيكر يوضح أن هذه القضية تتعدى السياق الفلسطيني بقوله: "لا يمكن أن يُترك للدول خيار انتقاء الأماكن التي تعمل فيها الأمم المتحدة. هذا الرأي الاستشاري فرصة لتثبيت هذا المبدأ".
أبعاد دولية واسعة
الخبيرة القانونية الأسترالية، جولييت ماكنتاير، ترى أن الرأي المرتقب للمحكمة قد يؤثر على وضع الأمم المتحدة عالميًا: "هل الحصانات التي تتمتع بها الأمم المتحدة مطلقة؟ أم يمكن الالتفاف عليها؟ هذه مسألة تمس موظفي الأمم المتحدة أينما كانوا".
وتضيف أن أي تراجع في القواعد الدولية يُضعفها مع الزمن، وبالتالي فإن هذا القرار قد يعزز أو يُضعف منظومة الحماية القانونية للمنظمات الدولية ككل.
في العام الماضي، أصدرت المحكمة ذاتها حكمًا تاريخيًا وصف الوجود الإسرائيلي في الأراضي المحتلة بغير القانوني، وطالبت بإنهائه فورًا، مؤكدة أن إسرائيل لا تملك سيادة على الأرض، وأنها تعرقل حق الفلسطينيين في تقرير المصير.
ماكنتاير تشير إلى أن حجج هذا الأسبوع تنسجم مع رأي المحكمة الصادر قبل تسعة أشهر، مضيفة: "الفرضية الحالية أن إسرائيل تحتل فلسطين بشكل غير قانوني بالكامل".
فلسطين تتهم إسرائيل بانتهاك القانون
في مداخلته أمام المحكمة، اتهم الوفد الفلسطيني إسرائيل بانتهاك القانون الدولي، ودعا إلى مزيد من الانخراط القانوني الدولي. وقال المبعوث الفلسطيني، رياض منصور: "مسيرتنا في المؤسسات الدولية – من مجلس الأمن إلى محكمة العدل – ليست تعويضًا، بل خطوة نحو إحقاق حقوقنا غير القابلة للتصرف، بما يشمل تقرير المصير، إقامة الدولة، وعودة اللاجئين".
أما إسرائيل، فرفضت الاتهامات، واعتبرت الإجراءات منحازة. وزير الخارجية جدعون ساعر قال في مؤتمر صحفي من القدس المحتلة: "أحمّل الأونروا والأمم المتحدة والأمين العام، وكل من حوّل القانون الدولي إلى سلاح ضد إسرائيل، مسؤولية نزع حقنا في الدفاع عن النفس، ونحن الدولة الأكثر عرضة للهجوم في العالم".