انتُخبت وزيرة الخارجية الألمانية السابقة، أنالينا بيربوك، لرئاسة الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تبدأ أعمالها في أيلول/سبتمبر المقبل.
وقد أحاط جدلٌ واسع بعملية اختيار بيربوك لهذا المنصب الأممي الرفيع، رغم طابعه البروتوكولي والرمزي، إذ تواجه انتقادات حادّة بسبب مواقفها الداعمة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وتُتَّهم بتبرير جرائمه ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، في سياق ما يُوصف بحرب الإبادة الجماعية المستمرة حتى اليوم.
ورغم انتماء بيربوك لحزب الخضر الألماني، فإنها تُعدّ من أبرز المدافعين عن إسرائيل، وقد أثارت تصريحاتها بشأن الفلسطينيين موجات استنكار حتى من داخل أوساط حزبها، حيث يرى بعض أعضائه أنها تسلّقت على الحزب و"خانَت" مبادئه، وعرّضته، كما عرّضت ألمانيا، لمخاطر المساءلة أمام الهيئات القضائية الدولية، وعلى رأسها المحكمة الجنائية الدولية، بسبب تصريحات ومواقف وُصفت بالعنيفة والمشجعة على استخدام القوة ضد المدنيين، وهو ما يتناقض مع موقعها الدبلوماسي ومهامها الأممية.
أثارت تصريحاتها بشأن الفلسطينيين موجات استنكار حتى من داخل أوساط حزبها
وتُلقي هذه التطورات بظلالٍ من الشك على كفاءة بيربوك في تولّي المنصب الأممي الذي تم اختيارها له أمس الإثنين في نيويورك.
وكانت الدبلوماسية الألمانية السابقة هيلغا شميت مرشحة برلين الأصلية لرئاسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، غير أن ألمانيا عدلت في اللحظات الأخيرة عن هذا الترشيح، وقدّمت اسم أنالينا بيربوك، بالتزامن مع انهيار التحالف الحكومي الذي كانت تشغل فيه منصب وزيرة الخارجية.
ورغم ذلك، حصلت شميت على أصوات 7 دول، بينما امتنعت 14 دولة عن التصويت، ما أفسح المجال أمام فوز بيربوك بأصوات الدول المتبقية.
ويُشار إلى أنّ منصب رئيس الجمعية العامة يُمنح بالتناوب الجغرافي بين القارات، وغالبًا ما يتم التوافق عليه بالتزكية، عبر تقديم مرشح واحد فقط. لكنّ هذا العام شهد استثناءً، بعد أن طالبت روسيا بإجراء تصويت، معربة عن استيائها الشديد من ترشيح شخصية "متحيزة ومثيرة للجدل" مثل أنالينا بيربوك لهذا المنصب الأممي.
وفي هذا السياق، قال نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي، إن بيربوك "أظهرت مرارًا عدم كفاءتها، وتحيزها الواضح، وجهلها بالمبادئ الدبلوماسية الأساسية".
وأضاف: "قرار السلطات الألمانية الدفع بترشيحها بدلًا من المرشحة المتوافق عليها مسبقًا، لا يقل عن كونه بصقة في وجه المنظمة الدولية"، وفق تعبيره.
ولم يحظَ ترشيح بيربوك بتأييد شعبي واسع داخل ألمانيا، إذ كشف استطلاع للرأي أجراه معهد "يوجوف" في آذار/مارس الماضي، أن 42% من الألمان يعتبرون ترشيحها لرئاسة الجمعية العامة أمرًا سلبيًا، بينما رأى 15% أنه سلبي إلى حد ما، مقابل 12% اعتبروه إيجابيًا، و16% إيجابيًا إلى حد ما.
مواقف بيربوك من حرب الإبادة على غزة
زارت بيربوك إسرائيل بعد أسبوع واحد من هجوم 7 أكتوبر، وأظهرت خلال الزيارة دعمًا غير مشروط للموقف الإسرائيلي.
وبعد مرور عام على اندلاع الحرب، قالت أمام البرلمان الألماني: "أمن إسرائيل جزء أساسي من وجود ألمانيا الحديثة، وحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها هو مسؤوليتنا أيضًا. والدفاع لا يعني فقط مهاجمة الإرهابيين، بل تدميرهم".
وأضافت: "عندما يختبئ إرهابيو حماس بين الناس وفي المدارس، نجد أنفسنا أمام أوضاع معقدة، لكن هذا لا يعني أن نتجنبها".
وقد اعتُبر هذا التصريح تبريرًا واضحًا لاستهداف المدنيين والمرافق المدنية. وأوضحت بيربوك لاحقًا أن "المرافق المدنية الفلسطينية من مدارس ومستشفيات ومنازل قد تفقد حمايتها القانونية، بسبب إساءة استخدامها من قبل الإرهابيين"، وفق وصفها.
وقالت أيضًا: "أبلغت الأمم المتحدة بأن الوضع القانوني لبعض المناطق المدنية قد يتغير إذا استُخدمت لأغراض عسكرية".
هذه التصريحات دفعت "شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية" في 16 تشرين الأول/أكتوبر 2024، إلى الدعوة لفتح تحقيق بحق بيربوك أمام المحكمة الجنائية الدولية، بسبب ما اعتبرته "تبريرًا لجرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين"، واصفة مواقفها بـ"الخطيرة".
سوريا في مرمى تصريحات بيربوك:
أثارت زيارة بيربوك إلى سوريا، بعد سقوط نظام بشار الأسد ولقائها بالرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، جدلًا واسعًا، خصوصًا بعد أن صرّحت عقب الاجتماع: "أوروبا ستدعم سوريا الجديدة لكن لن تقدم أموالًا للهياكل الإسلامية الجديدة".
كما تميزت بيربوك بمواقف متشددة في السياسة الخارجية، خاصة حيال روسيا. وكانت من أبرز المعارضين لمشروع "نورد ستريم 2" لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، معتبرة أن المشروع "يعزز اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، مما يُضعف أمن الطاقة الأوروبي، ويُعزّز نفوذ روسيا السياسي".
تلقي مواقف بيربوك وتصريحاتها المنحازة بظلال من الشك على كفاءة الديبلوماسية لشغل منصب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة
وعقب اختيارها لمنصب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو منصب رمزي يختلف عن منصب الأمين العام الذي يشغله أنطونيو غوتيريش، قالت بيربوك إن العالم يواجه اليوم "أوقاتًا عصيبة، ونسير على حبل مشدود من عدم اليقين. غير أن تأسيس الأمم المتحدة قبل ثمانين عامًا يذكّرنا بأن العالم اجتاز أزمات مماثلة، ويجب أن نواجه هذه التحديات".
وتعهّدت بيربوك، التي ستتسلّم مهامها في أيلول/سبتمبر المقبل، بإجراء "حوار مع جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، يرتكز على الثقة"، مؤكدة أن "بابها سيكون مفتوحًا دائمًا".