نصّب الملياردير الأميركي إيلون ماسك نفسَه مسؤولًا عن تحديد من يجب أن يُغادر الحكم ومن يجب أن يصل إليه في البلدان الأوروبية، مفتكًّا أو مصادرًا بذلك دور الشعوب الأوروبية المسؤولة عن اختيار حكّامها.
ويستعين ماسك في مصادرته لأدوار الشعوب الأوروبية بموقعه المؤثّر في عالم تكنولوجيا المعلومات وتوجيه الرأي العام، كمالكٍ لمنصة "إكس"، وبوصفه أحد أقطاب الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة حليفه دونالد ترامب، الذي لا يقلّ فظاظةً عن ماسك في نزعته التدخّليّة، مع فارقٍ جوهري بين الرجلين، يتمثل في أنّ ماسك يحشر أنفه في الشؤون الداخلية للدول الأوروبية من منطلق وجهة نظرٍ فلسفية تتمثل في أن "الحضارة الغربية مهددة" ويجب إنقاذها، عبر التخلص من معظم الأحزاب الحالية الحاكمة وإيصال الأحزاب القومية واليمينية إلى سدة الحكم، في حين ينطلق ترامب من براغماتيةٍ سياسية تُعطي الأولوية للمصالح الأميركية الاقتصادية على ما سواها، ولذلك يلوّح بسيف الرسوم الجمركية حتى في وجه حلفاء بلاده في القارة العجوز من منطلق أنّ العجز التجاري الكبير بين بلاده والاتحاد الأوروبي لم يعد مقبولًا، ولن يكون ذلك إلّا بتوجه الأوروبيين لشراء النفط والغاز الأميركيين.
اليمين القومي: البديل الذي يجهّزه إيلون ماسك لحكم أوروبا
طالعتنا صحيفة فايننشال تايمز البريطانية بتفاصيل خطةٍ يطبخها الملياردير الأميركي على نار هادئة، من أجل الإطاحة بحكومة كير ستارمر العمّالية قبل الانتخابات العامة القادمة، كما كشفت الخطة عن عمل ماسك على بناء الدعم اللازم لحزب الإصلاح اليميني كي يكون البديل لحكومة ستارمر التي لم يمض على تقلّدها لمهامها أكثر من 6 أشهر.
يرى إيلون ماسك أنّ الحضارة الغربية باتت مهددة ويجب إنقاذها من خلال دعم صعود الأحزاب اليمينية
ولتحقيق هذه الخطة سيعمل ماسك وحلفاؤه من اليمين على زعزعة استقرار حزب العمال، عبر استخدام منصة "إكس"، بما يتجاوز المنشورات العدوانية والهجومية التي نشرها مؤخرًا حول ستارمر وحكومته، حيث طالب على مدار الأسبوع الماضي، بإجراء تحقيق وطني جديد في قضايا التحرش التاريخية التي تنطوي على استغلال جنسي لفتيات قاصرات من قبل عصابات أغلب أعضائها بريطانيون من أصل باكستاني، وذلك في عدة مدن وبلدات بريطانية منذ نحو عقدٍ من الزمن، حيث اتهم ماسك رئيس الوزراء البريطاني ستارمر، الذي كان حينها مديرًا للادعاء العام في إنجلترا وويلز وأشرف على ملف القضية، بأنه "متواطئ" في "اغتصاب بريطانيا".
كما وصف ماسك وزيرة حماية الأطفال في الحكومة العمالية، جيس فيليبس، بأنها "مدافعة عن الاغتصاب الجماعي"، بعد أن رفضت طلبًا من مجلس مدينة أولدهام بإجراء تحقيق جديد في القضية.
وفي معرض ردّها على اتهامات وتحريضات ماسك اتهمت فيليبس الملياردير الأميركي "بتعريض حياتها للخطر"، في حين شدّد رئيس الحكومة البريطانية على أنّ ماسك لا يتوانى عن نشر الأكاذيب والمعلومات المضللة خدمةً لأجندته السياسية التي تمثل خطرًا على الديمقراطيات الأوروبية.
أمّا في ألمانيا فيرى ماسك أنّ حزب البديل لأجل ألمانيا (حزب يميني متطرف) هو وحدَه القادر على إنقاذ البلاد الواقعة، بحسبه، على "حافة انهيار اقتصادي وثقافي"، بفضل برنامجه السياسي الذي يمثل "مزيجًا من الحرية الاقتصادية وتخفيض الضرائب وتحرير السوق، فضلًا عن سياسة هجرة تمنح الأولوية للحفاظ على الثقافة والأمن الألماني وضمان عدم فقدان ألمانيا لهويتها في السعي لتحقيق العولمة"، وفق ما ورد في مقال احتفائي باليمين الألماني نشره ماسك في مجلة "ديفيت" المحافظة.
وقبل ذلك أشاد ماسك بسياسات رئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية، جورجيا ميلوني، المتعلقة بالهجرة، مهاجمًا في المقابل القضاء الأوروبي والإيطالي الذي أعاق قرارات ميلوني بتشييد معسكرات لجوء في الأراضي الألبانية.
واضحٌ أنّ ماسك الملياردير والمؤثر الذي يتمتع بإمكانية وصولٍ هائل إلى وسائل التواصل الاجتماعي والموارد المالية يحمل مشروعًا لتنسيق عمل اليمين القومي المتطرف في أوروبا حتى يتمكّن من كسب السباقات الانتخابية المقبلة، ويُعيد هذا الطموح إلى الأذهان مشروعًا سابقًا تبنّاه أيضًا أحد حلفاء ومستشاري ترامب البارزين في عهدته الرئاسية الأولى هو ستيف بانون، وهذا المشروع سواءً في حلته "الماسكية" أو"البانونية" يمثل تهديدًا حقيقيًا للديمقراطيات الأوروبية وللعلاقات عبر الأطلسي، بالنظر إلى أنّ تيارات كثيرة في اليمين الأوروبي في تقارب مع روسيا وتتبنى مواقف سلبية من حلف شمال الأطلسي.