03-يونيو-2025
بيراميدز

بيراميدز بطلًا لدوري أبطال أفريقيا للمرة الأولى في تاريخه (إكس)

في مفاجأة من العيار الثقيل، دخل فريق "بيراميدز" المصري، نادي كبار القارة الأفريقية من أوسع الأبواب، حين تُوّج بلقب دوري أبطال إفريقيا على حساب عملاق جنوب إفريقيا، فريق "صن داونز" المخضرم، بهدفين لهدف في مباراة العودة التي احتضنها ملعب "30 يونيو" بالعاصمة المصرية القاهرة، في الأول من حزيران/يونيو الجاري، فيما انتهى لقاء الذهاب في بريتوريا بالتعادل هدف لكل منهما.

الفريق الذي تأسس بمسماه الحديث عام 2018 والذي كان يٌعرف بـ "الأسيوطي" قبل أن يشتريه رئيس الهيئة العامة للرياضة السعودية – حينها- تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه الحالي، استطاع أن يلتحق بالثلاثي الكبير، الأهلي والزمالك والإسماعيلي، ليكمل المربع الذهبي للأندية المصرية الحاصلة على كأس الأميرة السمراء بمجموع 19 بطولة، متصدرة بها عرش القارة الأفريقية كرويًا.

مع النجاحات التي تحققها الأندية الاستثمارية تجد الخارطة الكروية المصرية نفسها على موعد مع تغيرات جذرية تعيد تشكيلها مجددًا، تغيرات قد تطيح بالكرة الجماهيرية لتحل مكانها كرة المال والأعمال والاستثمار

تتويج "بيراميدز"، النادي غير الجماهيري،  حديث العهد بالكرة، الفاقد للشعبية، بهذا اللقب الكبير، الغائب عن الأندية المصرية المخضرمة – ما عدا الأهلي- منذ أكثر من 23 عامًا، فتح الباب أمام الكثير من التكهنات والتساؤلات حول مستقبل الخارطة الكروية في مصر، وتأثير أندية الشركات والأندية الاستثمارية التي انتشرت على الساحة الرياضية المصرية خلال السنوات الأخيرة على الهوية الرياضية المصرية، ومستقبل الأندية الشعبية ذات الإرث الجماهيري الكبير، في ظل تغلغل رأس المال وإعادة تشكيل المشهد الكروي مرة أخرى وفق أبجديات مغايرة.

من الأسيوطي إلى بيراميدز

قبل 8 سنوات تقريبًا ما كان هناك فريق مصري يحمل اسم "بيراميدز"، بل كان المعروف للشارع حينها نادي "الأسيوطي سبورت" الذي تأسس في صعيد مصر عام 2008، وكان من الأندية المتواضعة التي تلعب في دوري القسم الرابع ثم صعد للقسم الثالث في موسم 2013 ثم الدوري الممتاز لأول مرة منذ تأسيسه وذلك خلال الموسم الكروي 2014/2015.

في صيف 2018 فوجئ الشارع الرياضي المصري برئيس الهيئة العامة للرياضة السعودية وقتها تركي آل الشيخ، والذي كان للتو مستقيلًا من الرئاسة الفخرية للنادي الأهلي، إثر خلاف بينه وبين إدارة النادي، بشراء الأسيوطي من مالكه رجل الأعمال محمود الأسيوطي، وتغيير مسماه إلى "نادي الأهرام" أو "بيراميدز".

وفتح آل الشيخ خزائنه دون سقف محدد لتطوير النادي، وبناء هيكل إداري وفني على أعلى مستوى، يفوق في كثير من محطاته ما يتمتع به قطبا الكرة في مصر، الأهلي والزمالك، حيث أغرى الكثير من المدربين واللاعبين الكبار بالانضمام إليه، رغم حداثته وافتقاده للشعبية والجماهيرية، وبالفعل نجح في استقطاب الكثير من الأسماء المعروفة من القطبين، على رأسهم مدرب الأهلي السابق حسام البدري الذي تولى رئاسة النادي،  فيما عُين عميد الكرة المصرية ولاعب الأهلي والزمالك، أحمد حسن، في منصب المتحدث باسم الفريق والمشرف عليه، بالإضافة لتعيين النجم الأهلاوي هادي خشبة في منصب مدير الكرة وتولي مدرب بوتافوغو ريغاتاس ألبرتو فالنتيم تدريب الفريق.

بداية قوية

فاجأ "بيراميدز" الجميع بأداء متميز في موسمه الأول في الدوري المصري 2018/2019 حيث حل في المركز الثالث عكس كافة التوقعات، فيما كان عقبة كبيرة أمام الأندية الكبيرة واستطاع بالفعل أن يحرج كبار اللعبة في مصر على رأسهم الأهلي والزمالك والإسماعيلي والمصري والاتحاد، وغيرها من الأندية الشعبية التاريخية.

وفي لقاء بيراميدز مع الأهلي في 24 أيلول/سبتمبر 2018 شنت جماهير المارد الأحمر هجومًا لاذعًا على آل الشيخ حيث رددت هتافات مسيئة له، ما دفعه للإعلان عن إنهاء تجربته الاستثمارية في مصر وبيع النادي لرجل الأعمال الإماراتي سالم الشمسي، في 22 شباط/فبراير 2019، لتبدأ مرحلة جديدة في عمر هذا النادي الوليد.

وخلال الفترة من 2019 وحتى 2023 خاض بيراميدز 4 نهائيات خسرها جميعًا، نهائي كأس مصر 2018-2019 وخسره من الزمالك، ونهائي الكونفدرالية الأفريقية 2020، والذي خسره أمام فريق نهضة بركان المغربي، ثم نهائي كأس مصر مرة أخرى موسم 2021-2022 ونهائي السوبر في نفس العام، ليخسرهما من الأهلي.

ثم جاء موسم 2023/2024 ليفتح طريق البطولات أمام النادي المملوك لرجل الأعمال الإماراتي بعد 6 أعوام عجاف، حين كتب اسمه بحروف من ذهب في سجلات الكرة المصرية بتتويجه بطلا لكأس مصر هذا الموسم، بفوزه على نادي "زد" الاستثماري بهدف مقابل لا شيء، ليصبح النادي الوليد البطل الـ 13 في تاريخ الكأس المصرية.

أبطال أفريقيا.. إنجاز تاريخي

أكثر المتفائلين ما كان يتوقع تتويج بيراميدز بدوري أبطال أفريقيا، فالفريق الذي طالما اتُهم بتواضع خبراته في النهائيات وذلك في أعقاب خسارته 4 نهائيات سابقة، كان بعيدًا عن بورصة التكهنات في الفوز بتلك البطولة وعلى حساب الفريق الجنوب أفريقي الذي أطاح بالأهلي من نفس البطولة.

وبهذا الإنجاز التاريخي يحقق الوافد الجديد على عرش الساحرة المستديرة قاريًا العديد من المكاسب أبرزها ضمانه مشاركته في بطولة كأس العالم للأندية 2029 في نسختها الثانية، بنظامها الجديد، وهي البطولة التي لم يشارك فيها أي ناد مصر باستثناء الأهلي، بخلاف تأهله بشكل رسمي إلى مسابقة كأس إنتركونتيننتال القادمة بشكل رسمي، بصفته بطلًا لقارة أفريقيا في عام 2025.

هذا بخلاف العوائد المالية الضخمة التي ستعود على النادي بسبب فوزه ببطولة دوري أبطال أفريقيا وخوضه مباراة نهائي كأس السوبر الأفريقي بالإضافة إلى كأس العالم للأندية والإنتركونتيننتال، بجانب إكماله للمربع الذهبي المصري في الفوز بالبطولة الأكبر أفريقيًا إلى جانب الأهلي والزمالك والإسماعيلي.

حصاد لسنوات من التخطيط

يرى المعلق الرياضي عصام الشوالي أن ما حققه "بيراميدز" هو حصاد منطقي لسنوات من التخطيط، مُرجعا هذا الانتصار الكبير إلى ثلاث ركائز أساسية، أولها الاستثمار في اللاعبين المميزين، حيث تعاقد النادي مع لاعبين ذوي خبرة وجودة عالية، مثل رمضان صبحي، مصطفى فتحي، وليد الكرتي، و بلاتي توريه  .

ثانيها الهيكل الإداري المحترف، إذ تم بناء إدارة قوية تعتمد على الكفاءة والاحترافية في اتخاذ القرارات، مما ساهم في توفير بيئة مستقرة للفريق، وأخيرًا الاستقرار الفني، حيث تم الحفاظ على استقرار الجهاز الفني بقيادة المدرب الكرواتي كرونسلاف يورتشيتش، الذي نجح في بناء هوية لعب واضحة ومتوازنة.

ويعتبر الشوالي أن الأداء الذي قدمه النادي المصري في نهائي القارة أمام الفريق الجنوب أفريقي وسيطرته على مجريات اللقاء تتويج لجهود 7 سنوات كاملة، وبداية لحقبة جديدة في الكرة المصرية والإفريقية، حيث أثبت بيراميدز أن التخطيط السليم والاستثمار الذكي يمكن أن يقودا إلى تحقيق الإنجازات الكبرى.

الأندية الشعبية في خطر

كرة القدم في الأساس لعبة شعبية، تقوم في مرتكزها الرئيسي على الجماهيرية، ويمثل التشجيع الجماهيري في المدرجات الوقود الأبرز الذي يٌشعل الملاعب ويحولها إلى ساحة تنافس ملتهبة، ويضفي عليها إثارة وتشويقًا لا يتوفر أبدًا في حال الغياب الجماهيري وهو ما يمكن ملاحظته في المباريات التي لا يحضرها المشجعون، إما لقرارات إدارية أو مقاطعة من روابط الأندية.

المسألة كذلك لها بعد اقتصادي، فالأندية الشعبية ذات الحضور الجماهيري الكبير تٌسيل لُعاب المستثمرين والممولين والرعاة، ممن يتهافتون عليها لتوظيف تلك الجماهيرية في تسويق بضاعتهم ومنتجاتهم، كذلك القنوات التلفزيونية الناقلة للمباريات، وهو بطبيعة الحال ما لا يتوفر مع الأندية التي تفتقد لتلك الميزة الأهم على الجانب الاقتصادي.

لكن تلك الأندية الجماهيرية تواجه معضلة قاسية، تتمثل في الإمكانيات المادية المتواضعة، وهو ما يضعف قدراتها في تعزيز فريقها بالعناصر المميزة، خاصة في ظل سوق اللاعبين الملتهب، والذي يفوق قدرات معظم الأندية في مصر باستثناء كيانات تٌعد على أصابع اليد الواحدة.

وفي المقابل تفتح الأندية الاستثمارية مثل "بيراميدز" وأندية الشركات مثل "زد " "سيراميكا كليوباتر" "فاركو" "البنك الأهلي" "بتروجيت" "إنبي" خزائنها دون سقوف لشراء اللاعبين المميزين من الداخل والخارج، حيث تُفرغ الساحة المصرية من أفضل وأمهر لاعبيها ممن يبحثون عن الأندية الأكثر استقرارًا والأفضل ماديًا.

وأمام تلك المعضلة والمقارنة غير المتكافئة، تدخل كثير من الفرق الجماهيرية البطولات المحلية وهي غير مؤهلة، وبالتالي لا يمكنها تحقيق النتائج المرجوة، لتجد نفسها إما في مؤخرة البطولات أو مهددة بالهبوط كما حدث مع النادي الإسماعيلي، أول ناد يحصل على بطولة أفريقيا، والذي كان على وشك الهبوط لولا التدخل الجراحي العاجل وإلغاء الهبوط هذا الموسم.

ومع النجاحات التي تحققها الأندية الاستثمارية تتصاعد مخاوف الفرق الجماهيرية الشعبية التي من المتوقع أن تواجه تحديات كبيرة خلال المرحلة المقبلة، ما لم تبحث عن أدوات لتطوير قدراتها وإمكانياتها، لتجد الخارطة الكروية المصرية نفسها على موعد مع تغيرات جذرية تعيد تشكيلها مجددًا، تغيرات قد تطيح بالكرة الجماهيرية لتحل مكانها كرة المال والأعمال والاستثمار، لتفقد اللعبة ضلعها الأهم والذي يبقيها على قيد الحياة حتى اليوم.