اتّخذ رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس، مساء أمس الأحد، قرارًا بحلّ الحكومة، وكلّف الأمناء العامين ووكلاء الوزارات بتسيير أعمالها إلى حين تشكيل حكومة جديدة، يترقّب السودانيون الإعلان عنها في أي لحظة، في ظلّ واقع اقتصادي ومعيشي وإنساني ضاغط.
غير أن متابعين للمشهد السوداني يرون أنّ حجم التحديات التي تواجه الحكومة المرتقبة برئاسة كامل إدريس يفوق بكثير قدرتها على الإنجاز والتحرّك في مختلف الملفات بحرية، وذلك رغم تعهّد مجلس السيادة الانتقالي بمنحها صلاحيات كاملة ورفع الوصاية العسكرية عن عمل الوزراء.
فقد ظلت الحكومات السابقة تُدار بمزيج من وزراء مكلّفين وآخرين تم تعيينهم خلال فترة الشراكة بين المدنيين والعسكريين التي بدأت في 2021، وهو ما أثّر على الأداء الحكومي وقيّد حركة الوزراء في الملفات التي يتولّونها.
ويشير المتابعون إلى تحديات إضافية، إلى جانب الأزمة الاقتصادية والكارثة الإنسانية، أبرزها المحاصصة السياسية والقبلية والجهوية، إذ ستحتفظ الحكومة المقبلة بمقاعد "الحركات المسلحة الموقّعة على اتفاق سلام السودان"، حيث تنص الاتفاقية على حصص لهذه الحركات، التي يقاتل بعضها إلى جانب الجيش السوداني، فيما يقاتل بعضها الآخر إلى جانب قوات الدعم السريع.
أكد رئيس الحكومة السودانية الجديد التزامه بـ"مبدأ المساواة مع جميع القوى السياسية والفعاليات السودانية، والوقوف على مسافة واحدة من الجميع".
في غضون ذلك كله تتواصل العمليات العسكرية في مختلف الجبهات، وقد أدت المواجهات في إقليم كردفان إلى موجة نزوح جماعي جديدة، حيث نزح آلاف السودانيين من مدينتي الدبيبات والخوي، والقرى المجاورة، نحو مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان.
أولويات حكومة كامل إدريس المرتقبة
خلال خطابه بمناسبة أدائه اليمين الدستورية رئيسًا لحكومة السودان، قال كامل إدريس إن الأولوية بالنسبة إليه "هي الأمن القومي السوداني، وبسط هيبة الدولة، والقضاء التام على التمرد والمليشيات المتمردة".
ووجّه إدريس رسائل للدول التي تدعم قوات الدعم السريع، قائلًا: "نحث الدول الداعمة للتمرد على التوقف عن التخطيط والتمويل والتعاون على تنفيذ ذلك"، متعهدًا بـ"إنفاذ مبادئ العدالة والسلام وسيادة القانون والتنمية المستدامة". كما أكد رئيس الحكومة السودانية التزامه بـ"مبدأ المساواة مع جميع القوى السياسية والفعاليات السودانية، والوقوف على مسافة واحدة من الجميع".
وانطلاقًا من حرصه على الاستقلالية، أعلن كامل إدريس أنه "سيعمل على تشجيع الحوار السوداني-السوداني، الذي لا يستثني أحدًا"، وفق تعبيره.
تلك كانت أبرز الرسائل السياسية التي حملها خطاب كامل إدريس، المرشّح السابق لرئاسيات 2010، والحاصل على دكتوراه في القانون الدولي من جامعة جنيف بسويسرا، والذي شغل العديد من المناصب الأممية.
وبخلاف سلفه دفع الله الحاج يوسف، السفير السابق لدى السعودية، الذي تولّى المنصب تحت مسمّى "وزير لشؤون مجلس الوزراء ورئاسة الحكومة"، فإن كامل إدريس يتولّى منصبه بصلاحياته ورمزيّاته الكاملة، وكذلك الشأن بالنسبة للوزراء الذين سيعملون معه. وقد يشكّل هذا "الاستقلال النسبي مع الصلاحيات الكاملة" دافعًا لبعث ديناميكية حكومية جديدة، قادرة على التعامل مع تعقيدات الواقع السوداني سياسيًا واجتماعيًا وإنسانيًا.
موجة نزوح جديدة
أدّت المواجهات المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في إقليم كردفان إلى موجة نزوح جديدة، حيث فرّ آلاف الأشخاص من مدينتي الدبيبات والخوي، والقرى المجاورة، نحو مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان. وفي مواجهة هذه الموجة الجديدة، تصاعدت الدعوات إلى "فتح مراكز إيواء وتقديم مساعدات عاجلة للفارين من الهجمات العسكرية".
وفي هذا السياق، نقل موقع "الترا سودان" عن مريم، وهي عاملة إنسانية بولاية شمال كردفان، قولها إنّ "مئات الفارين من الخوي والدبيبات والقرى المجاورة في جنوب وغرب كردفان، يصلون يوميًا إلى محطة حافلات مدينة الأبيض، وهم في وضع إنساني حرج، ويبحثون عن المأوى"، مشيرة إلى أن هذا النزوح يأتي بعد سيطرة قوات الدعم السريع على "الدبيبات والخوي والقرى الصغيرة المحيطة"، مؤكدة أن هؤلاء النازحين "يبحثون عن الأمان خشية التعرّض لانتهاكات أو تهديدات أمنية".
وكانت قوات الدعم السريع قد أعلنت، يومي الخميس والجمعة الماضيين، سيطرتها على الدبيبات والخوي والحمادي الواقعة في ولايتي جنوب وغرب كردفان، بعد معارك عنيفة ضد الجيش.
وفي حديث لموقع "الترا سودان"، وصف أحد شهود العيان، وهو ناشط في القطاع الإنساني، الوضع في الدبيبات والخوي والحمادي بأنه "كارثي"، مشيرًا إلى أن عشرات الآلاف من السكان باتوا تحت سيطرة قوات الدعم السريع، ويحتاجون إلى مساعدات عاجلة في ظل تعذّر وصول المنظمات الإغاثية إلى مناطق القتال.
وأضاف أن "جميع الخدمات الحيوية، مثل المياه، وإمدادات الوقود، والأسواق، والمرافق الصحية، قد توقفت بالكامل"، محذرًا من كارثة صحية وشيكة تُعيد إلى الأذهان الانهيار الصحي الذي شهدته العاصمة الخرطوم وعدد من المدن الأخرى بسبب تفشي الكوليرا.
وقد تسببت الحرب المستمرة، التي اندلعت في منتصف نيسان/أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في مقتل ما لا يقل عن 20 ألف شخص، ونزوح نحو 15 مليون آخرين داخل السودان وخارجه، بحسب تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية السودانية.