السودان.. معارك الحسم في كردفان والفاشر وسط تحذيرات من كلفة إنسانية باهظة

تواصل الأوضاع الإنسانية تدهورَها في مدينة الفاشر، المحاصَرة من قِبل قوات الدعم السريع منذ أيار/مايو 2024. فقد أعلنت تنسيقية مقاومة الفاشر أنّ المجاعة لم تعد مجرّد خطرٍ يلوح في الأفق، بل باتت واقعًا مريرًا يطرق أبواب آلاف الأسر السودانية التي لم تعد تجد ما يسدّ رمقها في عاصمة ولاية شمال دارفور.

يُشار إلى أنّ قوات "درع السودان"، بقيادة أبو عاقلة كيكل، كانت قد أعلنت بعد سيطرتها على الخرطوم، أنها ستتّجه لفكّ الحصار عن الفاشر، "مهما كلّفها ذلك من ثمن". في المقابل، شدّدت قوات الدعم السريع حصارها على المدينة، خاصة بعد اجتياحها مخيّم زمزم للنازحين في نيسان/أبريل الماضي، وسيطرتها الكاملة عليه، مما دفع عشرات الآلاف من النازحين إلى الفرار نحو الفاشر، وهو ما ضاعف الضغط على الموارد الشحيحة في المدينة، وجعلها أكثر عرضة لخطر المجاعة.

وعلى الصعيد العسكري، أعلن الجيش السوداني، اليوم الإثنين، عن بدء عمليات برية تهدف إلى فكّ الحصار عن مدن جنوب كردفان، مشيرًا إلى أن قواته وصلت إلى بلدة "حفرة سدو" شمال مدينة المجلد بولاية غرب كردفان، في إطار هذه العمليات.

يُعيد حصار الفاشر إلى الأذهان الحصار الذي ضربته قوات الدعم السريع على الفرقة الثانية والعشرين من الجيش السوداني بمدينة بابنوسة إحدى أكبر مدن غرب كردفان طيلة عامٍ كامل تقريبًا، قبل أن يتمكن الجيش السوداني من فكّه نهاية عام 2024.

نداء الاستغاثة الأخير من الفاشر قبل سقوطها المحتمل بيد قوات الدعم السريع

أطلقت تنسيقية لجان المقاومة في الفاشر، اليوم الإثنين، نداء استغاثة حذّرت فيه من انهيار وشيك للوضعين الإنساني والأمني في المدينة المحاصرة. وقالت في بيانها إن "الأسواق باتت فارغة من السلع الأساسية، وإن وُجد شيء منها فإنه يُباع بأسعار خيالية تعجز الغالبية عن تحملها"، مشيرة إلى أن الأزمة لا تقتصر على الغذاء، بل تشمل أيضًا النقص الحاد في الدواء والمياه، مما يهدد بانتشار الأوبئة، وفي مقدمتها وباء الكوليرا الذي يحصد الأرواح يوميًا في أنحاء البلاد.

وأضاف البيان أن المدينة تتعرض يوميًا لقصف مدفعي عشوائي من قوات الدعم السريع، ما يحول دون خروج السكان لتأمين احتياجاتهم أو وصول المساعدات الإنسانية.

ويعتمد معظم سكان الفاشر حاليًا على مطابخ "التكايا" الخيرية والمنظمات الإنسانية في تأمين وجباتهم، إلا أن هذه الجهود الخيرية بدأت تفقد قدرتها على الاستمرار تحت وطأة الحصار المتشدد.

وفي ضوء ذلك، دعت تنسيقية لجان المقاومة إلى تحرك فوري من الجهات الحكومية والمنظمات الدولية لوقف هذه الكارثة الإنسانية قبل تفاقمها وتحولها إلى مجاعة وأزمة صحية واسعة النطاق.

ورأى مراقبون في هذا البيان رسالة تحذيرية تنطوي على طلب دعم عاجل للقوات المتبقية في المدينة، قبل أن تضطر إلى الانسحاب تحت ضغط الأوضاع الكارثية. وكانت قوات الدعم السريع قد عرضت في أكثر من مناسبة على القوات السودانية في الفاشر تسليم المدينة مقابل تأمين ممر آمن للخروج، في ظل كونها آخر معقل فعلي للجيش والقوات المتحالفة معه في دارفور. وسيطرة الدعم السريع على الفاشر تعني إتمام قبضتها على ولايات دارفور الخمس، ما قد يُمهّد لمشروع انفصالي جديد في السودان الشمالي.

فكّ الحصار عن مدن جنوب كردفان

يستحضر حصار الفاشر مشاهد مماثلة من حصار سابق فرضته قوات الدعم السريع على الفرقة 22 من الجيش السوداني في مدينة بابنوسة، غرب كردفان، والذي دام قرابة عام، قبل أن ينجح الجيش في كسره أواخر عام 2024.

واليوم، وبعد تغيّر موازين الصراع في كردفان، أعلنت تنسيقية لجان مقاومة "كرري" عن وصول قوات الفرقة 22 هذا الأسبوع إلى بلدة "حفرة سدو" شمال مدينة المجلد، في إطار ملاحقة فلول الدعم السريع بالإقليم. وفي حال نجح الجيش في مهمته، فإنه قد يفتح ممرًا بريًا نحو دارفور انطلاقًا من مناطق كردفان.

لكن الجيش السوداني يدرك أن مهمته ليست سهلة، خاصة أن قوات الدعم السريع دفعت بتعزيزات كبيرة إلى الإقليم، في محاولة لوقف تمدده ومنع نقل المعركة إلى عمق مناطقها في دارفور.

وتشير مصادر عسكرية إلى أن المرحلة المقبلة ستركّز على فك الحصار عن مدن جنوب كردفان التي تربط شمال وغرب الإقليم، خصوصًا بعد استعادة السيطرة على مدينتي الدبيبات والنهود في الأسبوع الماضي.