زعزعت معاناة الفلسطينيين في غزة جرّاء حرب الإبادة الإسرائيلية إيمان العديد من الناس بحقوق الانسان، ولذلك لاحظت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" أنّ اليوم العالمي لحقوق الانسان مرّ، أمس الثلاثاء، دون اكتراثٍ كبير، لسبب بسيط وهو أنّ الإنكار العالمي وصمت المجتمع الدولي عن استمرار حرب الإبادة الجماعية يُفرغ شعار حقوق الانسان من مضمونه.
ولذلك لم تجد الوكالة بدًّا من تذكير العالم بأنّ "ما يُحرَم منه الفلسطينيون جراء الإبادة الإسرائيلية حقوق وليست امتيازات"، معتبرةً أنّ "الحقوق التي حُرم منها الناس في غزة هي نفس الحقوق التي تهدف إلى ضمان حمايتنا جميعًا، نحن جميعا معنيّون بضمان احترام هذه الحقوق في غزة".
ولفتت الأونروا النظر إلى جانبٍ من الحقوق المهدورة في غزة بسبب الاحتلال الإسرائيلي، وعلى رأس قائمة تلك الحقوق: "الحق في الأمان والكرامة والحماية من العنف والنزوح والحصول على الغذاء الكافي والمياه والصرف الصحي والملابس والسكن"، هذه جميعها، حسب الأونروا "حقوق يُحرم منها الفلسطينيون في غزة".
يتواطأ العالم بصمته مع جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة ويُضحّي بثقة الناس وإيمانهم بشيء اسمه حقوق الانسان
هذا الواقع المأساوي يجعل من الضرورة القصوى "وقف إطلاق النار الآن في قطاع غزة"، ويقتضي ذلك أن يتجنّد العالم الحر لممارسة كافة الضغوط على رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، وحكومته لوقف جريمة الإبادة الجماعية. حتى لا تلصق تهمة التواطؤ بالعالم أجمع، وحتى لا ينتقل الناس من مجرد الشعور بزعزعة الإيمان بحقوق الإنسان إلى "الكفر" بتلك الحقوق التي تبنّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الـ10 من كانون الأول/ديسمبر عام 1948.
وشددت الوكالة على أن "حقوق الإنسان العالمية تعد أفضل ضمان لتحقيق عالم يمكن فيه لجميع الأفراد العيش بكرامة وأمان ومساواة وحرية"، وتابعت: "جميعنا نشارك في مسؤولية حماية وتعزيز حقوق الإنسان، لدينا جميعًا التزام ببناء مستقبل يُحترم فيه حقوق الإنسان والكرامة والمساءلة دون تأجيل، حيث يتم ضمان توفير هذه الحقوق للجميع، حقوقنا مستقبلنا".
هذا وتتبع إسرائيل في غزة، حسب منظمات حقوقية دولية، سياسة إبادة جماعية، تنوعت ما بين التهجير والتجويع والتطهير العرقي والقتل. وقد سلّطت منظمة "هيومن رايتس ووتش" مؤخّرًا الضوء على عمليات التهجير والإخلاء القسري التي تقوم بها القوات الإسرائيلية في غزة، معتبرةً أن تلك العمليات "غير آمنة، بل إنها تعدّ وحشية وغير قانونية، وتمهّد لمزيد من الجرائم ضد المدنيين"، بحسب المنظمة الحقوقية.
وبحسب "هيومن رايتس ووتش"، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي يأمر الفلسطينيين في شمال غزة بمغادرة أماكن تشمل "المدارس التي تحولت إلى ملاجئ"، ويقوم بـ"احتجاز الرجال، ثم حرق تلك الملاجئ أو مهاجمتها أو احتلالها عسكريًا".
واتهمت المنظمة جيش الاحتلال بـ"قتل مدنيين، بينهم أطفال، داخل هذه الملاجئ خلال الأيام الأخيرة". وأوضح تقرير "هيومن رايتس ووتش" أن الهجوم الإسرائيلي "المتجدد على شمال غزة يُهجّر مئات الآلاف من الفلسطينيين ويعرضهم للخطر".
ووثّقت المنظمة أوامر بالإخلاء الجماعي لشمال غزة وجهها جيش الاحتلال منذ أوائل تشرين الأول/أكتوبر الماضي، طالب فيها المدنيين بالانتقال من شمال القطاع إلى الجنوب، وخصوصًا إلى منطقة المواصي المكتظة بالنازحين، والتي "تفتقر إلى الغذاء والمأوى والمياه والصرف الصحي والرعاية الطبية".
وأضاف التقرير أن المنطقة نفسها تعرضت للقصف الإسرائيلي عدة مرات، قائلًا إن "القوات الإسرائيلية في شمال قطاع غزة تصدر أوامر إخلاء بعد أن فعلت كل ما يضمن عدم وجود مكان آمن في القطاع".
عمليات الإخلاء ترقى إلى جرائم حرب:
ترى "هيومن رايتس ووتش" أن أوامر الإخلاء الجماعي التي يوجهها جيش الاحتلال للمدنيين في غزة قد ترقى إلى جرائم حرب. ومن هذا المنطلق، حثّت المنظمة المجتمع الدولي على التحرك لمنعها.
منظمة العفو الدولية تصدر تقريراً حول الإبادة الجماعية في #غزة وتطالب بفتح المعابر مع القطاع، ومحاسبة إسرائيل على الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين.
تقرؤون أكثر في التقرير: https://t.co/C6gKefiEcL pic.twitter.com/GiNsN1gZ8c
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) December 10, 2024
وفي هذا الصدد، قالت مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة، لمى فقيه، إن "إجبار الناس على الإجلاء مرة أخرى دون ضمان سلامتهم غير قانوني، والتهجير القسري المتعمد يُعدّ جريمة حرب"، مطالبةً بـ"رد أكثر جدية من المجتمع الدولي على هذه الجرائم الإسرائيلية".
وأوضحت "هيومن رايتس ووتش" أنها استندت في تقريرها إلى "العديد من الفيديوهات والصور الفوتوغرافية وصور الأقمار الصناعية والتقارير الإعلامية وتقارير وكالات الأمم المتحدة، التي تُظهر أن المدنيين معرضون لخطر النزوح القسري الجماعي وغيره من الفظائع". وأشارت إلى "إطلاق النار على آخر أماكن اللجوء المتبقية في شمال غزة، بما في ذلك الملاجئ والمستشفيات".
يُشار إلى أن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" أكّد في أحدث معطيات نشرها أن "أكثر من 60 ألف شخص نزحوا من شمال قطاع غزة خلال تشرين الأول/أكتوبر الماضي وحده، وخاصة من جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون".
توثيق استخدام التجويع كسلاح حرب:
أكدت "هيومن رايتس ووتش" أن إسرائيل تستخدم سياسة "العقاب الجماعي والتجويع كسلاح حرب"، وهاتان السياستان تصنفان على أنهما "جريمتا حرب"، وفق المنظمة الحقوقية.
وأشارت المنظمة إلى أن الحكومة الإسرائيلية تواصل الحرب على غزة دون اكتراث بقرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورًا، أو بأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية، وتحسين الوضع الإنساني الكارثي في غزة.
🎥 لم يتمالك أب غزي نفسه وهو يعانق جثة ابنته الملفوفة في كفنها، بعد أن استشهدت هي ومجموعة من الأطفال في قطاع #غزة. pic.twitter.com/Z4tfE5rFlT
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) December 10, 2024
يُشار إلى أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت، مؤخرًا، مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو، ووزير الأمن المُقال، يوآف غالانت، بسبب ارتكابهما جرائم حرب في قطاع غزة، تشمل الإشراف على هجمات ضد السكان المدنيين واستخدام سياسة التجويع.
وبحسب أحدث إحصائية صادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية، بلغ عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة 44 ألفًا و249 شهيدًا، و104 آلاف و746 مصابًا منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، فضلًا عن آلاف المفقودين، والدمار الهائل الذي طال البنية التحتية، والمجاعة التي أودت بحياة عشرات الأطفال وكبار السن.
وتواصل إسرائيل حرب الإبادة، متجاهلةً مذكرتي اعتقال أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بحق نتنياهو وغالانت، لارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين.