يطلقون عليها "العشش" وأحيانا "الصفائح"، تهيمن على أجزاء كبيرة من العاصمة المصرية وبعض المحافظات الإقليمية، وتعرفها الأمم المتحدة بأنها "المناطق المتهالكة والقديمة الواقعة داخل المدينة أو مستعمرات واضعي اليد التي تحتل أطراف المدن خارج المخطط العمراني وتعاني من عدم الاعتراف بها مثل الأكواخ والعشش".
لطالما شكّلت مناطق العشوائيات تحديًا عمرانيًا واجتماعيًا يؤرق المصريين منذ عقود، ويعكس جانبًا من اختلالات التخطيط والتنمية التي تراكمت مع الزمن، ما أثر على صورة المجتمع المصري.
ورغم الجهود التي تبذلها الدولة خلال الأعوام الأخيرة والتي نجحت من خلالها في تقليص حجم الكارثة إلا أن العشوائيات لا تزال ظاهرة قائمة وفارضة لنفسها بقوة، تحتاج إلى المزيد من التحركات، فهي إرث هائل ليس من الصعب التخلص منه في غضون أعوام قليلة.
شكّلت مناطق العشوائيات تحديًا عمرانيًا واجتماعيًا يؤرق المصريين منذ عقود، ويعكس جانبًا من اختلالات التخطيط والتنمية التي تراكمت مع الزمن
ظاهرة عالمية وليست مصرية
وفق تقديرات الأمم المتحدة فهناك أكثر من 1.8 مليار شخص يعيشون في مناطق عشوائية ويقطنون مساكن تفتقد للحد الأدنى من الخدمات الإنسانية والمرافق العامة من مياه وصرف صحي وكهرباء، هذا بخلاف أن شريحة كبيرة منهم تواجه تهديدات التشرد والنزوح والإجلاء القسري.
حتى في المنطقة العربية فالوضع لا يقل عن نظيره المصري، حيث تعاني العديد من البلدان العربية من تفشي ظاهرة العشوائيات لديها، ما بين "حواسم" العراق، و"البناء القصديري" في الجزائر" و"البيوت العشوائية" في اليمن" و"السكن غير اللائق" في المغرب.
تعد المرأة العاملة في القطاع الزراعي المصري نموذجا فريدًا من الصمود والثبات والتحدي، نساء قهرن الصعاب وتحدين المستحيل، ورفعن شعار "لا مجال للراحة".
اقرأ التقرير: https://t.co/weYPb41sT2 pic.twitter.com/9PxUz7rbyA
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) May 20, 2025
في دراسة مصرية نٌشرت عام 2014 كشفت أن 54% من مساحة الدول العربية عبارة عن مناطق عشوائية، تتصدرها مصر بطبيعة الحال بأكثر من 1221 منطقة، وسط مطالب بالتحرك العاجل للتعاطي مع هذه الظاهرة المسيئة والتي تٌفقد الكثير من المصريين أدنى حقوقهم الإنسانية.
وقد أشارت دراسة للمعهد العربي لإنماء المدن عام 2010 إلى أن نحو 60% من العشوائيات في الوطن العربي توجد على أطراف المدن، 30% توجد خارج النطاق العمراني، 8% فقط توجد في وسط العاصمة، لافتة أن 70% من تلك العشوائيات قد شيدت بطريقة فردية، 22% شيدت بطريقة جماعية.
وتضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للعام 1948 في مادته (25)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعام 1966 في مادته (11.1) الاعتراف رسميًا بالسكن اللائق كعنصر أساسي من عناصر الحق في مستوى معيشي مناسب، ويٌلزم هذا الاعتراف الدول الموقعة عليه بضرورة توفير السكن اللائق لشعوبها أيًا كانت الوسيلة.
ويشمل الحق في السكن اللائق وفق المواثيق الدولية عددًا من الحريات منها، حماية الفرد من عمليات الإخلاء القسري ومن تدمير وهدم مسكنه تعسفًا، حق الفرد في عدم التعرض للتدخل التعسفي في مسكنه وحياته الخاصة وشؤون أسرته، حق الفرد في اختيار محل إقامته وفي تحديد مكان عيشه، وحق الفرد في حرية التنقل.
45 مليون مصري يسكون العشوائيات
في تصريح للوزيرة السابقة للتطوير الحضاري والعشوائيات، ليلى إسكندر، في كانون الأول/ديسمبر 2014، فإن هناك 45 مليون مصري يعيشون في العشوائيات، فيما تذهب تقديرات أخرى غير رسمية إلى أن العديد يتأرجح بين 40 – 60 مليون مواطن.
تبلغ مساحة العشوائيات في مصر 38.6% من الكتلة العمرانية للجمهورية على مساحة تبلغ 160.8 ألف فدان (37.6% مناطق غير مخططة، 1% مناطق غير آمنة)، تتصدرها محافظة الإسكندرية بـ20.1 ألف فدان تمثل 12.5%، تليها محافظة القاهرة 19.4 ألف فدان تمثل 12%، ثم محافظة الجيزة 15.5 ألف فدان تمثل 9.6% من إجمالي مساحة المناطق العشوائية.
وتحتل مصر المرتبة الـ65 عالميًا من بين 134 دولة في مؤشر أكثر دول العالم أمانًا في 2021، كما حققت المركز الـ8 عربيًا والـ69 عالميًا في مؤشر أفضل الدول في جودة الحياة 2021، فيما تستحوذ مدينة القاهرة على النصيب الأكبر من عدد سكان العشوائيات، حيث 8.6 مليون نسمة يعيشون على مساحة 137,9 كلم مربع.
"مع النظرة الأولى لموازنة العام المالي 2025/2026 يُلاحظ أن التقشف سيد الموقف، وهو الإجراء الاقتصادي الذي اتخذته –ولا تزال- الحكومة خلال الأعوام الأخيرة، خاصة بعد قرار تعويم الجنيه في 2016 مرورًا بأزمة العملة في 2022".
◀️ تقرؤون المزيد في مقال عماد عنان على ألترا صوت:… pic.twitter.com/bAWsiLZkbe
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 29, 2025
ويطلق خبراء الاقتصاد والتخطيط العمراني على تلك المناطق العشوائية ذات الكثافة البشرية وصف "أحزمة الفقر"، في إشارة إلى محاولة العشوائيات لمدينة أو عاصمة من كافة الجوانب، وتعد القاهرة النموذج الأكثر حضورًا في هذا المسار، إذ يحاصرها من الشمال مناطق شبرا الخيمة المطرية وعين شمس. وفي الجنوب مناطق دار السلام البساتين حلوان والتبين وفي الوسط توجد الفسطاط واسطبل عنتر وفي الشرق منشية ناصر والزبالين.
وعلى تخوم حدودها المشتركة مع محافظة الجيزة الملاصقة لها، فهناك بولاق الدكرور والهرم وإمبابة، ومعظمها تقع تحت مسمى العشوائيات، حيث انتشار معدلات الفقر والجريمة وتفشي الجهل والمرض، حيث أكثر من 80% يعملون في القطاع غير الرسمي.
وفي دراسته التي عنون لها بـ "التباين المكاني للعشوائيات في مصر" صنّف الدكتور محمد صبري عبد المجيد، الأستاذ بجامعة بنها، المناطق العشوائية إلى 5 أنواع من المناطق حسب حالة كل منها، ما بين مناطق شديدة التأزم وأخرى متأزمة وثالثة متوسطة التأزم ورابعة مناطق قليلة التأزم، وأخيرة قليلة التأزم.
وأكدت الدراسة أن زيادة الضغوط في المجتمع المصري أدت إلى حدوث التهميش الإنساني، موضحة أن المناطق العشوائية تعتبر من أهم مظاهر الضغوط المجتمعية الشديدة، التي تمثل مؤشرًا لقياس الطاقة السلبية المكبوتة في المجتمعات المتأزمة.
وفي ذات السياق، لم تقتصر المناطق العشوائية في مصر على المساكن وعقارات السكن وفقط، بل امتدت في ظاهرة توسعية لتشمل الأسواق التجارية، فهناك 1099 سوقًا تحتوي على 305.6 ألف وحدة، تُصنف كمناطق عشوائية حسب تقديرات 2015، تتصدرها محافظة القاهرة بعدد 134 سوقًا عشوائيًا.
وبحسب مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لرئاسة مجلس الوزراء المصري، فإن 81% من سكان العشوائيات يعملون في القطاع غير الرسمي، لافتًا أن المهن التي يعملون بها تعكس انخفاضا شديدا في مستوى مهاراتهم، وأن 20% من رجالها من المتعطلين عن العمل و38% من عدد أسرها لا يزيد دخلهم علي200 جنيه شهريا (4 دولار).
المبادرات الحكومية وحدها لا تكفي
تبنت الدولة المصرية منذ عام 2019 استراتيجية شاملة تستهدف تقليل ظاهرة العشوائيات قدر الإمكان، تلك الظاهرة المتوارثة على مدار أنظمة وحكومات سابقة، والتي تضرب بجذورها لعشرات السنوات، حيث كشفت عن العديد من المبادرات على رأسها مبادرة "حياة كريمة" التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي في الثاني من كانون الثاني/يناير من نفس العام.
هذا بخلاف التوسع في مشروعات الإسكان الاجتماعي بهدف توفير وحدات سكنية ملائمة لمتوسطي ومحدودي الدخل وبأسعار مقبولة وفي متناول الجميع، عبر برامج للتمويل العقاري تحت رعاية صندوق الإسكان الاجتماعي الذي يستهدف بناء نحو مليون وحدة سكنية خلال السنوات القادمة.
تبنت الدولة المصرية منذ عام 2019 استراتيجية شاملة تستهدف تقليل ظاهرة العشوائيات قدر الإمكان، تلك الظاهرة المتوارثة على مدار أنظمة وحكومات سابقة
ومن أشهر تلك المشروعات مشروع "سكن لكل المصريين" لتوفير 3 ملايين وحدة سكنية للمواطنين من متوسطي الدخل، بفائدة سنوية لا تتجاوز 3% (متناقصة) لمدة تصل إلى 30 عامًا، ودخلت حيز التنفيذ بالفعل في 13 يوليو/تموز 2021.
غير أنه ومع ارتفاع سكان العشوائيات وتزايد معدلات الفقر التي وصلت إلى 29% من إجمالي السكان، أي أكثر من 30 مليون مصري، يعيشون بأقل من دولار واحد (50 جينهًا) يوميًا، لم تعد تلك المبادرات الحكومية كافية، الأمر الذي يحتاج إلى تدخل عاجل وسريع من القطاع الخاص والمجتمع الأهلي للقيام بالأدوار المنوطة به لتحجيم تلك الظاهرة التي تتصاعد معها المخاوف من تداعياتها على منظومة القيم والأخلاق وتأثير ذلك على مساري الاستقرار والأمن المجتمعيين.