العقيدة الأمنية الإسرائيلية.. استبدال عناصر الردع والإنذار بالقوة والهجوم والرعب
16 مارس 2025
لا يزال حدث السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 يثير تساؤلات ومراجعات كثيرة في إسرائيل. ووصل الأمر حدّ اقتراح بعض الدوائر، المهتمة بالشأن الأمني والعسكري، إعادةَ صياغة العقيدة الأمنية الإسرائيلية التي وضعها بن غوريون، تلك العقيدة القائمة حسب مقال لإفرايم عنبار على 3 أساسات هي: الردع والإنذار والحسم العسكري، وقد بيّنت أحداث السابع من أكتوبر، حسب الداعين إلى مراجعة العقيدة الأمنية الإسرائيلية، محدوديةَ أساس الردع والاستخبارات في التنبؤ بحدثٍ أمني وعسكري قوي كالذي وقع في السابع من أكتوبر (طوفان الأقصى).
ويقترح الدّاعون إلى إعادة مراجعة العقيدة الأمنية الإسرائيلية، التوجه إلى "بناء جيش منظّم وأكبر عدديًا، يمكنه أن يدافع جيدًا عن الحدود، وأن يكبح هجوم العدو، وأن ينتقل إلى الهجوم، على الأقل في جبهتين بشكل متوازٍ" وسيستدعي ذلك، حسب هؤلاء، من الحكومة الإسرائيلية أن تُحدث زيادة معتبرة في ميزانية الأمن، ولو كان ذلك على حساب الخدمات الاجتماعية. كما سيقتضي، هذا التوجه الجديد، استبدال استراتيجية الاحتواء ومعادلة "الهدوء مقابل الهدوء"، باستراتيجية هجومية تقوم على الضربات الاستباقية، وذلك على الرغم من المخاطر التي تنطوي عليها هذه الاستراتيجية الأخيرة، التي قد تفتح على إسرائيل جبهات متعددة في وقتٍ واحد، وتُعرّض أمن مواطنيها بشكلٍ مستمر للخطر، علمًا بأن العديد من الإسرائيليين غادروا إسرائيل بأعداد كبيرة أيامًا قليلة من اندلاع الحرب على غزة.
مثّل السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 فشلًا مخابراتيًا ذريعًا لإسرائيل وجيشها الذي تضررت صورته بشكلٍ كبير
هاليفي والخداع الذي قامت به المقاومة الفلسطينية:
نشرت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي اليوم الأحد، تسجيلات للقائد السابق لأركان جيش الاحتلال، هرتسي هاليفي، أشاد فيها بما سمّاه الخداع الذي قامت به المقاومة الفلسطينية قبل السابع من أكتوبر، حيث يقول هاليفي المستقيل من منصبه حديثًا: "ليس لدي خيار سوى الإشادة بحماس على الخداع الذي مارسته ضدنا قبل 7 أكتوبر"، مضيفًا "لقد استخدموا في حماس أعمال الشغب والانشغال بالجانب الإنساني لتخديرنا والاستعداد للهجوم ونجحوا في ذلك"، متابعًا القول: "في جميع التدريبات التي أجريناها وفي جميع المناقشات، لم نعتقد أن 5 بالمئة مما حدث في السابع من أكتوبر يمكن أن يحدث".
يشار إلى أنّ هاليفي أعلن في كانون الثاني/يناير استقالته من منصبه في قيادة أركان جيش الاحتلال، معلنًا تحمّله مسؤولية هجوم السابع من أكتوبر، وفي السادس من آذار/مارس الجاري دخلت استقالة هاليفي حيز التنفيذ، ليخلفه في منصبه إيال زامير.
وتمكّنت المقاومة الفلسطينية في غزة يوم السابع من أكتوبر من مباغتة قواعدَ عسكرية ومستوطنات غلاف غزة بهجوم غير مسبوق، ردًّا على الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة ضدّ الشعب الفلسطيني ومقدّساته.
الفشل الذريع والمراجعات الحتمية
مثّل السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 فشلًا مخابراتيًا ذريعًا لإسرائيل وجيشها الذي تضررت صورته بشكلٍ كبير، لكنّ الباحث في الشؤون الإستراتيجية والعسكرية الإسرائيلية إفرايم عنبار، يشير إلى أنّ السابع من أكتوبر 2023، لم يكن الفشل الكبير الوحيد لإسرائيل على صعيديْ الردع والاستخبارات، فقبله أيضًا في تشرين الأول/أكتوبر 1973 تعرضت إسرائيل لفشلٍ مشابه. ففي الحالتين لم يتمكن جيش الاحتلال من "ردع الأعداء"، كما فشلت، في الحالتين، "منظومة الاستخبارات الإسرائيلية في التحذير"، معتبرا أن "تكرار هذا الفشل يفرض تساؤلات عن مركزية هذه الأساسات (الردع والإنذار) في العقيدة الأمنية الإسرائيلية"، فللردع حدود ويمكن تجاوزه، والأدهى من ذلك، حسب عنبار، أنّ "الاستخبارات، كانت ضحية اعتقاد خاطئ، مفاده أن حماس مرتدعة. لقد تجاهلوا الحقائق التي لم تدعم الافتراض العام".
ويضيف عنبار في هذا السياق أنّ "خطّة حماس الهجومية المُسمّاة (خطة أريحا) كانت لدى الاستخبارات الإسرائيلية، لكن لم تُمرَّر بالشكل الصحيح إلى المستويَين العسكري والسياسي. لقد فسّرت الاستخبارات الإشارات بشكل خاطئ. هناك أدلة كثيرة على أن الجيش اعتمد على التكنولوجيا أكثر ممّا يجب، على حساب الاستخبارات البشرية. وبشكل مُشابه أيضًا، تحوّل استعمال (محامي الشيطان) إلى ممارسة بوتيرة عالية، بدلًا من الطريقة الأفضل التي تفحص الفرضيات بشأن حدوث الأقلّ احتمالًا. ما حدث هو أن الثقة المبالغ فيها بالنفس ووهْم السيطرة، سيطرا على الاستخبارات في سنة 2023" وفق تعبير عنبار، ولذلك يرى أنّ عنبار أنّ "الردع والإنذار المسبق لا يُمكن أن يكونا أساسًا في العقيدة الأمنية القومية الإسرائيلية".
رئيس الأركان في الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي يصرح بأنّ تجنيد اليهود المتدينين "الحريديم" في الجيش، أصبح "ضرورة ملحّة". pic.twitter.com/UULecOEQbw
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) June 17, 2024
الحاجة إلى جيش أكبر
بناءً على ما سبق، يرى عنبار، ضرورة التوجه نحو بناء جيش كبير ومنظم، ويقتضي ذللك التخلي عن ما يقترحه الخبراء الاقتصاديون من تقصير فترة الخدمة العسكرية الإلزامية، والتوجه عكس ذلك صوب رفع أعداد المجندين واستغلال ما يمكن استغلاله من موارد بشرية، خصوصًا لدى اليهود الحريديم الذين ينتشر بينهم العزوف عن الخدمة العسكرية، كما يرى عنبار أنه من الضروري "زيادة منظومة الاحتياط، وإنهاء سياسة التحرير من الخدمة المتساهلة"، مضيفًا أنه بعكس ما كان عليه الحال في الماضي، "يجب على وحدات الاحتياط أن تزيد في وتيرة التدريبات والمعدّات وتطويرها، وأن تحصل على قدرات أفضل".
ليس ذلك فحسب، بل يوجّه أصحاب هذه الرؤية، نحو التخلي عن سياسة الاحتواء أو ضبط النفس، لصالح سياسة هجومية، تقوم على الضربات الاستباقية، فهذه أكثر فاعلية، حسب وجهة نظرهم، لا سيما أنّ الثقافة السياسية السائدة في منطقة الشرق الأوسط، "تُقدّر استعمال القوة، الذي يعدّ جزءً لا يتجزأ من قواعد اللعبة في الشرق الأوسط"، لافتًا إلى أنّ "الخوف هو العملة السياسية الأفضل في الشرق الأوسط".
تدعو هذه الرؤية صراحةً إلى جعل الخوف والرعب واستعمال القوة، القاعدة. أمّا السلام والاستقرار والشعور بالأمن، فيصبح بمقتضى هذه الرؤية الحربية، هو الاستثناء الذي يُثبت القاعدة ولا ينفيها.