الفاشر.. بؤرة لحصار قاتل
22 سبتمبر 2025
يعيش سكان مدينة الفاشر، الذين تقدَّر أعدادهم بنحو ربع مليون نسمة، ظروفًا إنسانية بالغة السوء منذ اندلاع الحرب. وقد تفاقمت تلك الأوضاع مع فرض الحصار على المدينة منتصف عام 2024، وإغراقها بموجات نازحين بعد تفكيك مخيم زمزم المجاور.
وأكد تقرير ميداني نشرته "واشنطن بوست" أنّ سكان الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، يواجهون خيارات مأساوية تتراوح بين الموت جوعًا أو بالمرض أو بالقتل. أما من يحاول الفرار، فيكون عرضة للخطف أو الاغتصاب أو التصفية الجسدية. وفي ظل هذه الصورة القاتمة، لا يتردد مراسلو الصحيفة في وصف الفاشر بأنها تجسيد لإحدى أبشع المآسي الإنسانية في عصرنا الحديث. وكانت الأمم المتحدة قد صنّفت الأزمة في السودان بأنها الأسوأ حاليًا في العالم.
أصبحت الفاشر بؤرة لحصار مميت يختزل حسب صحيفة واشنطن بوست أوجه المأساة السودانية في مدينة واحدة: قتل وقصف وكوليرا ومجاعة وانتهاكات تتنوع بتنوع الضحايا
وتواصل قوات الدعم السريع قصف مدينة الفاشر وإحكام الحصار عليها، غير آبهة بالمناشدات والدعوات الدولية، بما في ذلك المبادرة التي أعلنتها "الرباعية" بشأن السودان، والتي تضم الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات، ودعت إلى هدنة إنسانية لثلاثة أشهر. لكن قوات الدعم السريع لم تتجاوب معها حتى الآن، في مؤشر على رغبتها الشديدة في حسم معركة الفاشر، التي تُعدّ آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور. ولا يمكن فصل ذلك عن طموحاتها الانفصالية، لاسيما بعدما أعلنت عن تشكيل حكومة موازية ودستور انتقالي.
الفاشر: بؤرة لحصار مميت
تحولت الفاشر إلى بؤرة لحصار خانق يختزل، وفق "واشنطن بوست"، المأساة السودانية في مدينة واحدة: قتل وقصف، وكوليرا ومجاعة، وانتهاكات تتنوع بتنوع الضحايا.
على الصعيد الصحي، كانت المدينة تضم قبل الحرب والحصار نحو 38 وحدة ومرفقًا طبيًا، لكن لم يتبقَّ منها اليوم سوى مستشفى وحيد لا يعمل بكامل طاقته، في ظل عزوف العديد من الأطباء عن العمل داخله خشية الاستهداف. ومع النقص الحاد في المعدات الطبية، اضطر بعض الأطباء إلى مزاولة عملهم سرًا داخل المنازل، مستعيضين عن الشاش والمطهرات بالشِباك والماء الساخن.
كما أدى استهداف محطة المياه الرئيسية مرات عدة إلى شح حاد في مياه الشرب، ما سمح لوباء الكوليرا بالانتشار وحصد مئات الأرواح، خاصة بين الجوعى الذين باتوا يقتاتون على العلف الحيواني والأعشاب البرية، بسبب شح المواد الغذائية وارتفاع أسعار القليل المتوافر منها.
وأشار التقرير الميداني لـ "واشنطن بوست" إلى أن الحصول على الطعام في الفاشر تحول إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر؛ حيث يتعرض الرجال للاختطاف والنساء للاغتصاب. ونقلت الصحيفة قصتين لعائلتين تعرضت فيهما فتاتان قاصرتان (14 و16 عامًا) للاغتصاب أثناء بحثهما عن الطعام، فيما فقدت والدة إحداهما حياتها إثر إصابتها بقذيفة أثناء محاولتها إنقاذ ابنتها.
أما على الصعيد الاقتصادي، فقد بلغت أسعار المواد الأساسية مستويات كارثية، إذ وصل سعر كيلوغرام الطحين إلى 30 دولارًا، وكيلوغرام الدخن إلى 53 دولارًا.
ويتحفظ السكان والأطباء والممرضون على الحديث إلى وسائل الإعلام الأجنبية خشية الاستهداف. ومع ذلك، أكد أكثر من مصدر طبي للصحيفة أن ما تقوم به قوات الدعم السريع في الفاشر يرقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية، بل إلى الإبادة الجماعية.
طوق قاتل
أقامت قوات الدعم السريع جدارًا ترابيًا بطول 31 كيلومترًا طوّقت به مدينة الفاشر، وأطلق عليه البعض اسم "الطوق القاتل"، بهدف منع دخول الإمدادات والمساعدات، والتصدي لمحاولات خروج السكان من دون المرور عبر حواجزها المنتشرة على طول الطريق. وتتهم منظمات حقوقية قوات الدعم السريع بخطف وتصفية العديد من المدنيين عند تلك الحواجز.
ودقّت جهات عدة، بينها واشنطن بوست، ناقوس الخطر من احتمال مواجهة سكان الفاشر مصيرًا مشابهًا لسكان مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، التي شهدت في 10 أيار/مايو 2024 مجزرة راح ضحيتها نحو 15 ألف شخص.
طريق النزوح: طريق الموت
تقلّص عدد سكان الفاشر بنحو نصف مليون خلال أشهر الحصار. وفي حين تمكّن كثيرون من الوصول إلى مدينة طويلة التي تحولت إلى مأوى لنحو مليون لاجئ، تعرّض آخرون للتصفية أو الإخفاء، أحيانًا بسبب العجز عن دفع الفدية. وذكرت واشنطن بوست أنّ أعدادًا كبيرة من الفارين من جحيم الفاشر محتجزون حاليًا في معتقلات مؤقتة على طول الطريق الرابط بين الفاشر وطويلة، وسط ظروف مهينة ومذلّة. كما أكدت الصحيفة أن الجثث متناثرة على امتداد الطريق.