21-مايو-2025
كهرباء لبنان

مجموعة مولدات كهربائية في أحد شوارع بيروت (رويترز)

وقّع وزير المالية اللبناني ياسين جابر والمدير الإقليمي في البنك الدولي جان كريستوف كاريه أواخر نيسان/أبريل الماضي، ، قرضًا بقيمة 250 مليون دولار، مخصصًا لمعالجة ملف الكهرباء، ليكون بذلك أول قرض من البنك الدولي للإنشاء والتعمير (IBRD) في قطاع الكهرباء في لبنان، حيثُ يشمل المشروع إنشاء مركز تحكّم جديد، وتحسين آلية الجباية والمحاسبة والفوترة، وتطوير مزارع الطاقة الشمسية.

من جهتها، أشارت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا" في تقرير أعدّته بعنوان "الفقر المتعدد الأبعاد في لبنان (2019-2021): واقع أليم وآفاق مبهمة" إلى أن جميع المحافظات، وبعد تفاقم الأزمة الاقتصادية والسياسية التي بدأت عام 2019، صارت تشهد فترات انقطاع تصل أحيانًا إلى أكثر من 22 ساعة يوميًّا، بعد أن كانت هناك بعض المحافظات المحظوظة.

التقرير أشار أيضًا إلى أنّ نسبة الأسر الفقيرة المحرومة من الكهرباء وصلت إلى 54%، أي ما يعادل 650 ألف من أصل 1,210 ألف أسرة. كما لفت التقرير إلى تراجع في حجم استهلاك هذه الأسر للكهرباء بشكل هائل، وذلك بسبب الكلفة الباهظة للبدائل المتاحة كالاشتراك في المولدات الخاصة لتأمين خدمة الكهرباء.

النجاة الفردية في لبنان خيار المواطنين منذ التسعينيات

وصل "حل المولدات" إلى لبنان في منتصف التسينيعيات، وذلك على خلفية تضرر البنية التحتية لقطاع الكهرباء بشدة خلال الحرب الأهليّة (1975 – 1990)، ولم تقدر بعدها على النهوض مجدّدًا. وإثر ذلك بدأت ساعات التغذية تنخفض تدريجيًّا حتّى تخطّت ساعات التقنين 12 ساعة يوميًّا، ما عزّز من لجوء الأهالي إلى المنظومة الموازية القائمة على اشتراكات الأحياء. وبقي هذا الحلّ طريقة العائلات للحصول على رفاهية عالية الكلفة في مواجهة التقشّف المفروض، إلّا أن ارتفاع سعر الدولار وانهيار العملة الوطنية وغلاء المازوت جعل من كلفة المولد الشهرية عبئًا يتجاوز دخل العائلات الفقيرة وذات الدخل المحدود.

وصل "حل المولدات" إلى لبنان في منتصف التسينيعيات، وذلك على خلفية تضرر البنية التحتية لقطاع الكهرباء بشدة خلال الحرب الأهليّة (1975 – 1990)، ولم تقدر بعدها على النهوض مجدّدًا

ومع تطوّر الطاقة الشمسية حول العالم، اكتسحت ألواح الطاقة السوق اللبناني وتحديدًا بعد عام 2020، لتصبح أنظمة الطاقة الشمسية المنزليّة أفضل حل عملي يضمن الاستقلاليّة والتوفير والديمومة ، خاصة أنّ الشمس في لبنان متوفّرة لحوالي 300 يوم في السنة.

الطاقة الشمسية في السوق اللبناني

بحسب "المركز اللبناني لحفظ الطاقة"، يُنتج اليوم 22% من الطاقة المستهلكة في لبنان من الطاقّة الشمسيّة، وقد حلّ لبنان في مركز لافت بين أفضل خمس بلدان حول العالم التي سجّلت اهتمامًا واندفاعًا نحو الطاقة المتجدّدة. صحيح أنّ هذا التوجّه لم يكن بسبب شيوع الوعي الجمعي حول أهميّة ذلك بل بسبب توفّره كحلّ عملي لمشكلة عميقة الجذور.

وقد سوّق للطاقة الشمسيّة كحلّ طويل الأمد منذ انتشارها، وهي بالفعل كذلك، إلّا أنّ عائق الكلفة الأوليّة لا يزال يشكّل تحدّيًّا ضخمًا للكثير من الأسر، يقول الفني العامل في مجال تركيب أنظمة الطاقة الشمسية في بيروت وجبل لبنان، زكريا شرارة، لـ"الترا صوت" إن كلفة أصغر نظام طاقة شمسيّة منزلي تبدأ 1,500 دولار أميركي، وأنّ نظامًا كهذا يمكن أن يحسّن نوعيّة وجودة الحياة بشكل جزئي، وبواسطته يستفيد المنزل من طاقة كهربائية تصل خلال النهار إلى خمسة أمبير، وخلال الليل إلى أمبيرين فقط.

وأضاف شرارة أنّ المستهلك لا يستطيع مع نظام كهذا أن يستغني عن مولدات الطاقة في الأحياء، وبحسبه لا تقلّ كلفة النظام الذي يؤمن الاعتماديّة عن أربعة آلاف دولارًا أميركيًّا، لكنّ في المقابل إن المستفيد من  نظام الطاقة الشمسيّة المنزلي يستطيع خلال عام ونصف تقريبًا استرداد كلفة تركيب نظام طاقة بديلة مقارنة بفاتورة المولد.

من جانبها، تتأسف ليلى شلهوب، وهي تقيم ضمن نطاق بيروت الاداريّة، على تأخرها في اللجوء إلى تركيب نظام الطاقة الشمسية، حيث كانت تدفع قيمة 140 دولار شهريًّا مقابل 14 ساعة من الاشتراك مع مولّد الحي كرقم مقطوع بسبب غياب العدّاد. وأشارت في حديثها لـ"الترا صوت" أن صاحب المولد كان يمتنع عن التعويض بساعات إضافيّة في حال أتت كهرباء الدولة في نفس وقت ساعات التغذية المقررة للمولد. وبكثير من الرضا تؤكّد شلهوب أنّها استطاعت الاستغناء عن اشتراك المولد بشكل كلّي مقابل ثلاثة آلاف وخمسئة دولار.

 أما أبو بلال عوّاد، الذي يسكن مع أسرته في منطقة جبل لبنان، فيدفع بحدود 100 دولار شهريًا لمولد الكهرباء مقابل عشرة أمبير، رغم أنّ كهرباء الدولة تأتي ما يقارب عشر ساعات في النهار، في حين تصل الفواتير في مناطق أخرى كالمتن إلى 200 دولار شهريًّا. ووفقًا لشرارة، إن كلفة اشتراك المولّد حول لبنان، بمعدّل رفاهيّة دنيا، هو 140 دولارًا تقريبًا.

بطاريات الليثيوم تؤمن الاستقلالية الحقيقية

عمل مهندس الكهرباء، مهدي ياسين، على تأسيس معمل لتجميع بطاريّات الليثيوم في لبنان، حيث يقوم باستيراد المواد الأولية، كما أنه يعمل على إنتاج بطاريات لأنظمة الطاقة الشمسية المنزليّة بجودة ممتازة، وقد بدأ بتطبيق فكرته قبل أكثر من سنتين، بداية في منزله وبكميات قليلة، وبعد احتساب الجودة والتوفير وحاجة السوق اللبناني بدأ بتنظيم الفكرة وافتتح معملًا، ما دفع العديد من الممولين إثر ذلك إلى استثمار أموالهم في المشروع. وبحسب  ما يقول ياسين لـ"الترا صوت"، فإن هناك أكثر من 30 جهة تقوم بالتجميع المحلي، لافتًا إلى أن هذه الخطوة مهمّة للغاية، فهي تعيد وضع لبنان على سكّة الصناعات التجميعيّة التي تؤمن فرص العمل للبنانيين وتحرّك السوق،

لكن المشكلة برأي ياسين تكمن في غياب الرقابة، وتحوّل الموضوع إلى "أهل حارة كلّ مين ايده إلو". وتتوفر اليوم في السوق اللبناني بطاريات مجمّعة محليًّا بجودة عالميّة، وأسعار منافسة وضمانات تكفل للمستهلك خدمة ما بعد المبيع. في المقابل، هناك بطاريات بجودة منخفضة تنتج بدون رقابة فعليّة خلال عمليّة التجميع.

يتابع ياسين موضحًا أن الفكرة الأساسية تتمثّل في أنّ عمر بطاريات الليثيوم يمتد من 10 إلى 15 عامًا، وهي وحدها القادرة على تأمين استقلالية أنظمة الطاقة في المنازل، لكن الفكرة تكمن في كون هذه البطاريات انتشرت بغالبيتها، وخصوصًا تلك المجمّعة محليًّا، منذ أقل من ثلاثة سنوات، لذلك لم نتمكن بالتجربة من قياس فعاليتها وجودتها.  كما تؤكد الدراسات أن بطاريات الليثيوم، ورغم ارتفاع سعرها، هي الأكثر استدامة على المدى الطويل والأكثر أمانًا، وذلك لتحملها عدد أكبر من دورات الشحن.

نحو مزيد من التنظيم والرقابة

يؤكّد الخبراء أنّ أزمة الكهرباء قد تكون فرصة أمام لبنان دولة وشعبًا لدخول عصر جديد، وذلك من خلال تحويل الحلول إلى مشاريع جديدة تصدّر كتجارب إلى الدول المجاورة. على سبيل المثال، منذ بداية الأزمة الاقتصادية كانت هناك محاولات لافتتاح معامل تصنّع ألواح الطاقة الشمسيّة محليًّا، لكنّها باءت بالفشل بسبب غياب الدعم والتمويل.

كما أجريت أيضًا العديد من الدراسات حول اعتماديّة الطاقة في لبنان وإمكانيّة تحويل أكثر من 80% منها إلى الطاقة النظيفة، بالتركيز بشكل أساسي على الطاقة الشمسية، واستغلال منطقتي سهل الخيام وسهل عكّار كحقول لمراوح الرياح، واستخدام الطاقة الكهرومائية من الأنهار والسدود، إلا أن أغلب هذه المشاريع ما يزال ضمن الإطار النظري.

يواجه المواطن اللبناني اليوم تحديات عديدة بالإضافة إلى كلفة نظام الطاقة الشمسية، وترتبط هذه التحديات بصعوبة اتساع السطوح لكل السكان خصوصًا في المدن، ومحاولات المسيطرين على اشتراكات المولدات داخل الأحياء وضع عراقيل تمنع اللبنانيين من تركيب الأنظمة، وذلك لتأثير هذه الأنظمة بشكل مباشر على مصالحهم.

هناك اليوم العديد من الجمعيات الأهلية التي تساعد المواطنين عبر منح ما يسمى قروض الطاقة الشمسية. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن وزارة الطاقة أصدرت قرارًا بداية شهر نيسان/أبريل الماضي يقضي بإعفاء المواطنين من ضرورة الحصول على موافقة من الوزارة قبل تركيب الألواح المعدة للاستعمال الخاص، وذلك لتسهيل أمورهم وتخفيف أعباء التنقل عليهم، لكن رغم ذلك لا يزال  الموضوع بحاجة إلى مزيد من التنظيم والاحتواء والرقابة كي لا تأهب محاولات النجاة الفردية أزمات مفتعلة أو مشكلات جديدة.