المتحف المصري: تاريخ من النهب واستباحة الآثار
20 سبتمبر 2025
أعادت واقعة سرقة إحدى الأساور الذهبية من المتحف المصري – والتي تُنسب إلى مقتنيات الملك بسوسنس الأول (1039 - 990 ق.م) – إلى الأذهان العديد من قضايا السرقات التي ارتبطت بالمتحف.
طوال فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، كانت حوادث سرقة الآثار المصرية تتركز أغلبها في المتحف المصري بميدان التحرير. ويبدو أن تلك السرقات، أضفت عليه شهرةً مضاعفةً لما يتمتع به هذا الصَرح من كنوز وقطع أثرية ثمينة لا تُقدر بثمنٍ.
من بين حوادث السرقة الغريبة التي حدثت في المتحف المصري، تلك الواقعة التي اكتشفها عالم الآثار السوفيتي بتروفسكي، وذلك أثناء زيارته للمتحف عام 1959. فأثناء تواجده، لاحظ الرجل اختفاء عصا من مجموعة الملك توت عنخ آمون، وأبلغ على الفوز أمين المتحف. كانت العصا من الذهب الخالص ويبلغ طولها حوالي متر ونصف. وقد حُفرت عليها عبارة باللغة المصرية القديمة تقول: "من يحمل هذه العصا تحل به بركة آمون، ويمشي في ركابه". والغريب أن اللص لم يُضبط حتى يومنا. ويشير الروائي والمستشار أشرف العشماوي في كتابه "سرقات مشروعة" إلى أن القائمين على أمر المتحف، قد باشروا بعملية جرد موسعة للمكان عقب هذا الحادث، فاكتشفوا أن هناك أكثر من 300 قطعة أثرية قد فُقدت وهناك آلاف القطع غير المسجلة في الدفاتر الرسمية. وقد أفاد التحقيق الموسع بأن تاريخ ضياعها يعود إلى فترة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. وبطبيعة الحال، فقد كانت المبررات حاضرة فقد قِيل بأن البلد كانت في حال حرب وأن السُرعة في نقل القطع إلى بدروم المتحف على مدار شهرين قد أدى إلى تلف بعضها أو فُقدان البعض الآخر. ولعل أغرب ما في هذا الحادث، هو عثور أحد الحراس على ميدالية مفاتيح في أحد الممرات الجانبية، وعند تجريبها تبيّن أنها تخصّ إحدى الفاترينات والخزائن. كانت تلك المفاتيح مصنوعة في المصنع الألماني ذاته الذي صمم ونفذ الأقفال لحساب مصلحة الآثار.
طوال فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، كانت حوادث سرقة الآثار المصرية تتركز أغلبها في المتحف المصري بميدان التحرير
تتابعت حوادث السرقة في المتحف. ففي عام 1987، كاد تمثال الملك سيتي الأول أن يُفقد إلى الأبد، لولا ضبط اللصوص. كما يشير الكاتب إيهاب الحضري في مقالته "تاريخ سرقة الآثار المصرية" (مجلة العربي، 2004) إلى أنّ أمينة المتحف قد اكتشفت الأمر بالصُدفة وأبلغت عن اختفاء 11 قطعة زاد عددها بعد الجرد إلى 42 قطعة، وعندما تم القبض على اللصين قاما بتسليم القطع المسروقة إضافة إلى 9 قطع أُخرى لم يتم التبليغ عنها. أما عام 1996، فقد شهد المتحف حادثة السرقة الأغرب، حيث استطاع اللص أن يقضي ليلته في أروقة المتحف ويفتح أربع فاترينات كاملة ويسرق عددًا من القطع الأثرية الثمينة؛ من بينها خنجر توت عنخ آمون و18 خاتمًا. وفي حديث صحفي أُجري معه عقب القبض عليه، أكدّ أنه فعل كل شيء داخل المتحف من لعب وسرقة ونوم وغسل ملابس ومشاهدة الآثار عن قُرب. كما أكدّ أن لعنة الفراعنة ليست حقيقية وأن المصريين القُدماء كانوا أُناسًا طيبين! هذه السرقة تسببت في إقالة الدكتور عبد الحليم نور الدين الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار آنذاك. كما عجّلت بتنفيذ مشروع تأمين المتحف إلكترونيًّا.
ارتبط المتحف المصري على وجه الخصوص، بسلسلة من الأحداث الغرائبية التي تتعلق بالسرقة. فالناقد الفني د. صبحي الشاروني يخبرنا في كتابه "أشهر السرقات من المتاحف" بأن اليوم التاسع من كانون الأول/ديسمبر 1958، قد شهد إبلاغ طالب ثانوي لأمناء المتحف بشأن اختفاء بعض القطع الذهبية من إحدى فاترينات العرض. فعندما قرأ الطالب البطاقة التعريفية المدون بها عدد القطع، لاحظ أن عدد السبائك الذهبية الموجودة في الفاترينة ينقص سبيكتين عن العدد المدوّن على البطاقة وهو عشر سبائك. وبعد التحقيق اكتشف القائمون على الأمر أنّ السبائك الثماني الباقية مزيفة وليست من الذهب الخالص، بل من النحاس الأصفر المطليّ بالذهب. أما السبائك الأصلية فقد تمت سرقتها! وعندما بدأوا في مرحلة جرد القطع، اتضح بالفعل اختفاء سبيكتين من الذهب يرجع تاريخهما إلى 200 سنة قبل الميلاد، بالإضافة إلى 32 تميمة أخرى من الذهب كانت موضوعة في فاترينة مجاورة في الحجرة ذاتها. ويردف الشاروني بأن التحقيق قد أظهر أن الخزائن تم فتحها بصورة طبيعية. وفي اليوم التالي تم اكتشاف اختفاء قلادة أُخرى من مادة الإلكترون (مزيج من الذهب والفضة).
ارتبط المتحف المصري على وجه الخصوص، بسلسلة من الأحداث الغرائبية التي تتعلق بالسرقة
كان المتحف المصري قد تعرّض كذلك للنهب والسرقة خلال أحداث ثورة كانون الثاني/يناير 2011، وذلك عندما اقتحم مجهولون المتحف وقاموا بسرقة 18 قطعة أثرية بما فيها تمثال مصنوع من الخشب المذهب للملك توت عنخ آمون وأجزاء من تمثال آخر للملك ذاته وهو يصطاد السمك بواسطة رمح. كما تعرضت أكثر من 70 قطعة أُخرى إلى الإضرار والتلف جراء عملية الاقتحام. لتُضاف هذه الأفعال إلى سلسلة طويلة من النزيف الثقافي والحضاري الذي يتعرض له المتحف منذ افتتاحه عام 1920 في عهد الخديو عباس حلمي الثاني.