21-مايو-2025
حزب "مستقبل وطن" بنى قاعدته الأساسية على رموز الحزب الوطني المنحل (وسائل التواصل الاجتماعي)

حزب "مستقبل وطن" بنى قاعدته الأساسية على رموز الحزب الوطني المنحل (وسائل التواصل الاجتماعي)

أشهرٌ قليلة تفصل الساحةَ السياسيةَ المصريةَ عن الماراثون الانتخابي البرلماني، ورغم ما يُثار حول هذا الاستحقاق من تساؤلات وتحفّظات وعلامات استفهام، فإنه يُحدث حالةً استثنائية تتشابك فيها السياسة بالاقتصاد والمجتمع، في معركةٍ يبدو ظاهرها محتدمًا، وإن كانت نتائجها شبه محسومة سلفًا في نظر المراقبين للمشهد السياسي.

وبحسب الدستور المصري تُجرى الانتخابات قبل 60 يومًا من انتهاء مدة المجلسَين، النواب والشيوخ، الحالية، وهو ما يعني الدعوة لانتخابات مجلس الشيوخ في آب/ أغسطس المقبل، قبل نهاية مدة المجلس في تشرين أول/ أكتوبر القادم، ثم الدعوة لانتخابات النواب في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، قبل نهاية فترة المجلس الحالي، المقررة في كانون الثاني/ يناير 2026.

وبالفعل بدأت الأحزاب المصرية في ترتيب أوراقها استعدادًا لتلك المعركة الانتخابية التي تأتي في ظرف استثنائي، حيث التحديات الخارجية المتصاعدة من جانب،  والأزمات الداخلية التي كان لها صداها الواضح على اتجاهات الشارع المصري إزاء الخارطة الحزبية الراهنة بعد اتساع الهوّة بينها وبين هموم ومشاكل المواطنين، من جانب أخر.

بدأت الأحزاب المصرية في ترتيب أوراقها استعدادًا لتلك المعركة الانتخابية التي تأتي في ظرف استثنائي

وتجرى انتخابات مجلس النواب على 284 مقعدًا بالنظام الفردي، و284 مقعدًا بنظام القوائم المغلقة المطلقة، أما انتخابات الشيوخ فتجرى على 200 مقعد يمثلون ثلثي المقاعد، فيما يعين رئيس الجمهورية الثلث الباقي، بواقع 100 عضو بالقائمة المغلقة و100 عضوًا بالنظام الفردي، مع أحقية الأحزاب والمستقلين في الترشح بكليهما معًا، وهو القانون الذي شهد مطالبات بتعديله.

شكل النظام الانتخابي.. جدل لم يُحسم بعد

وفق دستور 2014 وتعديلاته في 2019 فإن النظام الانتخابي المعمول به حاليًا هو النظام المختلط، نصف المقاعد فرديًا والنصف الأخر بنظام القوائم المغلقة المطلقة(نجاح القائمة بأكملها بالأغلبية المطلقة)، مع أحقية الأحزاب والمستقلين في الترشُّح بكليهما معًا، إلا أن هذا النظام وما به من عيوب وقتل للمنافسة ووأد لأحلام التعددية، قوبل بانتقادات كبيرة، ومطالب حزبية بتعديله وإعادة النظر فيه.

وخلال جلسات الحوار الوطني التي عُقدت على مدار الأعوام الأخيرة قُدمت ثلاثة مقترحات بشأن النظام الانتخابي المقرر العمل به خلال الانتخابات المقبلة، الأول يتعلق بالإبقاء على النظام الحالي، 50% من المقاعد بالنظام الفردي، و50% بنظام القائمة المطلقة، في 4 دوائر على مستوى الجمهورية.

أما الاقتراح الثاني فيتضمن انتخاب كل الأعضاء بالقائمة النسبية غير المنقوصة عبر 15 دائرة على مستوى الجمهورية، ويختار الناخب قائمة حزبية، تتضمن عددا من المرشحين عن دائرة واحدة، والقائمة التي تحصل علي أغلبية الأصوات لا تحصل علي كافه المقاعد لهذه الدائرة، وإنما عدد من المقاعد، يتناسب مع نسبه ما تحصل عليه من أصوات، فيما ذهب الاقتراح الثالث إلى انتخاب 50% من الأعضاء بالنظام الفردي، و25% بنظام القائمة المطلقة و25% بنظام القائمة النسبية.

ورغم مرور أكثر من عام ونصف على تلك المقترحات إلا أنها لم تؤخذ في الاعتبار على محمل الجدية، إذ لم يتم البدء في مناقشتها بشكل عملي، وهو ما يعني أنه لا نية حقيقية في تعديل النظام الانتخابي، مما يزيد من الترجيحات بشأن الإبقاء على النظام الحالي المعمول به رغم عيوبه والانتقادات الموجهة له.

ومع الذهاب باتجاه استمرار نظام الانتخابات كما هو، وتراجع الأمل في تعديله أو تغييره،  خرجت دعوات حزبية تطالب بإعادة النظر في تقسيم الدوائر الانتخابية وزيادة عدد مقاعد البرلمان، بحجة القفزة الكبيرة في عدد السكان، وفي المقابل هناك من لا يرى أي ضرورة لزيادة عدد المقاعد بزعم أن أي خطوة كهذه ستؤثر في كفاءة الأداء البرلماني تشريعيًا ورقابيًا.

خارطة حزبية مُتخمة.. ولكن!

بالنظر إلى تشكيلة البرلمان الحالي يُلاحظ أنه ممثل بـ 14 حزب سياسي، يتصدرها بطبيعة الحال حزب الدولة "مستقبل وطن" بأغلبية 320 مقعدًا، يليه "الجمهوري الحر" الموالي للنظام كذلك بـ 50 مقعدًا، ثم حزب "الوفد" المستأنس رغم وصفه بالمعارض بـ 39 مقعدًا، يليه حزب "حماة وطن" الموالي بـ 27 مقعدًا، ثم حزب "النور" الإسلامي بـ 11 مقعدًا، وأخيرًا حزب "المؤتمر" بـ 8 مقاعد.

ورغم وجود 14 حزبًا داخل البرلمان، إلا أن الأحزاب التي لديها هيئات برلمانية فعلية لا تتجاوز الخمسة، هي "مستقبل وطن، والشعب الجمهوري، والوفد، وحماة الوطن، ومصر الحديثة"، فاللائحة الداخلية للنواب اشترطت ضرورة الحصول على 10 مقاعد أو أكثر، من أجل تشكيل هيئات برلمانية.

وفي مصر ما يزيد عن 87 حزبًا سياسيًا مٌشهرًا بشكل رسمي، بخلاف 17 أخرى على قوائم الإشهار، ليصل عدد الأحزاب الفعلية في الدولة 104 حزبًا، وقد شهدت الخارطة الحزبية طفرة كبيرة بعد الإعلان الدستوري من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والقرار 12 لسنة 2011 الذي نص على حق تكوين الجمعيات والنقابات والاتحادات والأحزاب، وإلغاء لجنة شئون الأحزاب، وتأسيس الأحزاب بمجرد الإخطار.

ورغم هذا الكم الكبير من الأحزاب والذي لا يتناسب مطلقًا مع المناخ السياسي المصري، إلا أن الشارع المصري فوجئ قبل أشهر بالإعلان عن ميلاد حزب جديد تحت مسمى "الجبهة الوطنية" والمتوقع أن يحتل مرتبة الصدارة في قائمة الأحزاب، وأن يسحب البساط من تحت أقدام الجميع، بما فيهم حزب السلطة الحالي "مستقبل وطن" والذي بنى قاعدته الأساسية من رموز الحزب الوطني المنحل، الحزب الحاكم إبان فترة حسني مبارك.

أما الأحزاب المعارضة أو التي تُسمي نفسها كذلك، فلا وجود لها عمليًا على الساحة، إذ تتلقف ما يٌلقى لها من فتات المقاعد البرلمانية،   فهي في حقيقتها أحزاب مستأنسة ومدجنة ولا قلق منها على الإطلاق، فيما يقبع الباقون في الركن البعيد الهادئ خارج دائرة الضوء والحضور، كيانات كرتونية لا حضور لها.

مستقبل وجبهة.. انتخابات على الطريقة الأمريكية

بعد عشر سنوات من تأسيس حزب "مستقبل وطن" الذي خرج للنور في 2014، وعلى مدار نسختين برلمانيتين، يبدو أن الحزب لم يحقق المأمول منه، إذ لم يحافظ على صدارته الممنوحة له، ليفقد عامًا تلو الأخر جزءً من رصيده الشعبي رغم الدعم الذي يحظى به على كافة المستويات.

ومن هنا جاء التفكير في وافد جديد، بنفس الثقل وربما أكثر قوة، وهو "الجبهة الوطنية" والذي نجح خلال أشهر تأسيسه الأولى في فرض نفسه كلاعب محوري على الساحة السياسية الضعيفة بطبيعتها، على أمل ترميم الشروخات التي أحدثها "مستقبل وطن" عدما تحول إلى النسخة الأكثر قبحًا من الحزب الوطني المنحل، شكلًا ومضمونًا،  إذ وسّع قاعدته استنادًا إلى رموز النظام السابق، وبذات السياسات والاستراتيجيات التي وسعت الهوة بين الدولة والشارع.

في تقرير سابق نٌشر على "الترا صوت" ذهبنا إلى أن الساحة الآن تشهد هندسة سياسية على الطريقة الأمريكية، مستقبل وجبهة على غرار الديمقراطيين والجمهوريين، وفي الخلف منهما أحزاب أخرى تُسمى "الأحزاب الثالثة" مثل: حزب الخضر، والليبراليين، وحزب الدستور، وحزب القانون الطبيعي وغيرهم.

ومن ثم يتوقع البعض أن تكون الانتخابات المقبلة على ذات النهج الأميركي، انتخابات الحزبين الرئيسيين، مستقبل والجبهة، خاصة وأن كلا منهما يمتلك قدرات وإمكانيات مادية كبيرة وقاعدة جماهيرية منبثقة عن النفوذ المالي لرموز الحزبين من رجال أعمال يتحكمون في مستقبل مئات الالاف من العمال والموظفين. 

لكن في المقابل يتناسى القائمون على هندسة المشهد السياسي المصري البون الشاسع بين النموذجين، الأميركي والمصري، من حيث الأدوات والمعايير والرؤى والاستراتيجيات، فضلا عن المسارات والأهداف، ومن ثم النتائج والمآلات، والتي تجعل من تطبيق النموذج الأميركي مدعاة للسخرية قبل أن تكون دربًا من الخيال في ضوء افتقاد المناخ السياسي المصري لأبجديات العمل السياسي الحر.