أنعشت الجولة الثالثة من المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران الآمال بإمكانية التوصل إلى اتفاق يضع حدًا للتصعيد، لكن تصريحات ماركو روبيو هذا الأسبوع قلبت المشهد مجددًا، إذ أكد أن الخيار الوحيد المتاح أمام إيران للاستفادة من الطاقة النووية يتمثل في استيراد اليورانيوم المخصب من الخارج، ما يعني عمليًا تفكيك كامل برنامجها النووي، وهو مطلب ترفضه طهران بشكل قاطع.
ورغم تعقيدات المشهد، بعث الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، برسائل تفاؤل، مشيرًا في تصريحاته الجمعة إلى أن إبرام اتفاق نووي مع إيران "أصبح في متناول اليد"، ما يفتح نافذة أمل لتفادي اندلاع صراع جديد في الشرق الأوسط.
مخرجات الجولة الثالثة من المفاوضات
اختُتمت أمس السبت الجولة الثالثة من المحادثات بين إيران والولايات المتحدة بشأن الأنشطة النووية الإيرانية، واستغرقت المحادثات المكتوبة والشفوية بين الخبراء والفنيين الإيرانيين والأميركيين 4 ساعات، ناقشت خلالها فِرق الطرفين التفاصيل الفنية، مثل مراقبة المنشآت النووية الإيرانية ومصير المخزون الإيراني من اليورانيوم عالي التخصيب، إلى جانب تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران منذ انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين إيران وست قوى عظمى.
يشار إلى أنّ فرق التفاوض في الجولة الثالثة من المحادثات ضمّت إلى جانب الخبراء في الطاقة النووية خبراء ماليين واقتصاديين، في مؤشرٍ على أنّ قضية العقوبات قد طُرحت للنقاش، وهو أمرٌ ظلت إيران تشدّد عليه.
وعقب انتهاء الاجتماعات التي حضرها وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، ومبعوث ترامب الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، قال عراقجي في مقابلة مع التلفزيون الرسمي الإيراني بأن المحادثات كانت "جدية للغاية" وركزت على تفاصيل اتفاقٍ محتمل.
وأضاف عراقجي أن الخلافات لا تزال قائمة بين طهران وواشنطن، لكنه "متفائل بحذر بإمكانية إحراز تقدم".
وأفاد عراقجي بأن المفاوضات ستُستأنف يوم السبت المقبل، مع استمرار عُمان في لعب دور الوسيط فيها. لكن بينما وافق المفاوضون الأميركيون على استمرار المحادثات، لم يُحدد موعدٌ لمناقشة المسائل الحساسة، وفقًا لمسؤول أميركي كبير تحدث لنيويورك تايمز، شريطة عدم الكشف عن هويته.
وقال هذا المسؤول الأميركي: "كانت أجواء المفاوضات جادة ومثمرة للغاية. لقد أحرزنا تقدمًا في مناقشة بعض القضايا الكبرى، لكن هذا لا يعني أننا حللنا جميع خلافاتنا".
وأضاف: "لدينا خلافات حول قضايا كبيرة وصغيرة، لكن ستكون هناك مناقشات في العواصم هذا الأسبوع لتقليص خلافاتنا".
وأوضح المسؤول الأميركي أن الجولة القادمة من المحادثات ستُعقد في أوروبا، بتسهيلٍ من عُمان. مؤكدًا أنّ محادثات يوم أمس التي استمرت أربع ساعات، كانت مثمرة للغاية.
كما نقلت نيويورك تايمز عن مصدرٍ آخر مطلع على المفاوضات، قوله إن الجولة القادمة ستُعقد على الأرجح خلال الأسبوعين المقبلين، لكن الجانب الأميركي يحتاج إلى بعض الوقت للنظر في المعلومات والمقترحات المقدمة من الإيرانيين.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 26, 2025
وأضاف المصدر أن الفريقين الأميركي والإيراني طرحا إطارَ عملٍ للمفاوضات وناقشا مجموعة من القضايا يوم السبت، على الرغم من عدم الاتفاق على أي شيء.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد توقّع في مقابلة مع مجلة تايم نُشرت يوم الجمعة إبرام صفقة مع إيران، معتبرًا أنْ "لا أحد غيره يستطيع فعل ذلك". يشار إلى أن ترامب انسحب من الاتفاق النووي السابق مع إيران عام 2018، خلال ولايته الأولى، واصفًا ذلك الاتفاق بأنه "معيب".
تناقضات في الرسائل التي تبعث بها إدارة ترامب
في المقابل يرى متابعون أميركيون أنّ إدارة ترامب بعثت برسائل متضاربة حول المفاوضات النووية مع إيران، وذهبت صحيفة نيويورك تايمز إلى حدّ الحديث عن انقسام بين مستشاري ترامب بشأن مواصلة إيران تخصيب اليورانيوم، حيث تحدث ستيف ويتكوف عن اتفاقٍ محتمل يسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم عند المستويات المنخفضة اللازمة لإنتاج الوقود الضروري لاستخدام الطاقة النووية في أغراض مدنية، إلى جانب المراقبة الشديدة على ذلك التخصيب. ويجري الحديث هنا عن نسبة تخصيب محددة هي ذاتها المنصوص عليها في الاتفاق النووي السابق لعام 2015، أي نسبة 3.67%.
لكنّ وزير الخارجية ماركو روبيو خرج برواية أخرى، قائلًا إنّ المقصود بتصريحات ويتكوف هو أنه يمكن لإيران أن تمتلك برنامجًا نوويًا مدنيًا دون تخصيب اليورانيوم محليًا، وذلك من خلال استيراد اليورانيوم المخصب، كما تفعل دول أخرى.
بدوره صرح مايك والتز، مستشار الأمن القومي، بأن الولايات المتحدة تسعى إلى تفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل، وهو موقف اعتبرته إيران غير قابل للتنفيذ.
ترى صحفٌ أميركية أنّ السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم يُعرّض ترامب لانتقادات بأنه لا يفعل سوى تكرار العناصر الرئيسية للاتفاق النووي الذي أُبرم في عهد أوباما، والذي أدانه ترامب ووصفه بأنه "أحد أسوأ الصفقات وأكثرها انحيازًا التي أبرمتها الولايات المتحدة على الإطلاق".
ومع ذلك يرى محللون أنّ بعض التدابير الممكنة لتحسين الاتفاق النووي المبرم في عهد أوباما قد تشمل تشديد الرقابة على الأنشطة النووية الإيرانية، ومشاريع مشتركة لإدارة المنشآت النووية، وجعْل ضماناتِ إيران دائمة.
إغراء إيراني
دعت إيران الولايات المتحدة إلى الاستثمار في برنامجها النووي والمساعدة في بناء 19 مفاعلًا نوويًا إضافيًا كإجراء أمني إضافي، وفقًا لتصريحات سابقة أدلى بها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي.
وقال عراقجي في هذا الصدد: "قد تكون الفرصة التي تبلغ قيمتها تريليون دولار متاحة للشركات الأميركية. وهذا يشمل الشركات التي يمكنها مساعدتنا في توليد كهرباء نظيفة من مصادر غير هيدروكربونية".
لكنّ هذه الإغراءات الإيرانية، لا يمكن أن تحجب، حسب المتابعين، حسب حقيقة أن اقتصاد إيران ومستقبل سكانها البالغ عددهم 90 مليون نسمة، على المحك أيضًا، فقد أدت سنوات من العقوبات إلى تضخم مزمن انهارت معه قيمة الريال الإيراني.
ومع ذلك تظلّ إيران متمسكة بخطوط حمراء في مفاوضاتها النووية مع الولايات المتحدة الأميركية، على غرار برنامجها الصاروخي وحقها في تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية.
فرص ومخاطر
ترى دوائر إعلامية ودبلوماسية أميركة، أنه مهما يكن من أمرٍ فإن للمحادثات الإيرانية الأميركية الجارية حاليًا القدرة على "إعادة تشكيل الأمن الإقليمي والعالمي، من خلال تقليل احتمالية وقوع هجوم إسرائيلي مدعوم من الولايات المتحدة على المنشآت النووية الإيرانية، ومنع إيران من إنتاج سلاح نووي"، كما يمكن للاتفاق أن يُحدث تحولاً في المشهد الاقتصادي والسياسي لإيران من خلال تخفيف العقوبات الأميركية وفتح البلاد أمام المستثمرين الأجانب.
يشار إلى أن إيران وإسرائيل تبادلتا الهجمات منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على عزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وكشفت وسائل إعلام أميركية عن خطط إسرائيلية لشن هجوم جوي وبري على المنشآت النووية الإيرانية، بحلول أيار/مايو المقبل، قبل أن يُعرقلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في اللحظات الأخيرة، مفضلًا خيار التفاوض على خيار اللجوء للحرب.
يشار إلى أنّ ترامب، قال في مقابلته مع مجلة تايم، إنه لم يُوقف الهجوم الإسرائيلي، لكنه لم "يُهيّئ له الظروف، لأنني أعتقد (الكلام لترامب) أننا نستطيع إبرام صفقةٍ دون الهجوم. آمل أن نتمكن من ذلك. من المُحتمل أن نضطرّ للهجوم لأنّ إيران لن تمتلك سلاحًا نوويًا".