قبل أيام وافق مجلس الوزراء المصري على مشروع موازنة العام المالي الجديد 2025 - 2026، وقرر إحالته إلى لجنة التخطيط بمجلس النواب (البرلمان) التي بدورها حددت 10 اجتماعات لمناقشة كافة بنود الموازنة التي تعد الأكبر في تاريخ الدولة المصرية، إذ تضمنت إيرادات تُقدَّر بنحو 3.1 تريليون جنيه بمعدل نمو سنوي 19%، ومصروفات تُقدَّر بنحو 4.6 تريليون جنيه بزيادة 18% مع استهداف تحقيق فائض أولي 795 مليار جنيه بنسبة 4% من الناتج المحلي وخفض دين أجهزة الموازنة العامة إلى 82.9% ( الدولار يساوي 50.90 جنيهًا).
وفي تقليد إعلامي سنوي تخضع الموازنة للبحث والدراسة والنقاش المجتمعي للوقوف على أبرز ملامحها وما تتضمنه من بنود تمسّ الحياة اليومية والمعيشية لمتوسطي ومحدودي الدخل، إذ يؤمل المواطن المصري نفسه أن تشمل موازنة هذا العام مزايا إضافية تُحسن نسبيًا من واقعه المتدني وتعوض ولو قليل بعضًا مما عاناه على مدار السنوات الماضية.
وفي تقليد إعلامي سنوي تخضع الموازنة للبحث والدراسة والنقاش المجتمعي للوقوف على أبرز ملامحها وما تتضمنه من بنود تمسّ الحياة اليومية والمعيشية لمتوسطي ومحدودي الدخل
مع النظرة الأولى لموازنة العام المالي 2025/2026 يُلاحظ أن التقشف سيد الموقف، وهو الإجراء الاقتصادي الذي اتخذته –ولا تزال- الحكومة خلال الأعوام الأخيرة، خاصة بعد قرار تعويم الجنيه في 2016 مرورًا بأزمة العملة في 2022، وارتفاع مستوى الدين لمستويات قياسية كان لها صداها وارتدادها على الخطط والموازنات التي تتبناها الدولة.
ويقصد بالتقشف هنا تقليل الإنفاق العام على البود الاجتماعية مثل الصحة والتعليم والدعم بهدف تحقيق بعض المؤشرات المالية، وتقليل معدلات العجز وتوفير الميزانيات الكافية للوفاء بالالتزامات المادية على الدولة من ديون وأقساط وفوائد، وهي استراتيجية تلجأ إليها كثير من الدول التي تعاني من أزمات اقتصادية خانقة.
"وصل الحال لتخوف البعض من أن تصبح رائدة الطب في العالم العربي أول دولة بلا أطباء، كما جاء على لسان أستاذ الأمراض الباطنية والسكري بجامعة هارفارد، الدكتور أسامة حمدي".
تقررؤن التفاصيل في مقال عماد عنان عبر ألترا صوت: https://t.co/lSmqEFi2sn pic.twitter.com/O1GD2LO9OJ
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 24, 2025
دعم الحماية الاجتماعية
وفق ما أوضح وزير المالية المصري، أحمد كجوك، فإن مشروع موازنة العام المالي الجديد قد شهد اهتمامًا كبيرًا بتعزيز أوجه الإنفاق على تخفيف الأعباء عن المواطنين من محدودي الدخل والشرائح الاجتماعية الأكثر احتياجًا، وذلك في إطار رؤية متكاملة لتحسين مستوى المعيشة وتلبية الاحتياجات الضرورية لكافة المواطنين.
وعليه تم تخصيص 732.6 مليار جنيه بالموازنة الجديدة من أجل حماية اجتماعية أكثر استهدافًا للمستحقين للدعم، مقسمة على عدد من المجالات الحياتية:
دعم السلع التموينية ورغيف الخبز والمعاشات
وصل دعم السلع التموينية ورغيف الخبز خلال العام الجديد إلى 160 مليار جنيه، فيما ارتفعت المخصصات المالية المقررة لمعاش الضمان الاجتماعي "تكافل وكرام" لتصل إلى 45 مليار جنيه، بزيادة نسبتها 35% عن موازنة السنة الماضية، مع التأكيد على زيادة المساندة النقدية الشهرية للمواطنين المستفيدين من هذا البرنامج بنسبة 25% اعتبارًا من معاش نيسان/ أبريل 2025.
دعم الطاقة ووسائل النقل
تم تخصيص 75 مليار جنيه بمشروع موازنة العام المالي الجديد لدعم الكهرباء في إطار توجيهات الحكومة بتأمين قطاع الطاقة، ومثلهم لدعم المواد البترولية، و3.5 مليار جنيه لدعم توصيل الغاز الطبيعي للمنازل، كما تضمنت الموازنة تخصيص 5.2 مليار جنيه لدعم السكة الحديد، و1.8 مليار جنيه لدعم اشتراكات الطلبة بالقطارات ومترو الأنفاق، و2.5 مليار جنيه لدعم نقل الركاب بالقاهرة والإسكندرية أيضًا.
الدين يلتهم ثلثي الموازنة
خصص مشروع الموازنة مبلغ 4.38 تريليون جنيه لخدمة الدين، فوائد وأقساط، بما نسبته 64.8% من إجمالي الموازنة البالغة 6.76 تريليون جنيه، ما يعني أن بند خدمة الدين يستحوذ على ثلثي الموازنة تقريبًا فيما يُخصص الثلث المتبقي لتلبية احتياجات المواطنين على مدار العام.
الملاحظ هنا زيادة مخصصات الدين في موازنة العام الجديد عما كانت عليه في الأعوام الماضية، حيث كانت في موازنة 2024/2025 حوالي 62% فيما لم تتجاوز في موازنة 2023/2024 حاجز الـ 54%، وهو تصاعد يراه خبراء اقتصاديون سيكون له تأثيره السلبي على الوفاء بالتزامات الحكومة تجاه الشعب.
جدير بالذكر هنا أن الارتفاع الكبير في خدمة الدين يرجع في الأساس إلى انخفاض العملة المحلية أمام الدولار، إذ اعتمدت موازنة العام الماضي سعر الدولار بـ 48 جنيهًا، أما موازنة العام الجديد فاعتمدت سعره في حدود 51 جنيهًا، وهو ما أدى في النهاية إلى ارتفاع قيمة الدين الخارجي إذا ما احتسب بالجنيه المصري، وعليه زادت مدفوعات الفوائد على الدين المحلي بطبيعة الحال.
وبجانب السياسات المالية والاقتصادية التي اتبعتها الحكومة ولم تحقق الهدف منها، وثبت خطأها في كثير من المسارات، فإن حزمة من التحديات والمستجدات الإقليمية والدولية لعبت دورًا محوريًا في ارتفاع سعر الدولار وإحداث هزات عنيفة في الاقتصاد كان لها ارتداداتها السلبية على الاقتصاد المصري.
الصحة والتعليم.. زيادة في الأنفاق ولكن!
تشير الأرقام الواردة في مشروع الموازنة للعام الجديد أن الإنفاق على الصحة بلغ 246 مليار جنيه، بما يمثل نحو 5.3٪ من إجمالي الإنفاق الحكومي البالغ 4.573 تريليون جنيه، فيما كان في موازنة العام الماضي 200 مليار جنيه، بزيادة نسبتها 23% وهي نسبة مقبولة جدًا وتُعتبر جيدة للغاية وفق الكثير من الخبراء.
أما فيما يتعلق بالتعليم فبلغت مخصصاته في مشروع موازنة العام الجديد 315 مليار جنيه، بما نسبته 6.8٪ من إجمالي الإنفاق الحكومي، مقارنة بـ 294 مليار جنيه في موازنة العام المالي الحالي 2024/2025، بزيادة نمو قدرها 7%.
#تقرير | غضب واسع في #مصر بسبب استمرار أزمة انقطاع الكهرباء. pic.twitter.com/Kw2CV5bE5B
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) July 3, 2024
ورغم تلك الزيادة في مخصصات الصحة والتعليم، كما يقول مشروع الموازنة على الورق، لكن واقعيًا هناك انكماش في معدلات الإنفاق بفعل التضخم المرتفع والذي أفقد العملة الكثير من قيمتها، هذا بخلاف عدم التزام تلك الميزانيات بما جاء في الدستور المصري بشأن نصيب الإنفاق على هذين المجالين.
وينص الدستور على تخصيص 3% على الأقل من الناتج الإجمالي للصحة، و 4% على الأقل للتعليم، إلا أن الأرقام المعلنة تقول إن نسبة الإنفاق على التعليم في موازنة العام الجديد تمثل حوالي 1.5% من إجمالي الناتج المحلي، بانخفاض قدره 2.5%، بينما نسبة الإنفاق على الصحة لا تتجاوز 1.2% بانخفاض يبلغ 1.8%.
تقليص الدعم
انعكس برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي قدمته الحكومة لصندوق النقد الدولي كشرط للحصول على القرض الأخير، بشكل كبير على ملامح موازنة العام الجديد، حيث تراجع الدعم بصورة ملحوظة، برغم الأرقام المعلنة والتي تشير على الورق إلى زيادة في حجم المخصصات الذاهبة لأوجه الدعم المختلفة لكنها عمليًا عكس ذلك تمامًا.
وبلغت مخصصات الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية في الموازنة 732.6 مليار جنيه، وهو الرقم الأكبر في تاريخ الموازنات المصرية على مدار عقود طويلة، بزيادة قدرها 15.2% عن العام المالي السابق والذي بلغت فيه 635.9 مليار جنيه، لكن مثل تلك الأرقام تحتاج إلى مزيد من التفصيل لقراءتها بشكل موضوعي.
رغم الرقم المعلن بشأن مخصصات الدعم والذي يبدو ضخمًا إلا أن نسبته من الاستخدامات في الموازنة الجديدة بلغت نحو 11%، فيما كانت في موازنة العام الماضي 11.5%، ما يعني أن هناك ميل نحو تقليص الدعم بشكل تدريجي، التزاما بتفاهمات الحكومة مع صندوق النقد والتي على رأسها تصفير الدعم بشكل كامل، وهو ما أعلن عنه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قبل أيام، على أن يكون قطاع المحروقات هو الخطوة الأولى.
ويمكن استكشاف تقليص الدعم الواضح في موازنة العام الجديد بشكل ملحوظ من خلال مؤشرين اثنين:
الأول: تراجع نسبة الدعم من إجمالي النفقات والاستخدامات التي تضمنتها الموازنة من 29% في موازنة 2013/2024 إلى 11% في موازنة 2025/2026، ما يعني أنه في غضون عشرة سنوات فقط تراجع الدعم بنسبة الثلثين تقريبًا.
الثاني: في حالة الارتكان إلى تقييم مخصصات الدعم في الموازنة بالدولار، كونه الأكثر موضوعية في تقييم الأرقام، يلاحظ أنه في موازنة 2013/2024 كانت مصروفات الدعم 228.6 مليار جنيه، أي بما يعادل وقتها 32.6 مليار دولار ( سعر الدولار حينها 7 جنيهات) لتصل في موازنة العام الجديد إلى 732.5 مليار جنيه، أي ما يعادل 14 مليار دولار، ما يعني أن قيمة الدعم الفعلية انخفضت إلى أكثر من النصف تقريبًا.