تنطلق اليوم الإثنين في مدينة إسطنبول التركية الجولة الثانية من المفاوضات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا.وأفادت وكالة "الأناضول" بوصول الوفد الأوكراني في الساعات الأولى من صباح اليوم، ويقود الوفد وزير الدفاع رستم عمروف. ولم تتضح حتى الآن هوية الوفد الروسي، علمًا أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كان قد دعا شخصيًا، يوم الأربعاء الماضي، إلى استئناف المفاوضات، معلنًا عن مذكرة روسية تتضمن رؤية موسكو وشروطها لإبرام اتفاق سلام دائم وإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ شباط/فبراير 2022.
وتنعقد هذه الجولة الثانية المرتقبة من المفاوضات بعد يوم دراماتيكي على الصعيد الميداني، حيث شنت أوكرانيا هجومًا فريدًا من نوعه على عدة قواعد روسية، دمّرت خلاله أكثر من 40 قاذفة صواريخ وطائرات قنص روسية، في عملية وُصفت بأنها غير مسبوقة، واستمر التخطيط لها أكثر من عامٍ ونصف.
نفذت أوكرانيا هجومًا نوعيا في عمق الأراضي الروسية أسفر عن تدمير عشرات قاذفات الصواريخ التي تقدّر كلفتها المالية بمليارات الدولارات
المفاوضات: صراع المقترحات
من المقرر أن ينطلق اللقاء بين الوفدين الروسي والأوكراني ظهر اليوم في قصر "تشيراغان" بإسطنبول. ويُعد هذا اللقاء الثاني من نوعه خلال أقل من شهر، والرابع منذ اندلاع الحرب. وكانت تركيا قد نجحت في آذار/مارس 2022 بجمع الطرفين المتحاربين على طاولة واحدة في كل من أنطاليا وإسطنبول، ثم عادت أنقرة لتستضيف جولة جديدة في 15 أيار/مايو 2025، بعد توقف المفاوضات المباشرة لأكثر من ثلاث سنوات. لكن جميع الجولات السابقة أخفقت في التوصل إلى اتفاق نهائي ينهي الحرب، إذ لم تفضِ سوى إلى اختراقات محدودة، تمثلت في هدنات مؤقتة أو صفقات لتبادل الأسرى، كان آخرها صفقة الأسبوع الماضي التي شملت تبادل 2000 أسير.
ويصل الوفدان الروسي والأوكراني اليوم إلى إسطنبول، وكل منهما يحمل مذكرة تتضمن مقترحًا لاتفاق سلام. وكانت كييف قد طلبت في وقت سابق من موسكو تسليمها نسخة من المقترح الروسي لتقييمه والرد عليه، إلا أن الكرملن رفض، مؤكدًا أنه لن يسلّم المقترح إلا ضمن مفاوضات مباشرة. وصرّح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قائلاً: "رغم عدم تسلُّمنا مذكرة وقف إطلاق النار من الجانب الروسي، فإننا سنسعى لتحقيق بعض التقدم نحو السلام خلال مفاوضات إسطنبول". وأضاف أن وفد بلاده "سيواصل طرح القضايا التي تضمن وقفًا كاملًا وغير مشروط لإطلاق النار، وسلامًا دائمًا وموثوقًا"، مشيرًا إلى أن الوفد يحمل خارطة سلام ستُعرض على الوفد الروسي الذي يقوده مستشار الكرملن فلاديمير ميدينسكي، وفق ما أفادت به وكالة "رويترز".
هجوم أوكراني مباغت
بينما كان الوفدان يستعدان لمغادرة بلديهما، نفذت أوكرانيا هجومًا نوعيًا ومباغتًا في عمق الأراضي الروسية. وقد اعترفت وزارة الدفاع الروسية بالهجوم، مشيرة إلى أن خمس قواعد جوية في مناطق مورمانسك، وإركوتسك، وإيفانوفو، وريازان، وأمو، تعرضت لهجمات بواسطة طائرات مسيّرة "معادية"، أدت لاشتعال النيران في عدد من الطائرات على المدارج.
ولفت مراقبون إلى أن الهجمات طالت مناطق شاسعة من روسيا، شملت الشمال الغربي، والجنوب الغربي، والشرق.
وكشفت كييف لاحقًا عن تفاصيل العملية، موضحة أن "الجيش الأوكراني نفذ هجومًا واسع النطاق باستخدام طائرات مسيّرة على الأراضي الروسية"، وأن العملية، التي خُطط لها على مدى عام ونصف، أسفرت عن تدمير أكثر من 40 طائرة روسية، من بينها طائرات إنذار مبكر من طراز A-50، وقاذفات استراتيجية من طراز Tu-95 وTu-22M3. وبينما تُقدّر تكلفة هذه الطائرات بالمليارات من الدولارات، لم تتجاوز تكلفة الطائرات المسيّرة المستخدمة آلاف الدولارات.
وأكد الرئيس زيلينسكي أن جهاز الأمن الأوكراني هو من نظّم العملية، قائلاً إنها "استهدفت مواقع روسية استُخدمت في الهجوم على أوكرانيا"، واصفًا الهجوم بأنه "عملية فريدة من نوعها". كما أشار إلى أن مركز تنسيق العملية كان قرب أحد مكاتب جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB)، مضيفًا أن الهجوم استُخدمت فيه 117 طائرة مسيّرة استهدفت 34% من حامِلات الصواريخ الاستراتيجية الروسية في القواعد الجوية.
بقدر ما تشكّل هذه العملية دليلًا على قدرات أوكرانيا في إلحاق الضرر الكبير بالقدرات العسكرية الروسية، إلا أنّ البعض يرى أنها قد تعطي لروسيا الأسباب الكافية لتصعيد الحرب وضرب أهداف جديدة إنقاذًا لكبريائها وصورتها أمام العالم،
ولم يتحدث زيلينسكي عن طريقة إدخال الطائرات المسيّرة إلى داخل الأراضي الروسية، لكن مصادر أوكرانية أفادت بأنه جرى تهريبها إلى روسيا، حيث وُضعت داخل حاويات خشبية، ثم نُقلت على متن شاحنات صُمّمت أسقفها لتُفتح عن بُعد، مما يتيح إطلاق المسيّرات في الوقت المناسب.
وبقدر ما تشكّل هذه العملية دليلاً على قدرة أوكرانيا على إلحاق ضرر كبير بالقدرات العسكرية الروسية، فإنّ بعض المراقبين يرون أنها قد تمنح موسكو مبرّرات كافية لتصعيد الحرب، وضرب أهداف جديدة إنقاذًا لما تبقّى من هيبتها وصورتها أمام العالم.
ويقارن أصحاب هذا الرأي بين الهجوم الذي نفذته حركة حماس في 7 أكتوبر ضد إسرائيل، وما تلاه من حرب إبادة جماعية انتقامية، وبين ما قد تُقدم عليه روسيا ردًّا على الهجوم الأوكراني ضد قواعدها الجوية. لكنّ هناك فارقًا جوهريًا، يتمثل في أنّ الهجوم الأوكراني لم يؤدِّ إلى سقوط قتلى، كما يرجّح متابعون أن العملية نُفّذت بضوء أخضر أميركي، في ظل مماطلة روسيا في مفاوضات السلام. يُضاف إلى ذلك أنّ حلفاء أوكرانيا لن يتساهلوا مع أي تصعيد روسي كبير قد يهدد استقرار الوضع الإقليمي.