بعد أكثر من 75 عامًا من النشاط السياسي في سوريا، أعلنت القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي تعليق النشاط الحزبي، وذلك إثر فرار أمينه العام، رئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد، إلى موسكو، ودخول فصائل المعارضة إلى العاصمة دمشق، منهية بذلك حكم عائلة الأسد الذي دام لأكثر من نصف قرن.
وجاء في بيان الحزب، الذي حمل توقيع أمينه العام المساعد إبراهيم الحديد، أنه بعد الاطلاع والتداول ومتابعة كافة الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، قررت قيادة الحزب "تعليق العمل والنشاط الحزبي بكافة أشكاله ومحاوره حتى إشعار آخر"، معلنة "إنهاء تفريغ كافة الرفاق المفرغين كليًا أو جزئيًا".
وطالبت قيادة الحزب في البيان بـ"إعادة كافة الرفاق المعارين والمندوبين إلى ملاك وزاراتهم ومؤسساتهم ودوائرهم الأصلية"، داعية أعضاء الحزب إلى "وضع أنفسهم تحت تصرف الجهات التي كانوا يعملون بها أصلًا"، ومشددة على ضرورة "تسليم كافة الآليات والمركبات والأسلحة التي كانت بحوزة الرفاق إلى وزارة الداخلية أو إلى أقرب وحدة أو مركز شرطة تابع لوزارة الداخلية مع تحرير ضبط رسمي بذلك".
بعد أكثر من 75 عامًا على النشاط السياسي في سوريا، أعلنت القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا تعليق النشاط الحزبي
ودعت قيادة الحزب في بيانها إلى "وضع كافة أملاك وأموال الحزب تحت إشراف وزارة المالية ورقابة وزارة العدل، وإيداع ريعها في مصرف سوريا المركزي ليتم صرفها وفق القانون من الحكومة الحالية"، بالإضافة إلى "وضع جامعة الشام الخاصة تحت إشراف وزارة التعليم العالي من النواحي العلمية والأكاديمية والتدريسية والإدارية، بما في ذلك العاملون في الجامعة وكوادرها الوظيفية والتدريسية".
وكان الحديد قد صرّح في بيان، الإثنين الماضي، عقب فرار الأسد إلى موسكو: "سنبقى داعمين لمرحلة انتقالية في سوريا تهدف إلى الدفاع عن وحدة البلاد أرضًا وشعبًا ومؤسساتًا ومقدراتها"، علمًا أن الحزب كان قد حصل على الأغلبية المطلقة في انتخابات مجلس الشعب التي نظمها النظام السوري السابق في تموز/يوليو الماضي.
ووقتها أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرًا عقب صدور النتائج: "انتخابات مجلس الشعب في هذه الدورة، كما في الدورات السابقة، بعيدة كل البعد عن أن تكون حرة ونزيهة وشفافة، ولا تمثل الشعب والمجتمع السوري، بل هي مفروضة بقوة السلاح وسطوة الأجهزة الأمنية، وهي مجرد إجراءات شكلية فارغة تمامًا من أي مغزى سياسي".
حزب البعث.. سيرة مختصرة
يرجع تاريخ تأسيس حزب البعث في سوريا إلى السابع من نيسان/أبريل 1947. لكن الزخم الجماهيري الأكبر للحزب كان في عام 1953، عندما أعلن عن اندماجه مع الحزب العربي الاشتراكي، ليصبح حزب البعث العربي الاشتراكي، مما أكسبه شعبية بين المثقفين والفلاحين. وكان من أوائل الأحزاب التي أعلنت نفسها غداة الوحدة بين سوريا ومصر في عام 1958، قبل أن يستأنف نشاطه السياسي في عام 1961 عقب انهيار المشروع الوحدوي بين البلدين.
🎥 معامل لتصنيع الكبتاغون في مقرات تتبع لماهر الأسد. pic.twitter.com/wAPge4gwX3
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) December 12, 2024
وفي الثامن من آذار/مارس 1963، نفذ قادة عسكريون من حزب البعث انقلابًا في سوريا، وأعلنوا إثره فرض حالة الطوارئ في البلاد. وفي الـ16 من تشرين الثاني/نوفمبر 1970، نفذ الرئيس السابق حافظ الأسد انقلابًا عسكريًا أطاح بقادة الصف الأول للحزب، وهو ما سماه لاحقًا "الحركة التصحيحية"، قبل أن يتم انتخابه رئيسًا للبلاد في استفتاء شعبي عام 1971.
وخلال عقود حكم فيها الأسد سوريا بالحديد والنار، شنت حملات انتقامية أفضت إلى تصفية خصومه السياسيين، وأرست قاعدة حكم الحزب الواحد والقائد الواحد التي أنهت الحياة السياسية والحزبية. وبعد وفاته في حزيران/يونيو 2000، تم تعديل الدستور السوري ليتيح لبشار الأسد وراثة الحكم عن والده.
وكانت المادة الثامنة في الدستور السوري، الذي صاغه الأسد الأب عام 1973، تنص على أن "حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية". وكان تمثيل الجبهة الوطنية التقدمية صوريًا في الحياة السياسية، قبل تعديل المادة في الدستور الجديد عام 2012، الذي نصّ بصورة شكلية على "مبدأ التعددية الحزبية".