مع اشتداد أزمة المجاعة وانهيار البنى التحتية في قطاع غزة، تتخذ الولايات المتحدة وإسرائيل خطوات مثيرة للجدل حول خصخصة وعسكرة توزيع المساعدات الإنسانية، من خلال منح شركة أمنية خاصة أميركية تدعى(SRS) "Safe Reach Solutions" دورًا محوريًا في إدارة عمليات الإغاثة على الأرض، في تجاوز واضح لدور الأمم المتحدة، الجهة المعترف بها دوليًا في هذا المجال.
شركة مرتزقة في مهمة إنسانية؟
وفقًا لإعلانات وظائف نُشرت مؤخرًا على منصة "لينكد إن"، تسعى الشركة الأميركية إلى توظيف ضباط ارتباط إنساني، ومديري عمليات ميدانية، ومتخصصين في تحليل الفيديو الحي (Full-Motion Video)، بشرط توفر خبرة ميدانية في الشرق الأوسط، وإجادة اللغة العربية، وسابقة عمل مع الأمم المتحدة – وهي الجهة التي تهدف الشركة فعليًا إلى الحلول محلها في قطاع غزة.
وفقًا لإعلانات وظائف نُشرت مؤخرًا على منصة "لينكد إن"، تسعى الشركة الأميركية إلى توظيف ضباط ارتباط إنساني، ومديري عمليات ميدانية، ومتخصصين في تحليل الفيديو الحي
تشير تفاصيل الوظائف إلى مسؤوليات تتجاوز مجرد التنسيق الإنساني، حيث يُطلب من المتقدمين تقديم نصائح استراتيجية بشأن التعامل مع "السكان المتضررين والسلطات المحلية والمنظمات المجتمعية"، بالإضافة إلى مراقبة التغيرات التي قد تؤثر على "الوضع العملياتي" للفريق.
عسكرة الإغاثة: من مؤسسات دولية إلى شركات خاصة
رغم أن الأمم المتحدة لا تزال الجهة الأقدر على تقديم الإغاثة في مناطق النزاع، تسعى كلٌّ من واشنطن وتل أبيب، من خلال إنشاء "مؤسسة غزة الإنسانية"، إلى إنشاء هيئة موازية تُشرف على توزيع المساعدات بدعم من شركة SRS، فيما يعكس توجّهًا متسارعًا نحو عسكرة العمل الإغاثي وتفكيك النظام الإنساني القائم.
منسق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة يحذر من عواقب "مروعة" بسبب نقص المساعدات في #غزة. pic.twitter.com/Ylb3amygEI
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) May 20, 2024
وقد بدأت الشركة بالفعل في جذب اهتمام المتخصصين، حيث تقدّم أكثر من 100 شخص لوظيفة ضابط ارتباط إنساني خلال أسبوعين فقط، كما تلقت حسابات العاملين في (SRS)رسائل من متعاقدين سابقين عملوا مع الجيش الأميركي في مشاريع إغاثية بغزة مثل "رصيف ترَيدَنت" الذي فشلت مهمته.
من هو فيل رايلي؟
يرأس شركة "Safe Reach Solutions" شخصية بارزة في عالم الاستخبارات الأميركية تُدعى فيل رايلي، وهو ضابط سابق في وحدة العمليات شبه العسكرية التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، وله باع طويل خلال عمله في أفغانستان وآسيا والعراق.
ووفقًا لمسؤولين أميركيين سابقين تحدثوا لموقع "ميدل إيست آي"، يتمتع رايلي بعلاقة قوية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعدد من رجال الأعمال الإسرائيليين النافذين.
وقد وصف أحد هؤلاء المخططين الإسرائيليين العقد المحتمل بين إسرائيل و(SRS) بأنه "قد تصل قيمته إلى مئات ملايين الدولارات".
سياقات خطرة: تقنيات المراقبة والتمييز في توزيع المساعدات
في موازاة ذلك، وافقت الحكومة الإسرائيلية مؤخرًا على خطة تتضمن استخدام تقنيات التعرف على الوجوه لفحص الفلسطينيين قبل تسلّمهم المساعدات، وتفصل بين الرجال والنساء عند مراكز الاستلام. وتخطط إسرائيل لإنشاء "محاور توزيع" خاضعة لمراقبة مشددة، بدعم لوجستي من (SRS) وخبرائها التقنيين.
وتسعى إسرائيل للحصول على تمويل أجنبي لهذه الخطط، ما يزيد من قلق المنظمات الإنسانية، خاصة مع رفض الأمم المتحدة المشاركة في آلية عمل "مؤسسة غزة الإنسانية".
توزيع غير موجود على أرض الواقع
على الرغم من إعلان إسرائيل هذا الأسبوع السماح بدخول بعض شحنات الإغاثة، أكّدت الأمم المتحدة أنها لم تتمكن من توزيعها فعليًا، بسبب تعقيدات أمنية عند معبر كرم أبو سالم. و
قال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك: "انتظر فريقنا ساعات للحصول على الضوء الأخضر من السلطات الإسرائيلية، لكنهم لم يتمكنوا من نقل الإمدادات إلى مستودعاتنا داخل غزة".
في المقابل، تواصل الأزمة الإنسانية تفاقمها. وقد حذّر منسق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، توم فليتشر، من أن 14 ألف طفل رضيع قد يلقون حتفهم إذا لم تصل إليهم المساعدات.
📌 يواجه الأطفال في قطاع غزة خطر المجاعة والموت البطيء تحت الحصار، وسط انهيار في النظام الصحي ونقص حاد في الغذاء والمياه، في ظل مواصلة جيش الاحتلال الإسرائيلي منع دخول المساعدات الإنسانية والطبية منذ أشهر.
📌 وسط تحذيرات أممية من تصاعد سوء التغذية إلى مستويات كارثية، في الوقت… pic.twitter.com/qoYf3RVZs8
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) May 19, 2025
بين الأخلاقي والسياسي: ماذا تعني عسكرة الإغاثة؟
يرى خبراء إنسانيون أن إشراك شركات عسكرية خاصة في إدارة العمل الإغاثي يفتح الباب أمام عسكرة المساعدات وتحويلها إلى أدوات ضغط، بدل أن تبقى حيادية كما يقتضي القانون الدولي الإنساني.
كما أن توظيف مرتزقة سابقين وخبراء أمنيين يحمل مخاطر كبيرة على ثقة المجتمع المحلي، ويمثل امتدادًا لنهج "التحكم الأمني في السكان" بدل تقديم العون لهم.
غزة في قلب صراع جديد... هذه المرة على "المساعدات"
في الوقت الذي يواجه فيه سكان غزة خطر المجاعة والانهيار الصحي الشامل، يبدو أن المساعدات الإنسانية أصبحت بدورها أداة توظفها إسرائيل لتهجير الفلسطينيين. وبدلًا من تعزيز دور الأمم المتحدة، يتم فتح المجال أمام شركات أمنية خاصة لتتحكم في مصير ملايين المدنيين.
الأسئلة الآن لا تتعلق فقط بكفاءة (SRS) ، بل بمشروعية هذه الخطوة، وما تعنيه على المدى الطويل لمفهوم الحياد الإنساني في مناطق النزاع.