في مشهد بات يتكرر تحت الحصار والنار، استشهد 31 فلسطينيًا على الأقل وأصيب أكثر من 176 آخرين فجر الأحد، خلال إطلاق نار من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي على حشد من المدنيين تجمعوا قرب نقطة توزيع مساعدات غذائية في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة. المجزرة التي وقعت في محيط موقع تابع لمؤسسة "غزة الإنسانية" الأميركية (GHF)، فجّرت موجة إدانات حقوقية ودولية، وسط استمرار إسرائيل في نفي مسؤوليتها.
وقال المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة، محمود بصل، إن "الآليات الإسرائيلية فتحت نيرانها تجاه آلاف المواطنين الذين احتشدوا فجرًا للحصول على المساعدات"، مؤكدًا سقوط عشرات الشهداء والجرحى، بينهم حالات حرجة. ووصف بصل ما جرى بأنه "إعدام جماعي لمواطنين عزّل كانوا يبحثون عن الطعام لأطفالهم".
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان فنّد الرواية الإسرائيلية، واعتبر الفيديو "محاولة تضليل" تحوّلت إلى "فضيحة مدوية"
إسرائيل تنفي والمرصد الأورومتوسطي يكشف التناقضات
الجيش الإسرائيلي سارع إلى إصدار بيان نفى فيه إطلاق النار على مدنيين، واصفًا التقارير بأنها "كاذبة"، ومشيرًا إلى أن تحقيقًا أوليًا "لم يُظهر إطلاق نار من الجيش باتجاه المدنيين قرب موقع المساعدات". كما نشر لاحقًا مقطع فيديو التُقط بطائرة مسيرة، زاعمًا أنه يوثّق "اعتداءات نفذها مسلحون فلسطينيون ضد المدنيين".
غير أن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان فنّد الرواية الإسرائيلية، واعتبر الفيديو "محاولة تضليل" تحوّلت إلى "فضيحة مدوية". وأوضح المرصد أن الفيديو لم يُصوّر في رفح كما زُعم، بل في خانيونس، ويُظهر عصابة مدعومة من الاحتلال تهاجم شاحنات المساعدات وسط حماية طائرات مسيّرة إسرائيلية، دون أي تدخل لمنع الجريمة.
◀️ طفل فلسطيني يحاول التقاط ما تبقى من طبق حبوب المعكرونة المرمية أرضًا من أمام إحدى التكيات في قطاع #غزة محاولًا سد جوعه. pic.twitter.com/KjQ22Wx7HQ
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) June 2, 2025
وأضاف المرصد أن مدنيين حاولوا استعادة المساعدات من العصابة فتعرضوا لإطلاق نار مباشر، ما يدل على "تواطؤ الاحتلال مع عمليات النهب، بدلًا من حماية المدنيين أو ضمان وصول المساعدات إليهم".
مسؤول أممي: المساعدات أصبحت فخًا مميتًا
من جانبه، علّق المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيليب لازاريني، على المجزرة قائلًا: إن توزيع المساعدات في غزة "تحوّل إلى فخ مميت". وحذّر من أن استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ نحو 8 أشهر، يُفاقم الكارثة الإنسانية، داعيًا إلى رفع الحصار والسماح بوصول آمن ومن دون عوائق للمساعدات.
وتتعرض "الأونروا" لحظر إسرائيلي منذ بداية العام، في ظل اتهامات متكررة من تل أبيب للوكالة بدعم حركة حماس، وهي مزاعم رفضتها الأمم المتحدة ولم تثبتها أي جهة مستقلة.
برنامج الأغذية العالمي يدق ناقوس الخطر
من جهتها، أكدت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، سيندي ماكين، أن تقارير البرنامج بشأن ما جرى في رفح تتطابق مع ما أعلنته السلطات المحلية في غزة. وفي مقابلة مع شبكة "ABC" الأميركية، دعت ماكين إلى وقف فوري لإطلاق النار، ووصفت ما يحدث بأنه "كارثة إنسانية غير مسبوقة"، مؤكدة أن غزة بحاجة إلى "ممرات آمنة وبوابات مفتوحة لإيصال الغذاء وإنقاذ ما تبقّى من حياة".
وقالت ماكين: "إنها مأساة. ما نحتاجه الآن هو وقف فوري لإطلاق النار، ووصول كامل وغير مقيد للمساعدات. إذا لم نفعل ذلك، فستكون كارثة إنسانية لا مثيل لها".
انتقادات لسياسات التوزيع الجديدة
تأتي هذه المجزرة بعد أيام من بدء مؤسسة " غزة الإنسانية" (GHF)، العمل على توزيع المساعدات الإنسانية بعد منع دام 11 أسبوعًا، وفق آلية مدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة، بزعم منع وصولها إلى حركة حماس. غير أن منظمات الإغاثة الدولية انتقدت هذه الآلية بشدة، مشيرة إلى افتقارها للشفافية وتجاهلها للقنوات الأممية المعتمدة.
وقالت منظمة "أوكسفام" إن النظام الذي تفرضه إسرائيل عبر "مراكز توزيع محمية" يخدم "أهدافًا عسكرية وسياسية"، ولا يضمن الحد الأدنى من شروط العدالة أو الأمن للمدنيين. وأضافت أن "إسرائيل تُحول توزيع الغذاء إلى أداة عقاب جماعي".
من جهتها، وصفت الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان آلية توزيع المساعدات التي تشرف عليها إسرائيل والولايات المتحدة بأنها "أداة ضغط وإذلال" للفلسطينيين، مؤكدة أن هذه الآلية تُستخدم كوسيلة لإجبار المدنيين على التوجه إلى مناطق محددة تحت إشراف عسكري، مما يحول المساعدات إلى "مصائد موت جماعي"
وفي السياق نفسه، قالت نائبة مديرة منظمة "Crisis Action " الدولية، ألكسندرا ستارك: "ما نشهده في رفح هو نتيجة مباشرة لفشل المجتمع الدولي في فرض وقف إطلاق نار إنساني دائم، وترك ملايين المدنيين رهائن لمزاج سياسي إسرائيلي لا يراعي القانون الدولي".
◀️ طفل مصاب في #غزة اضطر للجلوس على الأرض والاحتماء بجدار المستشفى بعد امتلاء الأسرّة بالمصابين. pic.twitter.com/DajMOJJBf7
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) June 2, 2025
وأظهرت صور ومقاطع فيديو من داخل غزة طوابير طويلة من المواطنين ينتظرون ما تيسّر من الغذاء، في مشهد يعكس، بحسب تحذيرات دولية، اقتراب القطاع من حافة المجاعة.
وفي هذا السياق، حذّر حقوقيون من "تسليح المساعدات الإنسانية" وتحويلها إلى أداة ضغط سياسي وأمني، بدلًا من كونها استجابة إنسانية محايدة. وقالت منظمات دولية إن تحكم الجيش الإسرائيلي بمسارات الإغاثة واشتراطاته الأمنية يحوّل المساعدات إلى وسيلة ابتزاز جماعي، تعرّض المدنيين لخطر الموت أثناء سعيهم لتأمين قوت يومهم.
كارثة متواصلة تحت الحصار
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023، شهدت مناطق مختلفة من القطاع سلسلة من الهجمات المتكررة التي استهدفت نقاط توزيع المساعدات. ووفقًا لتقارير أممية، يعيش أكثر من نصف سكان القطاع في "ظروف مجاعة"، فيما لا يزال الاحتلال يمنع دخول الوقود ويعرقل مرور القوافل الإنسانية، رغم القرارات الدولية المتكررة المطالِبة بفتح المعابر.
ومع تدهور الأوضاع الإنسانية، تُواجه المنظمات الدولية صعوبات جسيمة في إيصال المساعدات، أو حتى حماية مخازنها ومراكزها، في ظل انهيار شبه كامل للنظام الصحي والإغاثي داخل القطاع.