22-مايو-2025
يدّعي ترامب أن صورًا لصلبان بيضاء تمثل قبور مزارعين بيض قُتلوا في جنوب إفريقيا (EPA)

يدّعي ترامب أن صورًا لصلبان بيضاء تمثل قبور مزارعين بيض قُتلوا في جنوب إفريقيا (EPA)

في لقاءٍ وصفه المراقبون بـ"المصيدة الدبلوماسية"، اصطدم الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا بادعاءاتٍ مثيرة للجدل من نظيره الأميركي دونالد ترامب، الذي أعاد إحياء مزاعم "الإبادة الجماعية للبيض" في جنوب إفريقيا خلال اجتماعٍ في البيت الأبيض أمس الأربعاء.

تصعيد مفاجئ في البيت الأبيض

كان من المفترض أن يكون اللقاء فرصةً لإعادة ضبط العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون التجاري بين البلدين، خاصةً في ظل التهديدات الأميركية بفرض رسوم جمركية تصل إلى 31% على الصادرات الجنوب إفريقية. لكن ترامب فاجأ ضيفه بإطفاء الأنوار وتشغيل مقطع فيديو مثير للجدل يُظهر لقطات لزعيم المعارضة جوليوس ماليما وهو يردد شعارات عنيفة، بالإضافة إلى صور لصلبان بيضاء قيل إنها تمثل قبور مزارعين بيض قُتلوا في البلاد.

ترامب دعم مزاعمه بمجموعة من المقالات المطبوعة، بعضها من مصادر غير موثوقة، وادعى أن "البيض يُقتلون وتُصادر أراضيهم". ورد رامافوزا بنفيٍ قاطع، مؤكدًا أن "ما شاهدتموه لا يمثل سياسة الحكومة"، مشددًا على أن العنف في جنوب إفريقيا يؤثر على جميع المواطنين، وأن الأغلبية الساحقة من ضحايا الجرائم هم من السود.

ترامب فاجأ ضيفه بإطفاء الأنوار وتشغيل مقطع فيديو مثير للجدل يُظهر لقطات لزعيم المعارضة جوليوس ماليما وهو يردد شعارات عنيفة

جنوب إفريقيا في مواجهة السردية العنصرية

يمثل هذا اللقاء لحظة انعكاس حرجة لجنوب إفريقيا، فهي، وإن كانت تعاني من مشكلات حقيقية كالبطالة المرتفعة والعنف المتصاعد والتفاوت الاقتصادي، فإن تصوير البلاد كمسرح لاضطهاد البيض يُعد تشويهًا مضللًا للحقيقة. فبالأرقام، لا يزال البيض في جنوب إفريقيا يملكون الحصة الأكبر من الثروة والفرص مقارنة بالأغلبية السوداء، رغم مرور ثلاثة عقود على انتهاء نظام الأبارتايد.

ما فعله ترامب لم يكن مجرد تكرار لرواية هامشية، بل ترسيخها في أعلى منصب في العالم، وهو ما من شأنه أن يعمّق الجراح ويخلق حالة استقطاب دولي خطيرة.

الحقائق على الأرض: لا إبادة جماعية

البيانات الرسمية تدحض رواية "الإبادة الجماعية". فوفقًا لإحصاءات الشرطة الجنوب إفريقية، سُجلت 26.232 جريمة قتل في عام 2024، منها 44 فقط في المزارع، و8 منها فقط استهدفت مزارعين بيض. حتى اتحاد المزارعين البيض "TLU-SA" أفاد بأن متوسط عدد المزارعين البيض الذين يُقتلون سنويًا لا يتجاوز 40، أي أقل من 1% من إجمالي جرائم القتل في البلاد. كما أن محكمة في كيب الغربية وصفت مزاعم "الإبادة الجماعية" بأنها "متخيلة وغير واقعية". 

أبعاد سياسية داخلية وخارجية

يرى محللون أن تصرفات ترامب تأتي في سياق استرضاء قاعدته اليمينية المتطرف. كما أن منح اللجوء لحوالي 59 من مواطني جنوب إفريقيا البيض، وإلغاء مساعدات تنموية لجنوب إفريقيا، يعكس توجهًا سياسيًا يهدف إلى تأجيج خطاب "البيض المضطهدين".

من جانبه، حاول رامافوزا تهدئة الأجواء بإحضار شخصيات بارزة مثل لاعبي الغولف إيرني إلس وريتييف غوسن، ورجل الأعمال يوهان روبرت، لتقديم صورة مغايرة عن واقع البلاد. لكن هذه المحاولة لم تمنع ترامب من مواصلة هجومه، مما أثار استياءً واسعًا في جنوب إفريقيا، حيث وصفت وسائل الإعلام المحلية اللقاء بأنه "إهانة دبلوماسية" و"عرض مسرحي.

تداعيات على العلاقات الثنائية

تُعد الولايات المتحدة ثاني أكبر شريك تجاري لجنوب إفريقيا، وأي توتر في العلاقات قد يؤثر سلبًا على الاقتصاد الجنوب إفريقي، الذي يعاني بالفعل من معدلات بطالة مرتفعة ونمو اقتصادي بطيء. كما أن تعليق المساعدات الأميركية قد يضر ببرامج حيوية مثل مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) .

هشاشة العلاقات

في المحصلة، لم يكن لقاء رامافوزا وترامب مجرد مناسبة بروتوكولية، بل محطة كاشفة للتصدعات العميقة في العلاقات بين واشنطن وبريتوريا. فبدلًا من تعزيز الشراكة الاقتصادية أو توسيع آفاق التعاون، هيمنت روايات مشوشة عن "الاضطهاد العرقي" على المشهد، مما عمّق سوء الفهم وأضعف فرص التقارب. وفي عالم تتزايد فيه رهانات الشعبوية.