21-مايو-2025
حرب الإبادة الجماعية على غزة

مكانة إسرائيل الدبلوماسية في تراجع (غيتي)

تواجه دولة الاحتلال الإسرائيلي مزيدًا من الضغط والإحراج على الصعيد الدولي، بسبب حرب الإبادة الجماعية المستمرة في غزة منذ أكثر من 19 شهرًا. فقد أعلن الاتحاد الأوروبي أنه سيعيد النظر في اتفاقية الشراكة الإستراتيجية مع إسرائيل، التي تمنح تل أبيب امتيازات تجارية كبيرة، وتُعدّ الاتحاد الأوروبي أكبر شريكٍ تجاري لها.

وفي السياق ذاته، صادق البرلمان الإسباني على توصية تدعو إلى فرض حظرٍ على توريد الأسلحة إلى إسرائيل، بينما أعلنت بريطانيا تجميد مفاوضات اتفاقية تجارةٍ حرة جديدة معها، وفرضت عقوبات جديدة على مستوطنين إسرائيليين، ملوّحةً بخطوات إضافية. في الوقت نفسه، أكدت فرنسا وبريطانيا وكندا أنها بصدد الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مشدّدةً على أنّ ديناميكية الاعتراف لن تقتصر على تلك الدول الثلاث.

وبناءً على هذه التطورات، رأت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أنه يمكن القول إنّ مكانة إسرائيل الدولية باتت في تراجع، وأنها أصبحت، أكثر من أي وقت مضى، عرضةً لأن تُوصَف بـ"الدولة المنبوذة".

استغربت دوائر إسرائيلية من عدم إدانة الولايات المتحدة للإجراءات العقابية الأوروبية ضد إسرائيل

مراجعة اتفاقية الشراكة الأوروبية

أعلنت مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس أنّ مقترح مراجعة اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع إسرائيل الذي اقترحته هولندا حظي بدعم غالبية الدول الأعضاء في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل مساء أمس الثلاثاء. وبناءً عليه أكدت كايا أنه سيبدأ العمل على مراجعة الاتفاقية، معربةً عن أملها في أن "يتم رفع الحظر عن المساعدات الإنسانية وأن يتحسن الوضع" في غزة.

تجدر الإشارة إلى أنّ الإطار القانوني لاتفاقية الشراكة الإستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل وُضع عام 1995، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ بعد ذلك عام 2000، وبموجب تلك الاتفاقية أصبح الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لإسرائيل. لكن المادة الثانية من الإطار القانوني للاتفاقية تنص على أنّ الشراكة مقيّدة "بالالتزام بحقوق الإنسان والقانون الدولي"، وقد اعتمدت هولندا على هذه المادة لتقديم مقترحها بمشاركة تلك الشراكة، من منطلق أنّ إسرائيل خرقتها.

وفي هذا الصدد قال وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلدكامب، في رسالته التي بعثها إلى الاتحاد الأوروبي: "إن الحصار في غزة ينتهك القانون الإنساني الدولي وبالتالي المادة الثانية من اتفاقية الشراكة التي تنظم التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل". وحظيت المبادرة الهولندية بدعمٍ قوي من دول مثل إسبانيا وفرنسا وإيرلندا.

تحرك إسباني

بالتزامن مع الإجراء الأوروبي، صادق البرلمان الإسباني، أمس الثلاثاء، على توصية تدعو إلى فرض حظر على توريد الأسلحة إلى إسرائيل. وحظي القرار بدعم 176 نائبًا مقابل 171 صوتوا ضده، وينتمي غالبية الرافضين إلى "الحزب الشعبي اليميني المعارض وحزب فوكس اليميني المتطرف".

وقدّم المقترح للتصويت "تحالف سومار، الشريك الأصغر في الحكومة الائتلافية، وحزبا بوديموس واليسار الجمهوري لكتالونيا المعارضين".

ويدعو المقترح الذي أجازه البرلمان الحكومة الإسبانية إلى حظر أنواع الموارد التي من شأنها أن تعزز قوة جيش الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك الوقود الذي قد يستخدم لأغراض عسكرية.

ولا يكتفي المقترح بذلك بل يدعو الحكومة الإسبانية، المعروفة بموقفها الصارم من حرب الإبادة على غزة، إلى تعديل قانون التجارة الخارجية في إسبانيا لحظر العقود العسكرية مع الدول المتورطة أو المتواطئة في جرائم الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية، كما هو الحال مع إسرائيل.

وبعد تمرير المقترح برلمانيًا علّقت المتحدثة البرلمانية باسم تحالف سومار، فيرونيكا مارتينيز، على الإنجاز قائلةً إن "إسبانيا لا تستطيع التعاون مع أي دولة ترتكب إبادة جماعية أو جرائم حرب. وفي الوضع الحالي، لا ينبغي دعم صناعة الأسلحة لإسرائيل التي ترتكب إبادة جماعية في غزة".

وفي سياق متصل دعت زعيمة حزب بوديموس، أيوني بيلارا، "مجلس الوزراء إلى عقد اجتماع استثنائي هذا الأسبوع وإصدار قرار بفرض حظر سلاح على إسرائيل".

وكانت وزيرة الدفاع الإسبانية مارغريتا روبليس، قد قالت إن "إسبانيا ليس لديها أي تجارة أسلحة مع إسرائيل منذ بدء الحرب على غزة"، لكنّ نشطاء حقوقيين تظاهروا أمس الثلاثاء أمام البرلمان دعمًا للفلسطيينيين، أكّدو أنّ "إسبانيا لا تزال لديها 9 عقود نشطة مع شركات أسلحة إسرائيلية، ودفعت ملايين اليوروهات لإسرائيل".

وضمن سياق الحراك الإسباني دعت الخارجية الإسباية إلى عقد اجتماعة لـ"مجموعة مدريد" في الـ25 من أيار/مايو الجاري، للوقوف دون "تحويل غزة إلى مقبرة جماعية" بحسب بيانٍ صادر عن الخارجية الإسبانية.

وأضاف وزير الخارجية الإسباني خوسيه ألبانيس: "نرغب في تسخير كل دعمنا، وقوتنا، وقدرتنا الدبلوماسية في اجتماع الأمم المتحدة المرتقب الشهر المقبل، بهدف تثبيت وتنفيذ حل الدولتين".

 تجدر الإشارة إلى أن مجموعة مدريد أنشئت لدعم فلسطين، وتضم دولًا أوروبية وإسلامية. كما يشار إلى أن مدينة نيويورك تستضيف حزيران/يونيو المقبل "مؤتمرًا بقيادة السعودية وفرنسا لتسوية القضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين". ومن المتوقع أن تُعلن فرنسا، خلال هذا المؤتمر، عن اعترافها رسميًا بالدولة الفلسطينية.

التحرك البريطاني

جمّدت بريطانيا مفاوضات اتفاقية تجارة حرة جديدة مع إسرائيل، وهدّدت على لسان وزير خارجيتها، ديفيد لامي، باتخاذ إجراءات إضافية بسبب الوضع المتدهور في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما أعلنت لندن فرض عقوبات جديدة على مستوطنين إسرائيليين.

وفرضت حكومة كير ستارمر عقوبات على "شخصيات استيطانية بارزة في الضفة الغربية المحتلة" لتورطهم في أعمال عنف وتهديد ضد الفلسطينيين، أو تغاضيهم عنها ودعمها. وذكرت صحيفة "هآرتس" من بين هؤلاء دانييلا فايس، رئيسة حركة "نحالا"، وإلياف ليبي، عضو قيادة اتحاد المزارعين، وزوهار صباح، مالك مزرعة في غور الأردن.

كما توقعت الصحيفة أن تشمل العقوبات "بؤرة مزرعة نيريا"، التابعة للمستوطن نيريا بن بازي، بسبب تورطها في انتهاكات لحقوق الإنسان.

في غضون ذلك، تواصل إسرائيل حرب الإبادة الجماعية في غزة، وتفرض حصارًا خانقًا عبر إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية، في إطار سياسة تجويع ممنهجة تستهدف سكان القطاع.

مكانة إسرائيل الدولية في أدنى مستوياتها

نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مصدر في وزارة الخارجية الإسرائيلية قوله إن إسرائيل تواجه "تسونامي حقيقي"، مضيفًا أن البلاد تمرّ بأسوأ حالاتها دبلوماسيًا، حيث تراجعت مكانتها الدولية إلى أدنى مستوياتها، في ظل تهديدات بفرض عقوبات من أقرب أصدقائها وحلفائها التاريخيين، مثل بريطانيا وفرنسا وكندا.

وبحسب المصدر الدبلوماسي الإسرائيلي، فإن ما يزيد الموقف حرجًا هو أن هذه التهديدات لم تقابَل بأي رد فعل أو إدانة من الحليف الأميركي، وهو ما يبدو مرتبطًا بإحباط إدارة بايدن من حكومة نتنياهو، التي ترفض التوصل إلى صفقة شاملة لتبادل الأسرى وإنهاء الحرب المدمّرة.

وتوقعت المصادر الإسرائيلية أن تكون لـ"موجة العقوبات" تداعيات اقتصادية خطيرة، خصوصًا في قطاع التكنولوجيا الفائقة، بعد أن جمّدت بريطانيا مفاوضات اتفاقية تجارة حرة جديدة مع إسرائيل.

وتواصل إسرائيل فرض حصار خانق على غزة، من خلال إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات المتكدسة على الحدود منذ مارس/آذار، ما يهدد نحو 2.4 مليون فلسطيني بالمجاعة. وعلاوة على ذلك، وسّع جيش الاحتلال الإسرائيلي، بأوامر من الحكومة، نطاق عملياته في القطاع، الأمر الذي ينذر بسقوط مزيد من الضحايا وتدمير المزيد من البنية التحتية، في محاولة لتحويل غزة إلى منطقة غير قابلة للحياة.