بدأ يظهر بشكل تدريجي حجم الدمار الهائل والخسائر الاقتصادية الجسيمة التي خلفها العدوان الإسرائيلي على لبنان منذ 23 أيلول/سبتمبر الماضي، بعد أن مقتصرًا على تبادل الهجمات العسكرية بين حزب الله وجيش الاحتلال على البلدات الحدودية بدءًا من الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2023. وبعد مضي ساعات على سريان اتفاق وقف إطلاق النار، كشفت المقاطع المصوّرة التي نشرها اللبنانيون عن تعرض بلدات ومدن جنوب وشرق لبنان إلى دمار كبير في المباني السكنية والأراضي الزراعية التي فجرها جنود الاحتلال.
ويوصف العدوان الإسرائيلي الأخير بأنه الأعنف مقارنة بحرب تموز/يوليو 2006، فقد أظهرت مقاطع الفيديو التي نشرها جنود الاحتلال تفجيرهم لمباني البلدات الجنوبية المحاذية للحدود الشمالية مع الأراضي المحتلة، فضلًا عن تدمير أحياء بأكملها في البقاع – الهرمل شرقي لبنان. وبحسب ما نقل موقع "المدن" الإلكتروني عن بيان لجيش الاحتلال الإسرائيلي، فإنه تم شن 180 غارة جوية، أمس الثلاثاء، استهدف فيها العاصمة بيروت، والضاحية الجنوبية.
ووفقًا لبيانات وزارة الصحة اللبنانية، فإن العدوان الإسرائيلي أدى إلى استشهاد 3823 شهيدًا وشهيدةً، بالإضافة إلى 15859 جريحًا وجريحة. وبحسب تصريحات سابقة لوزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، فراس الأبيض، فإنه "منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر ولغاية 15 أيلول/سبتمبر الماضي، ارتقى 610 شهداء، منهم 38 امرأة و17 طفلًا، إضافة إلى 2056 جريحًا"، قبل أن تبدأ أعداد الشهداء في الارتفاع بعد سلسلة التفجيرات التي استهدفت أجهزة النداء والاتصالات اللاسلكية في مختلف الأراضي اللبنانية في يومي 17 و18 أيلول/سبتمبر الماضي.
كشفت المقاطع المصوّرة عن تعرض بلدات ومدن جنوب وشرق لبنان إلى دمار كبير في المباني السكنية والأراضي الزراعية التي فجرها جنود الاحتلال
هذا على مستوى الخسائر البشرية، أما فيما يخص دمار الأبنية السكنية، فتكلفة الأضرار التي لحقت بها تُقدر بـ2.8 مليار دولار، وفقًا لما نقلت وكالة "رويترز" عن تقرير للبنك الدولي، مشيرةً إلى أن عدد الوحدات السكنية التي دُمّرت أو تضرّرت يزيد على 99 ألف وحدة سكنية، وتبقى هذه الإحصائيات تقديرات أولية غير نهائية، تستند إلى تقارير سابقة.
وتضيف "رويترز" نقلًا عن مختبر جامعة بيروت الأميركية أن ما لا يقل عن 262 مبنى سكنيًا دُمّر أو تضرّر في ضاحية بيروت الجنوبية، لافتة إلى أن العدوان الإسرائيلي تسبّب بأضرار جسيمة بلدات في جنوب لبنان ووادي البقاع في شرقه، مشيرة إلى دمار واسع طال المرافق والبنية التحتية، مما يزيد من تعقيد الأزمة الاقتصادية والإنسانية في تلك المناطق.
🎥 توثيق حجم الدمار في بلدة الخيام جنوب لبنان بعد إعلان وقف إطلاق النار. pic.twitter.com/HJF78ih5lF
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) November 27, 2024
وبحسب تقرير للوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية نُشر قبل 10 أيام، أوضح الباحث في الجامعة الدولية للمعلومات، محمد شمس الدين، أن "29 بلدة ومدينة هي بمعظمها ترزح تحت القصف والتدمير" على امتداد 120 كم، وهو الشريط الحدودي الفاصل بين لبنان والأراضي المحتلة، مضيفًا أن "23 بلدة من أصل 29 دُمّرت بشكل كبير جدًا، بحيث أنه ومع دخول جنود الاحتلال إليها قاموا بتفخيخها ونسفها بأكملها"، مؤكدًا أن "معظم بيوت هذه البلدات سويت بالأرض أو لم تعد صالحة للسكن".
وتشير "رويترز" إلى أن خسائر القطاع الزراعي في لبنان تتجاوز 1.1 مليار دولار، وهي تشمل تدمير المحاصيل الزراعية ونفوق المواشي، وذلك نظرًا لنزوح المزارعين من بلداتهم إلى مناطق أكثر أمنًا. وبحسب تقديرات المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإنه سجل نزوح أكثر من 880 أالف لبناني من مختلف أنحاء لبنان، غالبيتهم من بلدات ومدن جنوب وشرق لبنان، فيما تقول البيانات الرسمية في لبنان أن عدد النازحين تجاوز 1.4 مليون شخص.
🎥 عودة النازحين إلى #جنوب_لبنان بعد وقف إطلاق النار. pic.twitter.com/CsRpF0CTH3
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) November 27, 2024
وبالاستناد إلى تقدير البنك الدولي الذي صدر منتصف الشهر الجاري، تقول "رويترز" إن الأضرار والخسائر الأولية التي تسبّب بها العدوان الإسرائيلي بلغت 8.5 مليار دولار، ومن المتوقّع أن تكون حصيلة مبدئية قابلة للارتفاع خلال الأيام المقبلة. ويرجح البنك الدولي أن يشهد الناتج المحلي الإجمالي اللبناني انكماشًا بنسبة 5.7 بالمئة خلال العام الجاري، مقارنةً بتوقعات النمو السابقة التي كانت تشير إلى 0.9 بالمئة.
كذلك، تعرض قطاع السياحة والضيافة، وهو من القطاعات الرئيسية التي يعتمد عليها اقتصاد لبنان لخسائر كبيرة، حيث بلغت وفقًا لتقديرات البنك الدولي 1.1 مليار دولار، وهو ما سيزيد من تعقيد التحديات الاقتصادية في لبنان الذي يشهد أساسًا أزمة اقتصادية متفاقمة منذ عام 2019، أدت إلى انهيار في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار. وكانت مجموعة العمل المالي العالمية قد أدرجت لبنان في تشرين الأول/أكتوبر الماضي على اللائحة الرمادية، وهي لائحة تشمل الدول غير المتعاونة كفاية في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
وكان رئيس مجلس النواب، نبيه بري، قد قال في كلمة، اليوم الأربعاء، "إننا نطوي اليوم لحظة تاريخية هي الأخطر التي مرّت على لبنان، مهدّدة أرضه، وشعبه، وتاريخه، وحاضره، ومستقبله، وثرواته، من جراء الحرب العدوانية التي طالت كل مقومات الحياة"، مخاطبًا النازحين بالقول: "عودوا وأعيدوا الحياة إليها التي حاول العدو انتزاعها، مجدها يكون بعودتكم إليها حتى لو كانت الإقامة فوق ركام المنازل".