تكايا الفاشر.. صراع من أجل البقاء
1 أكتوبر 2025
أوانٍ محطمة، وطعام متناثر فوق الأرض، وحسرة بادية على وجوه الأطفال والنساء. هذا هو المشهد الذي يرتسم أمامنا، إذ نتابع فصول الاستهدافات المتواصلة لتكايا توزيع الطعام ومراكز إيواء النازحين في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، المحاصرة منذ أكثر من عام من قِبل قوات الدعم السريع.
باتت هذه التكايا والمراكز الوجهة الوحيدة لآلاف الجوعى الذين لا يجدون ما يسد رمقهم بسبب الفاقة وغلاء المواد الغذائية الأساسية. وعليه، فإن أي استهداف لها يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الحرب المعلنة على فريق عسكري امتدت لتصبح حربًا على أفواه الجوعى والمستضعفين من النساء والأطفال والمرضى.
التكايا هي عبارة عن مطابخ جماعية أو عمومية توفر الطعام مجانيًا لروّادها المحتاجين
استهداف التكايا
التكايا هي مطابخ جماعية توفر الطعام مجانًا للمحتاجين، وانتشر هذا النمط مع بداية الحرب التي اندلعت في السودان منتصف نيسان/إبريل 2023. وتركّزت هذه التكايا أو المطاعم الجماعية في البداية في مخيمات النزوح واللاجئين على تخوم المدن الكبرى، ومع اشتداد الحرب في المدن وعجز كثير من الناس عن النزوح، بدأت التكايا تجد طريقها نحو المدن، معبّرة عن ثقافة التكافل الاجتماعي في المجتمع السوداني. لكن هذه المطابخ الجماعية بدأت هي الأخرى تعاني جراء الحرب بسبب نقص الموارد، الأمر الذي اضطر مجموعة كبيرة منها إلى إغلاق أبوابها.
وقد دفع ذلك بعض الأسر في الفاشر إلى أكل أعلاف الحيوانات. وما تبقى من التكايا بات يضغط على موارده من خلال تقديم وجبة واحدة في اليوم، كما هو الحال في "تكية الفاشر" التي يديرها مجدي يوسف، والذي أكد في حديث مع وكالة "فرانس برس" أن التكية كانت قبل ستة أشهر تقدم وجبتين، لكن الظروف القاسية للحصار جعلتها تقتصر حاليًا على تقديم وجبة واحدة.
ويشير يوسف إلى أن الطبق الذي كان يتقاسمه ثلاثة أشخاص أصبح يُقسم بين سبعة، مضيفًا أن رواد التكية من الأطفال والنساء تظهر عليهم بوضوح علامات سوء التغذية، مثل العيون الغائرة والبطون والأجساد الهزيلة.
وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت عن مجاعة في مخيمات النزوح المحيطة بالفاشر قبل عام، وتوقعت امتدادها إلى المدينة نفسها، وهو ما تحقق نتيجة تفكيك مخيم زمزم للنازحين وتشديد قوات الدعم السريع للحصار، ورفضها المستمر لأي هدنة إنسانية لإدخال المساعدات، بما في ذلك الهدنة التي اقترحها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في حزيران/يونيو الماضي.
وعاد مشهد التكايا إلى واجهة الأحداث في الفاشر بعد القصف الذي طال إحدى التكايا يوم الثلاثاء، وأسفر القصف المدفعي، حسب لجنة تنسيقية المقاومة في الفاشر، عن سقوط سبعة قتلى وجرح ثمانية آخرين بينهم حالات خطرة. ونقل موقع "الترا سودان" عن المتحدث باسم نازحي مخيم زمزم، محمد خميس دوة، قوله إن "بعض الأطفال الذين كانوا برفقة أمهاتهم أثناء تناول الوجبة لم يتم التعرف على ذويهم حتى الآن".
وأدان حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، الهجوم واعتبره "جريمة جديدة تضاف إلى سجل الميليشيا الدموي ضد المدنيين العزل"، مضيفًا في منشور على منصة "إكس": "هذا الاعتداء الغادر يستهدف النساء والأطفال وكبار السن من النازحين، ويؤكد أن قوات الدعم السريع لا تميز بين مقاتل ومدني، وتواصل تنفيذ سياسات الأرض المحروقة وارتكاب جرائم إبادة بحق سكان دارفور". ودعا مناوي منظمات حقوق الإنسان إلى "التدخل العاجل لإنقاذ النازحين الذين ما زالوا صامدين في مدينة الفاشر رغم الحصار والقصف".
التكية الأولى
تأسست التكية الأولى في مدينة الفاشر على يد المتطوع محيي الدين شوقار، الذي كان يتولى إدارة أعمال خيرية في المدينة تشمل ترميم المدارس ومنازل المعوزين.
ويؤكد شوقار أن "خدمة الناس تظل هدفًا ساميًا يستحق بذل أغلى التضحيات، ولا يجب بأي حال تركه"، مشيرًا إلى أن التكايا تحصل على المساعدات من مصادر محدودة تتمثل في "المحسنين".
تكية الفاشر: معركة بقاء
هي إحدى التكايا التي يقوم عليها مجموعة من المتطوعين، ويقول محمد آدم، أحد الأعضاء المشرفين على التكية: "نعيش في صراع يومي لتلبية احتياجات النازحين في ظل نقص حاد بالغذاء والمياه، ورغم ذلك، نبذل كل ما نستطيع لتخفيف معاناة الناس. نحن نعيش في معركة بقاء".
تكية حي أولاد الريف
ما تزال هذه التكية من بين التكايا القليلة التي تفتح أبوابها أمام روادها، الذين تتزايد أعدادهم في ظل تناقص قدراتها الاستيعابية وشح مصادر الغذاء. وقد أشار عباس سعيد، أحد المشرفين على التكية، إلى أن ما تقدمه التكية أصبح "لا يكفي المحتاجين"، وعزا ذلك إلى تشديد الحصار الذي ارتفعت معه الأسعار وقلّت المواد الغذائية في السوق.
ويُعدّد القائمون على التكايا مجموعة من التحديات التي تواجه عملهم، وتتمثل أساسًا في العجز المالي والتمويني.