1. سياسة
  2. حقوق وحريات

جنوب إفريقيا.. هل عرقلت الحكومات المتعاقبة محاسبة مرتكبي جرائم الفصل العنصري؟

1 يونيو 2025
نظام الفصل العنصري
الفصل العنصري في جنوب إفريقيا (غيتي)
الترا صوتالترا صوت

وقّع رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا إعلانًا وُصف بالتاريخي، أنشأ بموجبه لجنة تحقيق قضائية للتحقيق في مزاعم استمرت لعقود، مفادها بأن الحكومات المتعاقبة عرقلت مقاضاة مرتكبي جرائم حقبة الفصل العنصري.

وتُمثل هذه الخطوة، حسب دعوى مدنية رفعها ناجون وأقارب ضحايا الفصل العنصري، نقطة تحول في "مسيرة البلاد الديمقراطية نحو العدالة والمصالحة الحقيقية". فهي، حسب هؤلاء وقطاع كبير من الحقوقيين الجنوب إفريقيين، ليست مجرد عملية إدارية، بل محاسبة أخلاقية لماضي جنوبٍ إفريقيا واختبار لالتزامها المستقبلي كأمّة بالعدالة والمساءلة.

وسيتولى رئاسة اللجنة المكلفة بإعادة فتح ملف الفصل العنصري قاضي المحكمة الدستورية المتقاعد، سيسي خامبيبي. ومن المتوقع أن تُنجز لجنة التحقيق عملها في غضون ستة أشهر، وأن تُقدّم تقريرها في غضون 60 يومًا من تاريخ انتهاء عملها.

حُكمت جنوب إفريقيا بنظام الفصل العنصري ومؤسساته طيلة الفترة الممتدة من عام 1948 حتى أوائل التسعينيات

ويأتي قرار إنشاء هذه اللجنة في لحظة حساسة بالنسبة لجنوب إفريقيا، حيث يتزايد الجدل والمخاوف من عودة جرائم الكراهية، على خلفية ما يسمى قانون الأراضي الجديد، الذي يخوّل للحكومة مصادرة الأراضي الخاصة، المملوكة في الغالب من طرف الأقلية الماضية، من أجل تخصيصها لمشاريع عامة أو إعادة توزيعها بشكلٍ عادل. وهو الإجراء الذي يعتبره الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحليفه الملياردير من أصل جنوب إفريقي إيلون ماسك اضطهادًا للأقلية البيضاء الغنية في البلاد التي عرفت تجربة مريرة من الفصل العنصري دامت لحوالي 40 عامًا.

أهمية إعادة التحقيق في ملف الفصل العنصري:

حُكمت جنوب إفريقيا بنظام الفصل العنصري ومؤسساته طيلة الفترة الممتدة من عام 1948 حتى أوائل التسعينيات. في ظل هذا النظام، فرضت حكومة الأقلية البيضاء تسلسلًا هرميًا عنصريًا قانونيًا تحت ستار "التنمية المنفصلة"، مما منح امتيازات للجنوب أفريقيين البيض بينما حرم الأغلبية السوداء والملونين والهنود من حقوقهم وقمعهم بشكل منهجي. سيطرت القوانين على أماكن عيش الناس وعملهم والتحاقهم بالمدرسة ومن يمكنهم الزواج منه. كمت جُرِّد السود، في إطار هذا النظام، من جنسيتهم ونُقلوا قسرًا إلى "أوطان" متخلفة.

ولم يقتصر الفصل العنصري على ذلك بل عمد إلى تنفيذ جرائم قتل وتعذيب وإخفاء، ومن أبرز الأمثلة على مذابحه: مذبحة شاربفيل 1960، وانتفاضة سويتو 1976، وتصفية نشطاء قضية "كرادوك فور"، وهم نشطاء مناهضون لنظام الفصل العنصري اختطفتهم قوات الأمن وقتلتهم عام 1985.

ومع سقوط نظام الفصل العنصري، اتسم انتقال جنوب إفريقيا إلى الديمقراطية بإنشاء لجنة الحقيقة والمصالحة، وهي أول محاولة عالمية لتحقيق العدالة الانتقالية والتصالحية. ورغم أن لجنة الحقيقة والمصالحة كانت رائدة في توفير منصة للضحايا لسرد قصصهم وللجناة للاعتراف مقابل العفو، لكنّ الملاحظ على هذه الآلية أنها ضحّت بالعدالة لصالح مصالحة صورية، فلطالما اتهمت عائلات الضحايا حكومات ما بعد الفصل العنصري، وخاصةً أعضاء حركة المؤتمر الوطني الأفريقي، بتعمد تجنب هذه المحاكمات للحفاظ على الاستقرار السياسي أو حماية الشخصيات المؤثرة.

وتشمل الدعوى القضائية التي عجّلت بالتحقيق الحالي 25 فردًا، بما في ذلك عائلات كرادوك فور.

وسيبحث التحقيق، حسب رويترز، في ما إذا كانت مؤسسات مثل هيئة الادعاء الوطني قد تعرضت للاختراق أو تم توجيهها لتجاهل جرائم حقبة الفصل العنصري. وهذا يشمل تقييم ما إذا كانت العرقلة تمثل عدم كفاءة إدارية أم فعلًا متعمدًا للقمع السياسي.

من هذا المنطلق يعتبر المناصرون لإنشاء لجنة التحقيق، أنها ستضمّد جرحًا متفاقمًا منذ عقود، وهي بذلك تعدّ وفاءًا بالوعد الأساسي للجنة الحقيقة والمصالحة: "الحقيقة ستتبعها العدالة".

فضلًا عن ذلك يرى المؤيدون لإنشاء لجنة التحقيق أنّ "عدم مقاضاة جرائم الفصل العنصري يُقوّض المعايير القانونية الدولية ويُشجّع منتهكي حقوق الإنسان في المستقبل. علاوة على ذلك، فإن استمرار التقاعس يُعمّق الانقسامات العرقية والاجتماعية والاقتصادية. فبدون محاسبة الجناة، تُصبح هذه المظالم أمرًا طبيعيًا، وتُقوّض جهود التغيير".

وأكثر من ذلك يرى أصحاب هذا الرأي أن "عرقلة الملاحقات القضائية لجرائم حقبة الفصل العنصري ليست مجرد فشل قانوني، بل هي خيانة للأساس الأخلاقي لجنوب أفريقيا ما بعد الفصل العنصري" مشيرين إلى المقولة المأثورة في الخطاب القانوني  "تأخير العدالة هو حرمان منها"، وبالنسبة للعائلات التي انتظرت عقودًا، وكثير منها أصبح أفرادها مُسنّين أو متوفّين، فإن تأخير العدالة يُعادل حياةً من الألم الذي لم يُحلّ.

وأخيرًا يشدد المناصرون لهذه الخطوة على أنّ "التحقيق في جرائم حقبة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ليس مجرد فحص بأثر رجعي؛ بل هو اختبار حاسم للبوصلة الأخلاقية للأمة في جنوب إفريقيا".

ويؤكد هؤلاء أيضًا أن جنوب إفريقيا اليوم، بإعلانها إنشاء لجنة التحقيق في حقبة الفصل العنصري، تُتيح لنفسها فرصة لتجديد التزامها بـ"الحقيقة والمساواة والكرامة لجميع مواطنيها. فبالنسبة للضحايا وذريّتهم، قد يُقدّم هذا التحقيق اعترافًا طال انتظاره بمعاناتهم. وبالنسبة للأمة، فهو يُتيح لها فرصةً لمواءمة مُثُلها الديمقراطية أخيرًا مع أفعالها. وبالنسبة للعالم، يُؤكد هذا القرار أن العدالة، وإن تأخرت، تبقى أساسيةً للسلام والديمقراطية والكرامة الإنسانية".

كلمات مفتاحية
تدمير منازل المسلمين في الهند

التهجير القسري لمسلمي الهند: منازل مهدومة ومرحّلون تحت تهديد السلاح

في حملة ترحيل وُصفت بأنها الأوسع نطاقًا ضد المسلمين في الهند خلال السنوات الأخيرة، روى العديد من الضحايا مشاهد صادمة: من إجبارهم على القفز في البحر، إلى احتجازهم دون سند قانوني، وتدمير منازلهم بالجرافات، وسط اتهامات بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ومخالفة صريحة للقانون الدولي

تونس

تونس: أحكام قاسية ضد معارضين في "قضية التآمر 2"

أصدرت المحكمة التونسية المختصة في قضايا الإرهاب أحكامًا بالسجن بين 12 و35 عامًا بحق عدد من المعارضين في ما يعرف بـ"قضية التآمر 2"، أبرزهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي

سجن مجدو

"سجن مجدو": معاناة مريرة للأسرى الفلسطينيين

سلّط تحقيقٌ لصحيفة هآرتس الضوء على الظروف المزرية للأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال، وما يتعرضون له من تعذيب وانتهاكات

الخارجية الأميركية
سياق متصل

اتهامات بتقويض العمل الدبلوماسي.. الخارجية الأميركية تسرّح مئات الموظفين

بدَأت وزارة الخارجية الأميركية أمس الجمعة، في إجراءات تسريح أكثر من 1350 من موظفيها، وذلك ضمن حملة إدارة ترامب الرامية إلى تقليص حجم القوة العاملة الفيدرالية

الكفاح المسلح
سياق متصل

بعد تخلي حزب العمال الكردستاني عن سلاحه: ما هي أبرز الحركات التي ألقت السلاح حديثًا؟

يعيد مشهد تسليم عناصر حزب العمال الكردستاني لأسلحتهم في مدينة السليمانية بإقليم كردستان العراق إلى الأذهان مشاهد مشابهة لقرار حركات الكفاح المسلّح تخلّيها عن السلاح والاندماج في العملية السياسية المدنية

غلاف الكتاب (الترا صوت)
نشرة ثقافية

​​​​​​​​​​​​​التليلي العجيلي يوّثق أوقاف "المدرسة الصادقية" في تونس

تناول لكتاب "أوقاف المدرسة الصادقية في تونس: موارد تقليدية لمؤسسة عصرية (1875-1961)"

غلاف الرواية (الترا صوت)
أدب

زياد خدَّاش ومحاولة الهروب إلى الزمن المُشتهى عبر "السفر إلى كعكة القمر"

قراءة نقدية لرواية "السفر إلى كعكة القمر" للكاتب الفلسطيني زياد خدّاش