جورجيا ميلوني.. الوجه الفاشي لانحياز اليمين الإيطالي لإسرائيل
2 أكتوبر 2025
ظلّ التضامن الشعبي الإيطالي مع القضية الفلسطينية قويًا حتى في ظل أكثر الحكومات الإيطالية تقاربًا مع إسرائيل، بما فيها حكومة رئيسة الوزراء الحالية جورجيا ميلوني التي انتقدت المتضامنين الإيطاليين المؤيدين للفلسطينيين لمشاركتهم في أسطول الصمود العالمي الهادف إلى كسر الحصار المفروض على قطاع غزة منذ 18 عامًا، والذي ازدادت شدّته مع حرب الإبادة الجماعية المستمرة منذ ما يقارب العامين، حيث وصفت ميلوني مبادرة النشطاء الإيطاليين في الأسطول بأنها "خطيرة وغير مسؤولة".
ولا يتردّد منتقدو سياسات جورجيا ميلوني، التي صعدت إلى سدّة رئاسة الوزراء عام 2022، في مقارنتها بالسياسات الفاشية، إذ جعلت ميلوني على رأس أولويات حكومتها "إغلاق الحدود الإيطالية في وجه الهجرة ومواجهة خطر ما تسميه الأسلمة"، فضلًا عن تعاطفها مع صعود اليمين الشعبوي.
ومن بين خطواتها المثيرة للجدل منحها الجنسية الإيطالية للرئيس الأرجنتيني المتطرف خافيير ميلي وشقيقته، وهي خطوة واجهت انتقادًا واسعًا من المعارضة الإيطالية التي اعتبرتها "إهانة وتمييزًا عنصريًا"، حيث بررت ميلوني قرارها بوجود "أسلاف إيطاليين" لميلي وشقيقته، وكأن ذلك وحده يكفي لمنح امتياز الجنسية الإيطالية، في حين يُحرم منها أشخاص وُلدوا في إيطاليا ودرسوا وعملوا فيها ويدفعون الضرائب منذ سنوات.
وكان الرئيس الأميركي السابق جو بايدن قد صرّح في أيلول/سبتمبر 2022 بأن انتخاب جورجيا ميلوني يشكّل خطرًا "يهدد الديمقراطية في العالم" نظرًا لآرائها التي توصف بـ"الفاشية" والمعادية لسياسات التنوع.
ظلّ التضامن الشعبي الإيطالي مع القضية الفلسطينية قويًّا حتى في ظل أكثر الحكومات الإيطالية تقاربًا مع إسرائيل
صعود نجم ميلوني
لم تتجاوز جورجيا ميلوني عقدها الرابع بعد، لكنها تمكنت خلال فترة وجيزة من أن تصبح أول امرأة إيطالية تتولى منصب رئاسة الوزراء. وتشير سيرتها الذاتية إلى محطات متعددة؛ إذ عملت في شبابها نادلة في المطاعم وجليسة للأطفال، قبل أن تدخل مجال الصحافة عام 2006. وفي العام نفسه حصلت على مقعد في البرلمان وتولت منصب نائبة رئيس الغرفة التشريعية. غير أن نشاطها السياسي بدأ قبل ذلك بسنوات، عندما تولت قيادة جمعية طلابية يمينية متطرفة تبنّت شعار "الصليب السلتي"، ما يعكس مبكرًا توجهاتها اليمينية.
جاء صعود ميلوني السياسي سريعًا؛ فبعد عامين من دخولها البرلمان عُيّنت وزيرة للشباب في حكومة سيلفيو برلوسكوني. غير أن طموحها دفعها إلى الانشقاق عن حزبه عام 2012 لتؤسس مع عدد من المنشقين حزب "فراتيلي ديتاليا" (إخوة إيطاليا). وخلال أقل من عقد، تمكّن الحزب من تحقيق تقدم لافت وصولًا إلى فوزه في الانتخابات التشريعية عام 2022، ما مهّد الطريق أمام ميلوني لتولي رئاسة الوزراء كأول سيدة في تاريخ إيطاليا تصل إلى هذا المنصب.
ويقدّم حزب "فراتيلي ديتاليا" نفسه بوصفه وريثًا لحزب "الحركة الاجتماعية الإيطالية" الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية وحمل طابعًا فاشيًا. ويستعير الحزب من هذا الإرث رموزه وشعاراته المتمثلة في الألوان الثلاثة: الأخضر والأبيض والأحمر، إلى جانب الكلمات الثلاث: "الله، الوطن، العائلة".
عقب فوز حزبها في 2022، ركزت المعارضة الإيطالية على إبراز صلات ميلوني بالفاشية، ونشرت مقاطع مصورة تظهرها في شبابها وهي تصف بينيتو موسوليني بأنه "سياسي جيد". ورغم نفيها الانتماء إلى الفكر الفاشي، فإنها أقرت في تصريحات سابقة بأن موسوليني حقق "بعض الإنجازات" إلى جانب "أخطاء جسيمة" مثل اضطهاد اليهود ودخول الحرب.
وفي حزيران/يونيو 2024، أثارت مقاطع مصورة لعدد من شباب حزبها وهم يؤدون التحية النازية ويرددون لقب "دوتشي" دعمًا لموسوليني، جدلًا واسعًا دفع ميلوني إلى التوضيح بأن من يعتنق أفكارًا عنصرية أو معادية للسامية "لا مكان له في فراتيلي ديتاليا". ومع ذلك، تجاهلت الدعوات التي طالبتها بإزالة الرموز المرتبطة بالفاشية من شعارات الحزب، مثل "الشعلة" التي ما تزال مثار انتقاد.
الشارع الإيطالي يرغم ميلوني على تعديل خطابها
لم تُبدِ جورجيا ميلوني أي نية للتنديد، ولو رمزيًا، بما تقوم به إسرائيل من أعمال إبادة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، لولا الضغط الشعبي القوي في الشارع الإيطالي الذي تجلّى في مظاهرات حاشدة، أبرزها تلك التي شهدتها شوارع روما في حزيران/يونيو الماضي بمشاركة أكثر من 300 ألف شخص، وفق ما أعلنت زعيمة الحزب الديمقراطي المعارض إيلي شلاين. وطالب المحتجون بإنهاء تواطؤ الحكومة الإيطالية مع الحرب على غزة ووقف دعمها لجرائم الإبادة.
وقالت شلاين، التي قاد حزبها المظاهرات، إن تلك الاحتجاجات أظهرت للعالم وجود "إيطاليا أخرى لا تلتزم الصمت كما تفعل حكومة ميلوني" تجاه الجرائم الإسرائيلية.
إزاء هذا الضغط، اضطرت ميلوني إلى التصريح بأن "الوضع الإنساني في غزة لا يمكن تبريره"، داعية حكومة نتنياهو إلى "ضرورة احترام القانون الإنساني الدولي". كما دعت، بعد مكالمة هاتفية مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إلى "وقف فوري للعمليات العسكرية الإسرائيلية لتأمين المساعدة الإنسانية للمدنيين اليائسين".
لكن هذه التصريحات لم تُترجَم إلى خطوات عملية؛ إذ واصلت حكومة ميلوني إرسال الأسلحة لجيش الاحتلال، وساهمت في عرقلة أي محاولات لتعليق الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، كما رفضت الاعتراف بالدولة الفلسطينية رغم أن البرلمان الإيطالي كان قد أقر ذلك عام 2015.
وللمقارنة، فإن المواقف الإيطالية لم تكن دائمًا بهذا القدر من الانحياز لإسرائيل؛ ففي سبعينيات القرن الماضي، وتحديدًا خلال حكم الحزب الاشتراكي وصعود بينتو كراكسي، شهدت العلاقات الإيطالية–الفلسطينية "الفترة الذهبية"، حيث استقبلت روما أول بعثة فلسطينية عام 1974، واعترفت بمنظمة التحرير عام 1980. غير أن هذا التوجه تغيّر مع منتصف التسعينيات حين صعد اليمين بزعامة سيلفيو برلوسكوني الذي اصطفّ خلف السياسات الأميركية الجمهورية بقيادة جورج بوش في المنطقة.