جيل "زد" في المغرب يواجه الاعتقالات: صراع على حرية التعبير
30 سبتمبر 2025
تشهد المغرب هذه الأيام موجة احتجاجات شبابية متفرقة، يقودها ما يعرف بجيل "زد 212 "، الذي يضم الشباب المولودين في أواخر التسعينيات وبداية الألفية الجديدة.
وجاءت هذه التحركات على خلفية مطالب اجتماعية واقتصادية ملحة، أبرزها تحسين خدمات التعليم والصحة، ومكافحة البطالة، ومحاسبة المسؤولين عن سوء التدبير العام.
احتجاجات سلمية تواجه القمع
على الرغم من الطابع السلمي للمظاهرات، سجلت عدة مدن، بينها الدار البيضاء، الرباط، ومراكش، مواجهات مع قوات الأمن، رافقها اعتقالات واسعة طالت عشرات المحتجين.
وفي هذا السياق، انتقدت رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، سعاد براهمة، أسلوب التعامل مع الشباب المحتج، مؤكدة أن "حرية التعبير والاحتجاج السلمي مكفولة بالقانون والدستور، ولا يجب أن تتحول إلى فرصة لممارسة العنف والاعتقالات التعسفية".
على الرغم من الطابع السلمي للمظاهرات، سجلت عدة مدن، بينها الدار البيضاء، الرباط، ومراكش، مواجهات محدودة مع قوات الأمن، رافقها اعتقالات واسعة طالت عشرات المحتجين
اعتقالات بحق ناشطين وصحفيين
وأسفرت الإجراءات الأمنية المشددة عن توقيف عشرات الناشطين الذين حاولوا توثيق الوقائع أو التحدث إلى وسائل الإعلام، على غرار رئيسة جمعية حماية الطفل، نجاة أنور، التي تم توقيفها أثناء حديثها للصحافيين قبل أن يُفرج عنها لاحقًا.
كما أثارت قضية اعتقال الصحفي حمزة الفاضل جدلًا واسعًا؛ حيث تم توقيفه في الدار البيضاء أثناء تغطيته للاحتجاجات، حيث كان يوثق الأحداث وينقلها عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ولم تصدر السلطات المغربية بيانًا رسميًا بشأن توقيفه، لكن مصادر إعلامية أفادت بأنه تم احتجازه لفترة قصيرة قبل الإفراج عنه. وقد اعتبر ناشطون ومنظمات حقوقية هذا الاعتقال تقييدًا لحرية الصحافة وحق الإعلام في تغطية الأحداث العامة.
رسائل الاعتقالات وأثرها على الشباب
يشير مراقبون إلى أن هذه الاعتقالات، رغم محدوديتها العددية مقارنة بحجم التظاهرات، تحمل رسائل مزدوجة: من جهة تهدف إلى تحجيم الحراك وإظهار قدرة الدولة على ضبط الشارع، ومن جهة أخرى تزيد من شعور الشباب بالإقصاء والاحتقان، إذ يراها المحتجون إشارة إلى عدم استعداد السلطات للاستجابة لمطالبهم اليومية في مجالات الصحة والتعليم والعدالة الاجتماعية.
استمرار الحراك ورهان الرقمي
لوحظ أن المحتجين، رغم ضغوط الاعتقالات، يواصلون استخدام شعارات موحدة مثل: "حرية، كرامة، عدالة اجتماعية"، ما يعكس رغبتهم في الحفاظ على وحدة الرسالة وتأكيد الاستمرارية الرمزية للحراك. ولعبت المنصات الرقمية دورًا مركزيًا في تعبئة المحتجين، حيث استخدموا منصات "تيك توك" و"إنستغرام" و"ديسكورد" للتنسيق ونشر مطالبهم، في مؤشر على تحول جديد في آليات الحراك المدني المغربي بعيدًا عن البنى الحزبية التقليدية.
ويرى خبراء حقوقيون أن الاعتقالات قد تؤدي إلى نتائج عكسية، إذ يمكن أن تزيد من حدة الغضب وتجعل خطاب الشباب أكثر تصعيدًا، بينما تعمل في الوقت نفسه على اختبار صبر النظام ومدى قدرته على التعامل مع مطالب جيل جديد يرفض القنوات التقليدية للتفاوض أو الوساطة.
وفي ظل هذا التوتر، يظل مستقبل الحركة مفتوحًا على عدة احتمالات: من التوصل إلى إصلاحات ملموسة تلبي جزءًا من المطالب، إلى استمرار التصعيد أو حتى تفتت الحركة بفعل الضغط الأمني والسياسي، مما يجعل العلاقة بين الدولة وشباب "زد 212" اختبارًا حقيقيًا لقدرة المغرب على استيعاب طاقات الشباب ضمن العملية السياسية والاجتماعية.
تأتي هذه الاحتجاجات في سياق سياسي واجتماعي حساس، حيث يواجه المغرب تحديات في تلبية احتياجات الجيل الجديد، وفي الوقت ذاته يسعى إلى تعزيز صورته الدولية عبر مشاريع ضخمة في البنية التحتية والفعاليات الكبرى
دعوات للإفراج عن الموقوفين
أكدت براهمة أن بعض المعتقلين أفرج عنهم، بينما لا يزال آخرون محتجزين، مطالبة بالإفراج الفوري عن جميع المحتجين. وأضافت أن "اعتقال الشباب الذين يعبرون عن مطالبهم المشروعة يمثل انتهاكًا واضحًا للحقوق الأساسية، ويزيد من التوتر بين الدولة والمجتمع المدني".
بدوره، أكد رئيس فرع الجمعية في الرباط، حكيم سيكوك، أن أكثر من 100 شخص تم توقيفهم في الرباط وحدها، مع تسجيل اعتقالات إضافية في مدن أخرى. وأشار إلى أن بعض الموقوفين أفرج عنهم، بينما لا يزال آخرون رهن الاعتقال، ومن المتوقع أن يمثلوا أمام النيابة العامة في الأيام المقبلة.
وتشير الجمعية إلى أن الاحتجاجات جاءت نتيجة تراكم الأزمات الاجتماعية، لا سيما تدهور التعليم والصحة، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب.
تحذيرات من تفاقم الاحتقان الاجتماعي
حذرت براهمة من أن استمرار القمع قد يؤدي إلى تصعيد الاحتجاجات وتوسيع دائرة الاستياء، مؤكدة أن "التعامل الأمني وحده لا يحل المشكلة، بل يفاقم فقدان الثقة بين الشباب والدولة". وأشارت إلى أن حماية حق الشباب في التعبير والتظاهر السلمي يمثل شرطًا أساسيًا لتحقيق أي إصلاح حقيقي في البلاد.
ضغط داخلي متزايد
تأتي هذه الاحتجاجات في سياق سياسي واجتماعي حساس، حيث يواجه المغرب تحديات في تلبية احتياجات الجيل الجديد، وفي الوقت ذاته يسعى إلى تعزيز صورته الدولية عبر مشاريع ضخمة في البنية التحتية والفعاليات الكبرى. ويعتبر الحراك الشبابي اختبارًا مهمًا لقدرة الحكومة على الاستجابة لمطالب المواطنين دون اللجوء إلى أساليب القمع التقليدية، وضمان توازن بين الاستقرار السياسي واحترام الحقوق الأساسية.