1. قول

حتى لا يبقى الاعتراف بفلسطين رمزيًا

22 سبتمبر 2025
مظاهرة في باريس (Getty)
مظاهرة في باريس (Getty)
رائد وحش رائد وحش

ليس علينا النظر إلى توقف الحصار والحرب لقياس موجة الاعترافات بدولة فلسطين، بل بمراقبة ما تفتحه من تحوّل في البيئة السياسية والقانونية المحيطة بالقضية. فعلى الرغم من أن الاعتراف خطوة رمزية–قانونية تُعيد إدراج فلسطين في خانة "الدولة" داخل المنظومة الدولية، فإنه مشروط بسقف منخفض للغاية للسيادة، إذ تطالب الدول المعترفة بأن تكون فلسطين دولة منزوعة السلاح، من دون حماس، ومقيّدة بإصلاحات تضمن ضبط السلطة أكثر مما تضمن حريتها.

هي لحظة مزدوجة المعنى. تحمل إشارة واضحة على بداية تآكل الحصانة الغربية التي لطالما تمتعت بها إسرائيل، وإلى عزلة دبلوماسية وقانونية آخذة في الاتساع مع انكسار ما كان يُعتبر إجماعًا غربيًا راسخًا خلفها. ومن جهة أخرى، هي اختراق سياسي بالنسبة للشعب الفلسطيني، من شأنه أن يجدد حضور القضية على مسرح القانون الدولي، إلا أن الاعتراف المشروط قابل لأن يتحول إلى قيد إذا لم يُترجم إلى أدوات ضغط فعلية، كالعقوبات والمساءلة الدولية. هنا تتضح المفارقة، حيث إن ما يبدو انتصارًا للحق هو ما يمكن أن يقيّد هذا الحق، وما يُسوَّق على أنه إنجاز دبلوماسي ربما سيعمل على إعادة ضبط قواعد اللعبة أكثر من العمل على إنهائها.

من المخاطر أن تتحول الموجة برمتها إلى مجرد غطاء تجميلي للغرب، يخفف من ضغط الرأي العام الغاضب دون أن يمس جوهر الواقع بما فيه من إبادة دموية، واحتلال مسعور، ووصاية أمنية إسرائيلية وغربية معًا.

يفتح الاعتراف بدولة فلسطين نافذة فرص قانونية ملموسة، إذ يتيح لها التحرك كدولة ذات صفة كاملة أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، ما يعني تحويل قضايا الاحتلال والاستيطان والجرائم في غزة من ملفات سياسية إلى دعاوى ضد دولة معترف بها. ويمنح الاعتراف أيضًا أساسًا قانونيًا أمتن لتفعيل حظر المنتجات الصادرة عن المستوطنات في الأسواق الأوروبية، ويفتح الباب أمام مطالبات بفرض حظر سلاح استنادًا إلى مبدأ عدم تورط الدول في جرائم دولية. وعلى الصعيد المؤسسي، يعزز الاعتراف المطالبة بعضوية كاملة في الأمم المتحدة وما يستتبعها من حق التصويت وإبرام المعاهدات، بما يحوّل فلسطين من كيان مراقب إلى فاعل قانوني دولي. بهذا المعنى، فإن الخطوة التي تبدو رمزية يمكن أن تتحوّل إلى أدوات إلزامية تحاصر إسرائيل سياسيًا واقتصاديًا وقانونيًا إذا استثمرها الفلسطينيون وحلفاؤهم بذكاء.

يجب التعامل مع الاعتراف بوصفه اختبارًا قانونيًا وأخلاقيًا لمدى التزام المجتمع الدولي بأن الحق الفلسطيني في تقرير المصير غير قابل للتصرف

غير أنّ كل هذه الفرص القانونية تبقى رهينة سؤال الفاعل: من يملك القدرة والإرادة على استثمارها؟ فالسلطة الفلسطينية، بوضعها الحالي، تبدو أبعد ما تكون عن ذلك؛ فهي مكبّلة باتفاقات أوسلو، مرتبطة بالتنسيق الأمني مع الاحتلال، ومعتمدة ماليًا على تمويل غربي مشروط، ما يجعلها عاجزة عن تحويل الاعتراف إلى أدوات ضغط حقيقية. وهنا تنشأ المفارقة؛ الاعتراف يفتح أبوابًا واسعة في المحاكم والمؤسسات الدولية، لكن الفاعل الرسمي الفلسطيني لا يملك قرارًا وطنيًا مستقلًا لاستغلالها. وعليه، فإن الرهان ينتقل إلى المجتمع المدني، وحركات التضامن والمقاطعة، وربما الفصائل ذات الحضور الشعبي، لتكون القادرة على كسر هذا الشلل الرسمي وتحويل الرمزية إلى مسار قانوني ضاغط يضيّق الخناق على إسرائيل ويعيد تعريف دور فلسطين في النظام الدولي.

ليس الاعتراف هديّة لفلسطين، وليس خيانة لإسرائيل. إنه نوع من إعادة تدوير مسار "حل الدولتين" بصيغة آمنة للغرب من جهة، وتوجيه رسالة تحذير لإسرائيل بأن مظلة الحماية الغربية لم تعد مضمونة كما كانت من جهة ثانية. 

لا تكمن القيمة العملية لهذا الاعتراف في صدوره بحد ذاته، بل في ما يمكن أن يُبنى عليه سياسيًا وقانونيًا. مثل هل يتحوّل إلى مدخل لمعاقبة إسرائيل وعزلها دوليًا؟ أم سيبقى في إطار اللفتة الرمزية التي تهدف لتحسين صورة الدول الغربية دون أثر ملموس؟ 

الاعتراف مفترق طرق حاسم، لأنه إما أن يُستثمر كأداة لفتح ملفات الاحتلال أمام المحاكم، وتعزيز المقاطعة، وفرض العزلة الدولية على إسرائيل، وإما أن يتآكل في إطار رمزية تفقد معناها حين يقتصر استخدامها على تلميع صورة الغرب دون أثر حقيقي على الأرض. 

إسرائيل التي تدرك عمق هذه اللحظة تردّ بالضمّ والاستيطان والقصف لتفريغ الاعتراف من مضمونه، فيما يبقى التحدي أمام الفلسطينيين وحلفائهم هو تحويل هذه الرمزية إلى قوة إلزامية تكسر الحصانة التي حمت إسرائيل لعقود. ومن هنا تأتي ضرورة قراءته بعقل سياسي واقعي، بوصفه حلقة في مسار طويل يمكن مقارنته بمحطات سابقة مثل اعتراف الأمم المتحدة عام 2012 أو خطوة السويد عام 2014، بما يكشف عن سيرورة سياسية أشد اتساعًا، تقوم على انتقال تدريجي للصراع من كونه مواجهة عسكرية إلى حيث يغدو معركة على الشرعية والقانون والسياسة الدولية، مع ما يحمله ذلك من فرص جديدة وحقول ألغام على السواء.

يجب التعامل مع الاعتراف بوصفه اختبارًا قانونيًا وأخلاقيًا لمدى التزام المجتمع الدولي بأن الحق الفلسطيني في تقرير المصير غير قابل للتصرف، وأنه من غير الممكن رهنه بأمن إسرائيل. ولن يكتسب الاعتراف أي معنى حقيقي ما لم يتوقف القصف في غزة، وما لم يُجمَّد الاستيطان والضمّ في الضفة الغربية. عندها فقط يمكن اعتباره بداية لمسار جاد لإنهاء الإفلات الإسرائيلي من العقاب، وليس مجرّد غطاء لتأجيل العدالة. أما الاعتراف المشروط فليس سوى توليد لمزيد من المراوغات الغربية التي واكبت أوسلو وما تلاها، والتي تقوم على كثير من الأقوال وقليل من الأفعال، لتكون غطاء لاستمرار مأساتنا.

كلمات مفتاحية
ساذج نصار

في مديح امرأة فلسطينية قوية

اسمها ساذج نصّار (1900-1970)، وُلدت في الناصرة وماتت في دمشق، من أصول إيرانية، والدها بديع الدين بهائي كان مقيمًا في عكا

شارع الرشيد في غزة

من شارع الرشيد إلى القصيدة.. خريطة الوجع الأخيرة

ليس هذا فقط حكاية خسارة فردية: إنه ثمن سياساتٍ وحروبٍ ومؤامراتٍ تَسلبُ المدنَ وجراحَها، وتحوّلُ البياضَ إلى خريطةٍ للغائبين

برج كنيسة الفادي

بنحبك أستاذ عبود

بين مطعم "أبو خليل" و"كافيه زمن"، لاحظتُ عبارة كُتبت بالأحمر على جدار أحد البيوت. وقفتُ وقرأت: "بنحبك أستاذ عبود"، ولا شيء غير ذلك

قوات الدعم السريع
سياق متصل

الحرب في السودان: هل تلوح مؤشرات لوقف التصعيد؟

يبدو الوضع في السودان متأرجحًا بين خيار التصعيد أو الهدنة الإنسانية المقترحة من قبل الآلية الرباعية الدولية

الأفراح في اليمن (شبكات التواصل الاجتماعي)
فنون

الفن في زمن الحرب: الأعراس تعيد رسم خريطة الغناء اليمني

الأفراح والغناء اليمني

مهرجان اندي تشينا - Getty
نشرة ثقافية

الرقابة الصين تتسبب في إلغاء مهرجان سينمائي مستقل في نيويورك

الرقابة في الصين والمهرجانات الفنية

حي الشيخ رضوان
سياق متصل

تصعيد إسرائيلي مزدوج: حصار خانق على غزة واعتداءات مستمرة في الضفة الغربية

واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر السبت شنّ غاراتها الجوية على قطاع غزة، في خرق جديد لاتفاق وقف إطلاق النار، بالتزامن مع تصاعد الاعتداءات في الضفة