1. ثقافة
  2. فنون

حكاية فضل شاكر: "ملك الإحساس" المتهّم بـ"الإرهاب"

6 أكتوبر 2025
فضل شاكر
فضل شاكر (مواقع التواصل الاجتماعي)
نادر حجاز نادر حجاز

حفر فضل شاكر عميقًا في الوجدان اللبناني، في تناقضٍ لافت بين الفنان الرومانسي وصاحب الصوت الذي سكن القلوب، وبين المطلوب للعدالة الفارّ خلف أسوار مخيم عين الحلوة، بتهم الإرهاب والاعتداء والتحريض على الجيش اللبناني.

استحق فضل عبد الرحمن شمندر لقب "ملك الإحساس" بعد مسيرة فنية طويلة بدأها منتصف تسعينيات القرن الماضي، وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره، قبل أن ينقلب على سنواته فوق المسارح وخلف الشاشات، ليصبح "الحاج فضل" معلنًا اعتزال الغناء واعتباره منكرًا وحرامًا، ويلتحق بحركة الشيخ اللبناني أحمد الأسير عام 2012.

"الله ياخذ بشار"

لا يمكن فهم قضية فضل شاكر من دون وضعها في سياق الأحداث التي أعقبت اندلاع الثورة السورية في آذار/مارس 2011. فقد تأثر بالمشاهد القادمة من سوريا، وذهب بعيدًا في نقمته على النظام السوري، ولم يفوّت مناسبة، حتى خلال حفلاته، دون توجيه سهامه نحوه. ففي أحد المهرجانات الفنية، أوقف الغناء مخاطبًا الجمهور بقوله: "الله يدمّر بشار الأسد... الله ياخذ بشار الأسد".

ومع دخول حزب الله على خط الحرب في سوريا، تلاشت الحدود بين البلدين، وانتقل الغضب من النظام السوري إلى الحزب الذي بات يسيطر على مفاصل الدولة اللبنانية سياسيًا وأمنيًا وقضائيًا. عندها جاء التحوّل الكبير في مسيرة شاكر، إذ استبدل إطلالاته الفنية بظهوره إلى جانب الشيخ أحمد الأسير في ساحة الشهداء ببيروت، منشِدًا وداعمًا لموقفه المناوئ لحزب الله والدولة اللبنانية. وانتهى هذا المسار بمواجهة عبرا في صيدا عام 2013، التي أسفرت عن سقوط شهداء من الجيش اللبناني.

منذ ذلك الحين، تحوّل شريك شيرين عبد الوهاب ويارا، والمتأثر بأم كلثوم وعبد الحليم وعبد الوهاب وفريد الأطرش، إلى متهمٍ فارّ من العدالة ومتخفٍ تحت حماية جماعات مسلّحة، لا يتجاوز حضوره حدود المخيم وبعض الإطلالات النادرة التي كانت تتحول إلى "سكوب" إعلامي كلما نجح صحفي في الوصول إليه. ومن خلالها عبّر شاكر لاحقًا عن ندمه ورغبته في العودة إلى الغناء، بعد أن وصلت به "توبته" سابقًا إلى حد مطالبته جمهوره بالتوقف عن سماع أغانيه.

استحق فضل عبد الرحمن شمندر لقب "ملك الإحساس" بعد مسيرة فنية طويلة بدأها منتصف تسعينيات القرن الماضي، وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره

مفارقة عجيبة

عاد فضل شاكر ليشغل الرأي العام في الأشهر الأخيرة، إذ إن سنوات الغياب لم تمنع هذه الموهبة النادرة من العودة إلى الأضواء من الباب العريض، بمجرد إطلاق ألبومه الجديد الذي أثبت من خلاله أنه لا يزال الرقم الصعب رغم الانقطاع الطويل.

وفي مفارقة لافتة، لم يستأذن شاكر للدخول مجددًا إلى يوميات اللبنانيين عبر أغانيه الجديدة، التي شاركه في بعضها نجله محمد، رغم الموقف المتحفظ تجاهه لدى شريحة واسعة من اللبنانيين.

واستكمل شاكر ما أسماه بـ"توبته الجديدة" بقرار تسليم نفسه إلى الدولة، بعد أن كان يرفض هذه الخطوة ما لم يحصل على ضمانات أمنية وقضائية. وقد جاء الخبر المفاجئ يوم السبت، 4 تشرين الأول/أكتوبر، حين قامت دورية من مخابرات الجيش اللبناني بنقله من نقطة الحسبة عند مدخل مخيم عين الحلوة إلى مقر قيادة الجيش في اليرزة.

مضايقات ووساطات

أعلنت قيادة الجيش، في بيان، أنه "نتيجة سلسلة اتصالات بين الجيش والجهات المعنية، سلّم المطلوب فضل عبد الرحمن شمندر المعروف بـ«شاكر» نفسه إلى دورية من مديرية المخابرات عند مدخل مخيم عين الحلوة - صيدا، وذلك على خلفية أحداث عبرا في العام 2013. وبوشر التحقيق معه بإشراف القضاء المختص".

بالتزامن، أفادت المعلومات التي حصلت عليها "الترا صوت" أن عملية التسليم جاءت متزامنة مع انطلاقته الفنية الجديدة، وبعد وساطات استمرت لأشهر وتكثّفت في الشهرين الماضيين عبر فريق من المحامين.

وبحسب المعلومات، فإن الجهات الرسمية المعنية كان جوابها الدائم أنّ على شاكر تسليم نفسه للقضاء إذا كان فعلًا غير متورّط بدم الجيش اللبناني. وهذه الخطوة ستؤدي حُكمًا إلى سقوط الحكم الغيابي الصادر بحقه، ليُحاكم من جديد أمام المحكمة العسكرية، وهو ما سيبدأ فعليًا.

ورغم التسريبات الإعلامية التي أكدت عدم تقديم أي ضمانات، وأن لا تدخلات خارجية حصلت، إلا أن المعلومات تتحدث عن تسوية نهائية للملف في كل التهم الموجّهة ضده، وأن محاكمة سريعة ستُجرى، على أن تأخذ الوقت الكافي في الوقت نفسه، بما يسمح له باستعادة حقوقه المدنية وسقوط منع السفر عنه. إلا أنّ المصادر نفسها شددت على أن هذا الملف قضائي، ولا يمكن لفلفته أو ختمه عبر تسوية، بل يجب أن يسلك الأطر القانونية اللازمة، ولذلك من الضروري أن يمثل شاكر أمام القضاء.

وتشير المعلومات إلى أن ما ساهم في تسريع القضية عدة عوامل، أبرزها:

  • المضايقات التي تعرّض لها شاكر مؤخرًا في مكان سكنه بحي المنشية في عين الحلوة بعد عودته إلى الساحة الفنية.
     
  • التحوّل الكبير الذي شهده لبنان منذ مطلع العام، وتراجع نفوذ حزب الله داخل الأجهزة الأمنية والقضائية، ما شكّل نوعًا من الطمأنينة لشاكر، مستندًا إلى أن المحكمة العسكرية سبق أن برّأته عام 2018 من بعض التُهم المنسوبة إليه، والمتعلّقة بقتل عسكريين وتشكيل عصابة مسلّحة، بعدما كانت قد أصدرت عام 2017 حكمًا غيابيًا بسجنه لمدة 15 عامًا مع الأشغال الشاقة، وتجريده من حقوقه المدنية، وتغريمه 800 ألف ليرة.
     
  • وضع ملف الموقوفين الإسلاميين على نارٍ حامية، بالتزامن مع المباحثات السورية اللبنانية حول ملف السجون.
     
  • ومن المتوقع أن تأخذ محاكمة شاكر في الاعتبار الظروف السياسية والطائفية التي كانت سائدة في العام 2013.

أهالي شهداء الجيش

أثار تسليم فضل شاكر نفسه ردود فعل متباينة بين أهالي شهداء الجيش اللبناني الذين سقطوا في أحداث عبرا، والتي ارتقى خلالها 18 ضابطًا وجنديًا. وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي منشورات عدة، من بينها ما كتبته والدة الشهيد الملازم أول جورج بو صعب، التي وجّهت لومًا إلى قائد الجيش العماد جوزاف عون، متسائلةً عن مصير الوعود التي قُطعت لعائلات الشهداء. كما نشرت شقيقة الشهيد النقيب سامر طانيوس تعليقًا قالت فيه: "هنيئًا لحكومة تفاوض المجرمين، ولقضاءٍ يتأرجح بين الفساد والتسويات".

"صحّاك الشوق"

طوى فضل شاكر صفحة الاعتزال نهائيًا، مستعيدًا حضوره عبر تحفتين فنيتين حقّقتا ملايين المشاهدات: "كيفك عا فراقي" و"صحّاك الشوق". وكل ما يحتاج إليه الآن هو جواز سفر جديد وسجلّ عدلي نظيف يحمل عبارة "لا حكم عليه".

سيكون على موعدٍ جديد مع جمهوره، بعد سنوات الغياب الطويلة. كثيرون أحبّوه وما زالوا، وكثيرون أيضًا عاتبون. فمن الصعب الدفاع عن فضل، كما من الظلم الاستمرار في جلده. فالبلاد القلقة، حيث يتحوّل الجميع إلى وقودٍ في لعبة الآخرين، وفي نار الأحقاد والجهل، قد تحتاج إلى صوتِ حبٍّ قادمٍ من الرماد، يقول لها:"صحّاك الشوق من نومك".

كلمات مفتاحية
الأفراح في اليمن (شبكات التواصل الاجتماعي)

الفن في زمن الحرب: الأعراس تعيد رسم خريطة الغناء اليمني

الأفراح والغناء اليمني

ملصق مسرحية "أم كلثوم: دايبين في صوت الست" (العدل جروب)

مسرحية "أم كلثوم: دايبين في صوت الست".. هل يكفي الإبهار لتقديم عرض مؤثر؟

مسرحية ""أم كلثوم: دايبين في صوت الست"

دنيا دغيدي

من الإسكندرية للمتحف المصري: دنيا دغيدي قائدة أوركسترا الافتتاح

ظلت قائدة كورال مكتبة الإسكندرية، تحضر لهذا الحفل الاستثنائي شهرًا كاملًا

قوات الدعم السريع
سياق متصل

الحرب في السودان: هل تلوح مؤشرات لوقف التصعيد؟

يبدو الوضع في السودان متأرجحًا بين خيار التصعيد أو الهدنة الإنسانية المقترحة من قبل الآلية الرباعية الدولية

الأفراح في اليمن (شبكات التواصل الاجتماعي)
فنون

الفن في زمن الحرب: الأعراس تعيد رسم خريطة الغناء اليمني

الأفراح والغناء اليمني

مهرجان اندي تشينا - Getty
نشرة ثقافية

الرقابة الصين تتسبب في إلغاء مهرجان سينمائي مستقل في نيويورك

الرقابة في الصين والمهرجانات الفنية

حي الشيخ رضوان
سياق متصل

تصعيد إسرائيلي مزدوج: حصار خانق على غزة واعتداءات مستمرة في الضفة الغربية

واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر السبت شنّ غاراتها الجوية على قطاع غزة، في خرق جديد لاتفاق وقف إطلاق النار، بالتزامن مع تصاعد الاعتداءات في الضفة