حكم بالإعدام بسبب انتقاد الرئيس.. تونس ومنعرج أزمة الحريات العامة
4 أكتوبر 2025
أصدر قاض تونسي حكمًا بالإعدام في حق متهم بعد إدانته في قضيتين أثارتا جدلًا حقوقيًا وإعلاميًا، هما: "إهانة الرئيس قيس سعيّد" و"الاعتداء على أمن الدولة" من خلال نشر منشورات على فيسبوك. وقد أثار هذا الحكم انتقادات واسعة، واعتبره نشطاء حقوق الإنسان دليلًا إضافيًا على تردّي وضع الحريات العامة وحقوق الإنسان في تونس منذ إطاحة الرئيس التونسي بالبرلمان والحكومة المنبثقة عنه وسيطرة سعيّد على معظم السلطات في 2021.
عقوبة غير مسبوقة
يمثل الحكم الصادر بحق صابر شوشان، البالغ من العمر 56 عامًا، "عقوبة غير مسبوقة ومشددة في مجال حرية التعبير عبر الإنترنت في تونس"، وفق ما قال محاميه ورئيس رابطة حقوق الإنسان بسام الطريفي.
ونقلت وكالة "رويترز" عن أسامة بوثلجة، المحامي الذي يمثل شوشان، قوله: "قاض في محكمة نابل حكم بالإعدام على صابر بسبب منشورات على فيسبوك تنتقد الرئيس. إنه حكم صادم وغير مسبوق". وأضاف أن موكله "قدّم طلبًا للطعن على الحكم"، مشيرًا إلى أن شوشان "ليس سياسيًا بل شخصًا عاديًا محدود التعليم يكتب ويعيد نشر منشورات تنتقد الرئيس".
كان الحكم الذي أصدر القاضي في محكمة نابل ضد الخمسيني صابر شوشان موضوع سخرية وانتقاد واسع النطاق بين الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي
من جانبه، قال جمال شوشان، شقيق صابر المسجون منذ العام الماضي، لوكالة رويترز: "لا نصدق الحكم. نحن عائلة تعاني من الفقر المدقع، والآن أضيف إلى الفقر.. الظلم والقهر".
موجة واسعة من الانتقادات على السوشيال ميديا
أثار حكم القاضي في محكمة نابل ضد الخمسيني صابر شوشان سخرية وانتقادًا واسعًا بين الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي. واعتبر بعضهم أن الحكم "محاولة متعمدة من السلطات لبث الخوف بين منتقدي الرئيس"، فيما حذر آخرون من مغبة "مثل هذه الإجراءات القاسية التي تخنق حرية التعبير وتعمق التوتر السياسي في البلاد".
تآكل استقلالية القضاء في تونس
بعد حل البرلمان والحكومة عام 2021، شرع الرئيس قيس سعيّد في حكم البلاد بواسطة المراسيم، وتزايدت منذ ذلك الحين الانتقادات الحقوقية لتراجع الحريات العامة وتآكل سلطة القضاء، الذي يُستخدم في تصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين. وقد تم الزج بعشرات السياسيين والناشطين في السجون ومحاكمتهم بتهم مختلفة أبرزها التآمر على أمن الدولة، وصدرت أحكام قاسية تراوحت بين 12 و35 عامًا، وسط وصف سعيّد لمعارضيه بأنهم "خونة وإرهابيون".
ويقبع غالبية قادة المعارضة في السجون، على رأسهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وعبير موسي زعيمة الحزب الدستوري الحر، فيما اضطر آخرون لمغادرة تونس وطلب اللجوء السياسي في الخارج. ويصف الناشطون الوضع الحالي في تونس بأنه "سجن كبير مفتوح" تحت حكم سعيّد.
وفي الخامس والعشرين من تموز/يوليو الماضي، تظاهر مئات النشطاء في العاصمة تونس احتجاجًا على سياسات الرئيس سعيّد، بالتزامن مع الذكرى الرابعة لحل البرلمان المنتخب ومركزة السلطات في يده. واصفًا النظام بأنه "استبدادي" وحوّل تونس إلى "سجن كبير مفتوح"، وردد المحتجون شعارات مثل: "لا خوف.. لا رعب.. الشارع ملك الشعب" و"الشعب يريد إسقاط النظام" و"نظام كلاه السوس.. هذه مش دولة.. هذه ضيعة محروس".
وبعد نحو شهر، وتحديدًا في 21 آب/أغسطس الماضي، شهدت تونس تظاهرة لآلاف المواطنين دفاعًا عن الحق النقابي، وذلك إثر اعتداءات استهدفت الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر نقابة عمالية في البلاد. وعلى الرغم من الطابع النقابي للاحتجاج، حملت الشعارات رسائل سياسية واضحة تشير إلى تردي الحريات العامة، منها: "هايلة البلاد.. قمع واستبداد" و"يا مواطن يا مقموع.. زاد الفقر زاد الجوع".
التضييق على الإعلام الدولي
قالت نقابة الصحفيين في تونس الأسبوع الماضي إن "مراسلي الإعلام الدولي يتعرضون لقيود متصاعدة وعراقيل متكررة تحول دون وصولهم للمعلومة"، وذلك في أحدث مؤشر على التراجع واسع النطاق لحرية الصحافة في تونس، التي كانت إحدى أبرز مكاسب ثورة 2011.
وجاء هذا التحذير بعد منع فرق صحفية تابعة لوسائل إعلام دولية من التصوير في أماكن عامة من قبل الشرطة بدعوى عدم التراخيص، رغم أن المراسلين يحملون بطاقات اعتماد رسمية. ووفقًا للنقابة، وصل الأمر إلى "تحرير محاضر واستجواب بعض المراسلين الذين اضطروا لقضاء ساعات في المراكز الأمنية بدل مواقع العمل الصحفي".
ويشار إلى أن الحكومة التونسية أوقفت منذ آب/أغسطس الماضي منح تصاريح التصوير الشهرية لوسائل الإعلام الأجنبية. وعبرت النقابة عن خشيتها من أن يكون "الإشكال متجاوزًا الجانب الإداري إلى ممارسة ممنهجة تطال حرية العمل الصحفي، خاصة وأن المراسلين المعنيين يتعرضون للتمييز في الدعوات لحضور الندوات الصحفية الرسمية، التي أصبحت تقتصر على الإعلام العمومي فقط، ويحرمون من النفاذ إلى المصادر الرسمية".
ويقبع خمسة صحفيين على الأقل في السجون، فيما "يواجه عشرات النشطاء ملاحقات قانونية بسبب تعليقات إعلامية أو منشورات على الإنترنت تنتقد الرئيس أو المؤسسات الحكومية"، وفقًا لوكالة رويترز.
في المقابل، تصر السلطات التونسية على نفي التضييق على الحريات العامة، ويؤكد الرئيس قيس سعيّد أن "كل خطواته قانونية وتهدف للتصدي لفساد استشرى بين أوساط النخبة السياسية"، مضيفًا في أكثر من مناسبة أن "الحريات مضمونة وأنه لن يتحول إلى ديكتاتور".