1. سياسة
  2. سياق متصل

خطة ترامب لغزة: تسوية سياسية فوق الركام أم مشروع لتصفية القضية الفلسطينية؟

4 أكتوبر 2025
ترامب ونتنياهو
لقاء ترامب ونتنياهو في البيت الأبيض (Getty)
أغيد حجازي أغيد حجازي

تزامن طرح خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإعادة ترتيب المشهد في غزة، مع مرور عامين على أفظع مجازر الحرب الإسرائيلية ضد القطاع، ليعيد خلط الأوراق السياسية في المنطقة من جديد. فبينما يصفها البعض بأنها محاولة أميركية لوقف "عجلة الموت"، يرى آخرون فيها تتويجًا لحقبة جديدة من التصفية السياسية للقضية الفلسطينية.

ويعرض كلّ من الخبير في الشؤون العبرية، الدكتور تحسين الحلبي، والباحث السياسي، الدكتور محمد البحيصي، قراءتيهما لخطة ترامب: بين من يعتبرها نتيجةً لعجز الاحتلال عن فرض إرادته، ومن يراها استمرارًا لمشروع تصفوي ممتد منذ وعد بلفور حتى اليوم.

من المقاومة إلى الصمود

يقول الحلبي في تصريح لموقع "الترا صوت" إن أي مقاربة لفهم موقف حركتَي حماس والجهاد الإسلامي بعد عملية "طوفان الأقصى" يجب أن تبدأ من إدراك واقع غزة كمنطقة محاصرة منذ أكثر من ستة عشر عامًا، يحكمها من الداخل أصحاب القرار في المقاومة الذين صنعوا توازن الردع بأيديهم.

خطة ترامب، التي طُرحت بعد عامين من الحرب، جاءت "كمحاولة لوقف آلة القتل"، لكنها أخفت هدفًا حقيقيًا يتمثل في ترحيل الفلسطينيين من القطاع وتحويله إلى مشروع استيطاني وسياحي أطلق عليه  اسم "ريفيرا غزة"

وأوضح أن الشعب الفلسطيني في غزة يعيش منذ عقد ونصف تحت حصار خانق، لكنه استطاع في ظل هذه الظروف أن "يصنع مقاومة بيده"، مؤكّدًا أن الفلسطينيين يدركون أنهم لا يستطيعون تحرير كامل التراب الفلسطيني في المدى المنظور، غير أنهم متمسكون بحق الردع والمناورة مع الاحتلال.

ورأى الحلبي أن عملية "طوفان الأقصى" كانت ناجحة من وجهة نظر المقاومة لأنها أعادت التأكيد على أن الفلسطينيين لن يستسلموا رغم المعاناة، موضحًا أن "المقاومة نشأت في بيئة خانقة، لكنها تحوّلت إلى مدرسة في الصمود والتحدي".

وفي مقارنة لافتة، شبّه الوضع العربي بعد الحرب بما كان عليه قبل حرب تشرين/أكتوبر، أي بحالة من الركود والعجز عن اتخاذ قرارات حاسمة، رغم امتلاك بعض الدول القدرة على الفعل. وأشار إلى أنّ خطة ترامب، التي طُرحت بعد عامين من الحرب، جاءت – على حد قوله – "كمحاولة لوقف آلة القتل"، لكنها أخفت هدفًا حقيقيًا يتمثل في ترحيل الفلسطينيين من القطاع وتحويل غزة إلى مشروع استيطاني وسياحي أطلق عليه ترامب اسم "ريفيرا غزة".

وأضاف أن صمود الفلسطينيين غير المسبوق أفشل هذا المخطط، إذ "لم يغادروا أرضهم رغم الدمار والمجازر"، ما جعل الولايات المتحدة وإسرائيل غير قادرتين على فرض التهجير الجماعي. وقال: "اكتشف ترامب ونتنياهو أنهما عاجزان عن تهجير شعب يقاتل تحت القصف ويتمسك بأرضه، فاضطرا إلى التراجع عن مشروع تحويل غزة إلى منطقة استجمام إسرائيلية".

وبحسب الحلبي، فإن هذا العجز الأميركي – الإسرائيلي فرض تحوّلًا في المسار نحو التفاوض، بعد أن توصّل الطرفان إلى قناعة بأن "قتل المدنيين لا يصنع نصرًا"، فانتقلوا إلى مسار سياسي أفضى إلى طرح واشنطن لـ21 نقطة لوقف الحرب والتمهيد لتسوية تحفظ وجود الفلسطينيين فوق أرضهم.

مشروع استثماري بغطاء سياسي لإنهاء القضية الفلسطينية

من جانبه، رأى الدكتور محمد البحيصي أن خطة ترامب لم تأتِ لإنهاء الحرب، بل لتكريس نتائجها سياسيًا، معتبرًا أن الولايات المتحدة "ليست شريكًا في الحرب على غزة فحسب، بل هي من يقودها ويديرها فعليًا". وأوضح البحيصي لموقع "الترا صوت" أن الخطة ليست جديدة بل "قديمة متدحرجة"، بدأت بفكرة جاريد كوشنر حول إعادة إعمار غزة وتحويلها إلى منطقة اقتصادية وسياحية على النمط العقاري الذي اشتهر به ترامب نفسه.

وأشار البحيصي إلى أن الخطة تطورت مع الزمن لتتماهى مع "الأهداف الإسرائيلية الخمسة" التي أعلنها العدوان منذ بدايته، وأبرزها القضاء على المقاومة ونزع سلاحها وتحويل غزة إلى "حديقة خلفية" لإسرائيل.

وأوضح أن الجديد في الخطة هو الأسلوب السياسي الذي اتبعه ترامب عند جمعه ثمانية من قادة الدول العربية والإسلامية الكبرى، وانتزاعه منهم موافقة أولية، معتبرًا أن هؤلاء قادرون على فرضها على حماس ولو بتعديلات شكلية.

ووصف البحيصي ما يُقال عن "خطة مزدوجة" بأنها خداع سياسي، لأن الخطة في جوهرها واحدة وتهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر تقسيم الفلسطينيين إلى أربع فئات: في غزة، الضفة، القدس، والشتات. وأضاف أن السلطة الفلسطينية كانت غائبة عن المشهد رغم موافقتها الضمنية، ما يعني تغييب المشروع الوطني الفلسطيني برمّته.

ولفت إلى أن الخطة تعيد المنطقة إلى "مربع وعد بلفور"، إذ يجري إعداد نظام وصاية جديد على غزة تشرف عليه شخصيات مثل دونالد ترامب وتوني بلير وجاريد كوشنر، ما يعني – بحسب قوله – "ولادة كيان غزّاوي منفصل عن الهوية الفلسطينية الجامعة".

كما حذّر من أن هذه الخطة قد تنتج "هويات غزاوية" جديدة يتم تسويقها عبر شخصيات مثل محمد دحلان، معتبرًا أن هذا المسار أخطر من الحرب العسكرية لأنه يضرب البنية الوطنية والرمزية للمقاومة الفلسطينية.

بين واقعية التسوية ووهم السلام الأميركي

في تحليله للمشهد العربي والدولي، رأى الحلبي أن المبادرات العربية لإعادة إعمار غزة تمثل محاولة لاستعادة الدور العربي المفقود، معتبرًا أن هذا الدعم يشكّل "إغلاقًا لصفحة القتل المستمر"، لأن استمرار الحرب يعني تمديد المأساة بلا جدوى.

بين التفاؤل الحذر بصمود المقاومة الفلسطينية لدى الحلبي، والنظرة الواقعية للبحيصي حول مآلات الخطة الأميركية، يتضح أن خطة ترامب لغزة لم تكن مشروع سلام بل محاولة لإعادة تدوير نتائج حرب فشلت عسكريًا


وبيّن أن قبول المقاومة بالمبادرة لا يعني هزيمتها، بل هو "انتصار معنوي" لأنها بقيت فوق أرضها، مشيرًا إلى أن أكثر من 149 دولة اعترفت بضرورة قيام دولة فلسطينية على حدود 1967، ما يعكس – برأيه – اتساع التأييد الدولي للقضية الفلسطينية في مقابل انكشاف الوجه العنصري للاحتلال.

أما البحيصي رأى أن الحديث عن "عزلة إسرائيل" مجرد مبالغة إعلامية، لأن إسرائيل ما دامت في الفلك الأميركي فلن تكون معزولة. وقال إن الخطة الأمريكية فتحت الباب لتطبيع أوسع مع دول عربية عديدة، حتى تلك التي كانت تُعدّ "جبهات رفض".

وأوضح أن بعض المواقف الدولية – كاعتراف كولومبيا أو بعض الدول الأوروبية – تبقى رمزية، لأنها لا تغيّر الواقع الميداني. واعتبر أن خطة ترامب جاءت لتُعيد تسويق الاحتلال عبر واجهة "سلام اقتصادي"، فيما الهدف الحقيقي هو إعادة هندسة الشرق الأوسط على أسس أمنية تخدم إسرائيل وتمهّد لما سماه "العصر الإسرائيلي القادم".

وأضاف أن ترامب يسعى من خلال هذه الخطة إلى تعزيز صورته كمن "أوقف الحرب" تمهيدًا لترشيحه لجائزة نوبل للسلام، مؤكدًا أن جوهر الخطة "شيطاني" لأنها تمهد لمرحلة توسعية جديدة في المنطقة تمتد إلى لبنان وسوريا واليمن وإيران.

بين تفاؤلٍ حذرٍ يراه الحلبي في صمود المقاومة الفلسطينية، ورؤيةٍ واقعيةٍ لدى البحيصي في توصيفه لمآلات الخطة الأميركية، يتبيّن أن خطة ترامب لغزة لم تكن مشروع سلام بقدر ما كانت محاولة لإعادة تدوير نتائج حربٍ فشلت في تحقيق أهدافها العسكرية.

ومع أنّ الفلسطينيين ما زالوا يواجهون حرب إبادةٍ مروّعة، فإنّ مستقبل الصراع يبقى مفتوحًا على احتمالات متعددة، في ظلّ استمرار العجز العربي وتباين المواقف الدولية بين من يكتفي بإصدار البيانات ومن يشارك فعليًا في صياغة مصير المنطقة.

غير أنّ المؤكّد، كما أجمع الخبيران، أن ما بعد غزة لن يكون كما قبلها، إذ باتت المنطقة تقف على عتبة مرحلةٍ جديدة، تفرض سؤالًا مصيريًا: من يعيد التوازن إلى المعادلة الفلسطينية بعد أن اختلّ ميزانها؟

كلمات مفتاحية
متظاهرات سودانيات

الحرب في السودان: مجلس حقوق الإنسان يبحث إرسال بعثة لتقصّي الحقائق حول الانتهاكات في الفاشر

عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، اليوم الجمعة، جلسة خاصة بشأن الوضع في الفاشر بالسودان

مخيمات نزوح

مرحلة ثانية بلا أفق: إسرائيل تُعطّل اتفاق غزة وتُعيد صياغة الوقائع على الأرض

رغم اتفاق وقف النار في شرم الشيخ، يواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على غزة للشهر الثاني دون أفق للانتقال إلى المرحلة الثانية

الأمطار في غزة

كارثة مزدوجة: المنخفض الجوي يهدد غزة والتصعيد الإسرائيلي يستبيح الضفة

يتواصل اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة رغم الانتهاكات الإسرائيلية، فيما تتفاقم الأوضاع الإنسانية مع اقتراب المنخفض الجوي

هومایون إرشادي
أفلام

هومایون إرشادي: فلسفة الصمت في السينما الإيرانية

بدأ حياته المهنية كحكاية غنائية في فيلم. جالسًا خلف مقود سيارة، يلتفت إليه مخرج أفلام شهير، مأخوذ بملامحه ونظرات عينيه التي تشي برجل عاش ألف حياة

متظاهرات سودانيات
سياق متصل

الحرب في السودان: مجلس حقوق الإنسان يبحث إرسال بعثة لتقصّي الحقائق حول الانتهاكات في الفاشر

عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، اليوم الجمعة، جلسة خاصة بشأن الوضع في الفاشر بالسودان

 مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب - 30)
الترا لايت

التضليل المناخي: كيف تعرقل الشركات الكبرى تقدم مفاوضات المناخ؟

استهل المفاوضون أعمال مؤتمر الأمم المتحدة الثلاثين لتغير المناخ (كوب 30) في مدينة بيليم البرازيلية، بتحذير قوي من تصاعد حملات التضليل المناخي

صونيا
فنون

صونيا.. عنقاء المسرح الجزائري

نشأت صونيا مكيو في بيئة طبيعية كبقية أبناء جيلها، ذلك الجيل الذي شهد تحولات تاريخية هامة، من حركات التحرر والاستقلال إلى مرحلة البناء