تبذل كييف جهودًا حثيثة لإثبات قدرتها على مواصلة الحرب وتكبيد روسيا أقصى الخسائر، رغم دعوتها المستمرة إلى توقيع اتفاق دائم لوقف إطلاق النار دون شروط مسبقة.
فبعد الضربة التي وجهتها القوات الأوكرانية إلى القاذفات الروسية العملاقة ضمن عملية أمنية استخبارية معقدة حملت اسم "شبكة العنكبوت"، شنت القوات الأوكرانية صباح اليوم الثلاثاء هجومًا واسعًا باستخدام المسيّرات والصواريخ، استهدف مناطق في زاباروجيا وخيرسون، الخاضعتين للسيطرة الروسية جنوب أوكرانيا. وقد ركّز الهجوم بشكل خاص على البنية التحتية للطاقة، ما تسبب في انقطاع واسع للتيار الكهربائي.
ومنذ يوم أمس، تتحدث مصادر متعددة عن استعدادات روسية للرد على الهجمات الأوكرانية التي طالت قواعد عسكرية في سيبيريا، وذلك بعد انتهاء الجولة الثانية من المفاوضات، التي لم تستمر يوم الإثنين سوى ساعة واحدة، في ظل محاولات تركية وأميركية للحد من التصعيد ودفع الطرفين نحو التهدئة.
اشتملت المذكرة الروسية التي قدمها الوفد الروسي إلى نظيره الأوكراني على اقتراحين لوقف إطلاق النار المؤقت والدائم
العروض الروسية والأوكرانية لاتفاق وقف إطلاق النار
اشتملت المذكرة التي قدّمها الوفد الروسي لنظيره الأوكراني على اقتراحين لوقف إطلاق النار، أحدهما مؤقت والآخر دائم. وفيما يتعلق بوقف إطلاق النار المؤقت، ربطت موسكو موافقتها عليه بانسحاب الجيش الأوكراني من مناطق خيرسون وزاباروجيا ودونباس ولوغانسك، بالإضافة إلى منع إعادة انتشار القوات داخل أوكرانيا، ووقف التعبئة العامة، ووقف المساعدات العسكرية الأجنبية، وبدء إجراءات تسريح القوات، واستبعاد أي وجود عسكري لدولة ثالثة.
أما بشأن ما وصفته المذكرة بـ"المعايير الأساسية للحل النهائي"، فقد تضمنت عدة بنود، من بينها: حياد أوكرانيا، ورفض انضمامها إلى أي تحالفات عسكرية، وعدم امتلاكها أسلحة نووية، وتقليص عدد قواتها المسلحة، والاعتراف الدولي بضم القرم وخيرسون وزاباروجيا ودونباس ولوغانسك إلى روسيا، ورفع العقوبات المفروضة على موسكو.
كما شمل هذا القسم التنازل المتبادل عن المطالبات بالتعويضات الناجمة عن الصراع، وضمان حقوق السكان الناطقين بالروسية، ورفع القيود المفروضة على أنشطة الكنيسة الأرثوذكسية، وحظر تمجيد النازية، والاستعادة التدريجية للعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، بما في ذلك عبور الغاز الطبيعي.
في المقابل، تمسّكت أوكرانيا بمقترح لوقف إطلاق النار دون شروط مسبقة، مع إرجاء مناقشة الضمانات والتفاهمات إلى مرحلة التفاوض على اتفاق سلام دائم، وهو ما رفضته روسيا، معتبرة أن كييف تسعى فقط إلى كسب الوقت، وإعادة تنظيم قواتها، والحصول على مزيد من الدعم العسكري من حلفائها.
الهجمات الأوكرانية
شنت أوكرانيا مع ساعات الصباح الأولى هجومًا مزدوجًا بالصواريخ والطائرات المسيّرة على زاباروجيا وخيرسون. وقد أدى الهجوم إلى انقطاع تام للتيار الكهربائي في المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الروسية في هاتين المنطقتين، ما اضطر السلطات الروسية إلى فرض تدابير طارئة واللجوء إلى مصادر الطاقة الاحتياطية في المواقع الحيوية.
وأفادت مصادر روسية بأن محطة زاباروجيا للطاقة النووية، وهي أكبر منشأة نووية في أوروبا وتسيطر عليها روسيا منذ عام 2022، لم تتعرض لأضرار، وظلت مستويات الإشعاع فيها ضمن المعدلات الطبيعية.
في الأثناء، ما زال الهجوم الأوكراني الذي استهدف القواعد الجوية الروسية يوم الأحد الماضي يثير تفاعلات في الأوساط الغربية. وفي هذا السياق، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) قوله إن "الهجوم الأوكراني الأخير أظهر قدرة كييف على ضرب أي مكان تقريبًا داخل روسيا".
غير أن المسؤولين الأميركيين يتوقعون ردًّا انتقاميًا واسع النطاق من موسكو، التي اعترفت بالهجوم وتوعّدت بالرد، معلنة اعتقال عدد من الأشخاص المشاركين في تنسيقه.
ونفى مسؤولون في الإدارة الأميركية، في حديثهم للصحيفة، أن تكون كييف قد أبلغت واشنطن مسبقًا بالتخطيط للهجوم أو بنيّة تنفيذه.
إنقاذ المفاوضات
دعت تركيا إلى عقد قمة على مستوى الرؤساء تجمع الرئيس الأوكراني بنظيره الروسي، بمشاركة كل من الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وذلك بهدف التوصل إلى وقف للحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات. وجاءت الدعوة التركية في ظل مؤشرات متزايدة على التصعيد، بدأت بالظهور منذ الهجوم الأوكراني الأخير.
وسارع البيت الأبيض إلى الإعلان عن انفتاح الرئيس الأميركي دونالد ترامب على "المشاركة في اجتماع محتمل يُعقد في تركيا، ويجمع كلًّا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي".
وفي هذا السياق، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت: "أكد الرئيس ترامب انفتاحه على لقاء زيلينسكي وبوتين، لكنه يشترط أن يجلس الطرفان، أي الزعيمان الروسي والأوكراني، إلى طاولة المفاوضات. وقد رأينا اليوم أن ذلك تحقق نتيجة لإصرار الرئيس ترامب، لكنني سأترك للرئيس أن يعلن موقفه من تلك المحادثات وما دار فيها".