02-يونيو-2025
الذكاء الاصطناعي

صورة تعبيرية (جيتي)

مع الصعود السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، تتجه الشركات الناشئة ومطورو البرمجيات إلى تسويق هذه الأنظمة بطرق لافتة، لكن مثيرة للجدل.

 واحدة من أبرز هذه الطرق هي إضفاء الطابع الإنساني على الذكاء الاصطناعي عبر منحه أسماءً بشرية وشخصيات ودّية، في محاولة لجعل المستخدمين يشعرون بأنه "زميل عمل" وليس برمجية مجردة.

في السابق، لم تُسوّق الحواسيب أو البرمجيات كـ"زملاء"، بل كأدوات إنتاجية. فلماذا هذا التغيير الآن؟

 

وحسب موقع "تيك كرانش"، فالعديد من الشركات الناشئة، وخاصة تلك التي تخرج من حاضنات أعمال مرموقة مثل Y Combinator، لم تعد تعرض منتجاتها كأدوات تقنية، بل كـ"موظفين".

مثلًا، شركة "Atlog" قدّمت ما سمّته "الموظف الذكي لمعارض الأثاث"، والذي يتولى مهامًا تتراوح من الدفع إلى التسويق. وبحسب وصف الشركة، يمكن لمدير واحد الآن تشغيل 20 معرضًا عبر النظام، دون حاجة إلى توظيف مدراء إضافيين.

بينما شركات مثل Anthropic اختارت اسمًا شخصيًا لمنصتها "Claude"، تمامًا كما فعلت تطبيقات مالية مثل "Dave" و"Albert" و"Charlie" لإضفاء طابع الود والموثوقية. الهدف واضح: تعزيز الثقة عبر التمويه، لا عبر الشفافية. فالعميل أو المستخدم يشعر براحة أكبر حين يتعامل مع اسم لطيف بدلًا من مصطلحات تقنية باردة.

تسويق الحواسيب والبرمجيات كـ"زملاء" يسهّل تقبّل فكرة الاستغناء عن البشر دون مقاومة اجتماعية أو قانونية كبيرة

لكن هذا التوجه بدأ يفقد بريقه ويثير القلق. فالخوف لم يعد من شكل التقنية، بل من تداعياتها الواقعية على الوظائف والبشر.

ووفقًا لتصريحات داريو أمودي، الرئيس التنفيذي لشركة Anthropic، فإن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى اختفاء نصف وظائف "ذوي الياقات البيضاء" المبتدئين خلال 1 إلى 5 سنوات فقط، مع احتمال وصول معدلات البطالة إلى 20%. تصريحات تبدو صادمة، لكن إشاراتها واضحة: هناك تغيير جذري قادم في سوق العمل، والكثيرون لا يدركون حجمه بعد.

وفي الوقت نفسه، تتصاعد معدلات البطالة في الولايات المتحدة، حيث سجلت 1.9 مليون حالة للحصول على إعانات بطالة منتصف أيار/مايو 2025، في أعلى مستوى منذ 2021 كثير منهم من العاملين في قطاع التكنولوجيا.

ويستدعي البعض المقارنة مع فيلم A Space Odyssey الصادر عام 1968، حيث يتحول الكمبيوتر "هال" من مساعد هادئ إلى قاتل يقطع الأكسجين عن الطاقم. ورغم أنها قصة خيالية، إلا أن تحذيرها الأخلاقي يبدو أكثر واقعية اليوم، مع تطور أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تتسلل بهدوء إلى أماكن العمل، تحت مسمى "مساعد" أو "زميل".

في السابق، لم تُسوّق الحواسيب أو البرمجيات كـ"زملاء"، بل كأدوات إنتاجية. فلماذا هذا التغيير الآن؟ ببساطة: لأنه يسهّل تقبّل فكرة الاستغناء عن البشر دون مقاومة اجتماعية أو قانونية كبيرة. لكن النتيجة؟ تجريد العمل من إنسانيته، وتسويق البطالة الجماعية على أنها "ابتكار".

ما نحتاجه اليوم ليس "موظفًا افتراضيًا جديدًا"، بل أدوات تقنية تمكّن البشر وتزيد من إنتاجيتهم وابتكارهم. الحل لا يكمن في إخفاء الواقع خلف أسماء ودّية، بل في خلق تكنولوجيا تخدم الإنسان بصدق، لا تحل محله تدريجيًا.