1. قول

سنتان في تقويم الإبادة

7 أكتوبر 2025
عامين من الإبادة
عامين كاملين من الإبادة (Getty)
رائد وحش رائد وحش

الصور هي الزمن. والزمن هو الذعر. طابور الطعام يعني نهارًا ضائعًا في انتظار قوت لن يأتي. حلول الظلام إعلان عن جدول القصف الروتيني. الازدحام النهاريّ في الشوارع المدمرة ليس سوى تعبير عن اللحظات المختلسة من الموت. صورة كيس الطحين أو إناء الطعام هي تثبيت للحظة العابرة بين الجوع والجوع. في كل لقطة لجريح ثمة مستشفى خالٍ من الأدوية. وفي كل مشهد للأنقاض ثمة شعب مشرّد. لا يُقاس زمن الإبادة بالدقائق والساعات والأيام، فالزمن تعرّض للتشويه مثل البشر والمكان، ولم يعد متسلسلًا بل منفجرًا، ولهذا نقيسه بمشاهد تُحصي القسوة، وتحيط بأعداد الجراح.

والمزيد من الكتابة والتأريخ في الصور.

من كل عشرة غزيين ثمة تسعة نازحون داخليًا. في شمال القطاع واحد من كل ثلاثة أطفال دون سنتين مصاب بسوء تغذية حادّ. كثيرون نزحوا بين تسع أو عشر مرات خلال الحرب. من بين كل 100 عائلة، 81 عائلة تأكل أقل من الحد الأدنى للبقاء. من كل 100 قتيل يوجد 31 طفلًا و16 امرأة. أكثر من 1000 مدني قُتلوا أثناء محاولتهم الوصول إلى نقاط توزيع الطعام أو المياه أو الأدوية هذه السنة. أكثر من طبيبين وممرض يقتلون يوميًا. أقل من 2000 سرير متاح لغزة بأكملها.

والمزيد من الرعب في مطالعة الأرقام.

مع كل تصريح عن "الحق في الدفاع عن النفس" تحدث مجزرة جديدة. وخلف كل إصرار على الحديث عن "العملية الجراحية الدقيقة" يصاب طفل باليتم. ومع كل وعد أميركي بـ"ضمان الأمن الإسرائيلي" يُسحب أنبوب أوكسجين من مستشفى. من كل كلمة "سلام" في كل خطة جديدة تسقط قنبلة على منزل ظل واقفًا حتى اللحظة. ومع كل وعد بتسليم المساعدات تتسع دائرة الاستهداف. ولا يمر أي تصريح أمميّ عن "القلق" دون موت رضيع في خيمة متهالكة.

مع كل تصريح عن "الحق في الدفاع عن النفس" تحدث مجزرة جديدة. وخلف كل إصرار على الحديث عن "العملية الجراحية الدقيقة" يصاب طفل باليتم

والمزيد من اليأس في تتبع التصريحات.

من بين كل خمس خطط تُطرح لأجل وقف إطلاق النار، تضيع أربع منها في زحمة الأخبار، وتبقى الخامسة عرضةً لتقلبات المزاج السياسي. انتهت وثيقة ويتكوف حول الممرات الآمنة لتكون مصائد موت مفتوحة. مقترح "ريفييرا غزة" حول إعادة إعمارٍ شرطُه حرقُ الأرض. بدأت خطة ترامب ذات العشرين بندًا بالأسرى وانتهت ببنود غامضة عن "اليوم التالي". المقترح الثلاثي (قطر، تركيا، مصر) ضاع مع القصف. من كل مقترح لـ"انسحاب من طرف واحد" يقوم جيش الاحتلال الإسرائيلي بالمزيد من الاجتياحات. كل خطة تحمل اسم وسيط وتوقيع قوة عظمى تخفي انفجارًا جديدًا في سطورها الأخيرة.

والمزيد من المجازر في أوراق الخطط.

وخرجت المظاهرات. هبّ الآلاف في ساحات المدن والجامعات. الشرطة تطوّق بالعنف والإعلام يصم الناس بالإرهاب أو اللاسامية. ثم جاء الاعتصام. نصبت خيام في باحات الجامعات، وعند مباني الإدارة، وراح تتواتر بيانات يومية تدين الإبادة، ولحقتها قوائم للمقاطعة الاقتصادية والثقافية لإسرائيل، ومطالبات بمحاسبتها. تشبه المعسكرات الطلابية خيام اللاجئين. بالتزامن معها بدأ النشطاء باقتحام المؤتمرات والندوات ليعارضوا القتل ويفضحوا المتواطئين معه والداعمين له. طُرد البعض، ضُرب البعض الآخر. شُتموا وأُهينوا وسُجنوا، لكنهم واصلوا بالشجاعة التي بدأوا فيها. وحين لم يتوقف عدّاد الموت، ولا فُتحت المعابر لتمر شاحنات المساعدات، واستمرت شحنات توريد الأسلحة حتى تواصل الجريمة مهماتها، قرروا أن يذهبوا بأنفسهم إلى غزة. هكذا جاء أسطول الصمود، مهيبًا وكبيرًا، مثل العدالة نفسها. أبحر المتضامنون. أنفاس العالم الحرّ كانت تدفع الأشرعة أكثر من الريح. أبحروا كي يوصلوا الخبز والدواء.. والصوت. كلّ قارب قطعة من ضمير الإنسان. كل شخص تمثيل للرفض. لكن إسرائيل اعترضت المراكب واعتقلت من على متنها وصادرت محتوياته.

والمزيد من التضامن من أجل لا شيء.

لا الصور أوقفت الإبادة، ولا الخطط أنهت استمرار إطلاق النار، ولا التصريحات بدّدت الذعر، ولا التضامن حمى الحياة. تغيّر كل شيء تمامًا منذ بدأت الإبادة قبل سنتين بالضبط، وحده القرار السياسي في العواصم الغربية الكبرى ظل مصرًّا على دعم إسرائيل، رافضًا وقف الحرب، وفرض العقوبات والمحاسبة. 

وبعد عامين كاملين من الإبادة، لم يعد جديدًا أن نقول إن ما يجري في قطاع غزة تعبير مباشر عن منطق النظام الدولي، فأصحاب القرار فيه يدركون، مثلما ندرك تمامًا، أن استمرار القتل سياسة وليس خطأً، وأن الصمت قرار وليس عجزًا، لأنّ الإبادة تحمي "الاستقرار"، وتُبقي الأسواق مفتوحة، وتُعيد ضبط ميزان القوة. وما دام الدم الفلسطيني ثمنًا مقبولًا في ميزان المصالح، فالدرس الذي نتعلمه هو أن العالم لن يتغيّر دون أن يتغيّر النظام نفسه.

كلمات مفتاحية
ساذج نصار

في مديح امرأة فلسطينية قوية

اسمها ساذج نصّار (1900-1970)، وُلدت في الناصرة وماتت في دمشق، من أصول إيرانية، والدها بديع الدين بهائي كان مقيمًا في عكا

شارع الرشيد في غزة

من شارع الرشيد إلى القصيدة.. خريطة الوجع الأخيرة

ليس هذا فقط حكاية خسارة فردية: إنه ثمن سياساتٍ وحروبٍ ومؤامراتٍ تَسلبُ المدنَ وجراحَها، وتحوّلُ البياضَ إلى خريطةٍ للغائبين

برج كنيسة الفادي

بنحبك أستاذ عبود

بين مطعم "أبو خليل" و"كافيه زمن"، لاحظتُ عبارة كُتبت بالأحمر على جدار أحد البيوت. وقفتُ وقرأت: "بنحبك أستاذ عبود"، ولا شيء غير ذلك

قوات الدعم السريع
سياق متصل

الحرب في السودان: هل تلوح مؤشرات لوقف التصعيد؟

يبدو الوضع في السودان متأرجحًا بين خيار التصعيد أو الهدنة الإنسانية المقترحة من قبل الآلية الرباعية الدولية

الأفراح في اليمن (شبكات التواصل الاجتماعي)
فنون

الفن في زمن الحرب: الأعراس تعيد رسم خريطة الغناء اليمني

الأفراح والغناء اليمني

مهرجان اندي تشينا - Getty
نشرة ثقافية

الرقابة الصين تتسبب في إلغاء مهرجان سينمائي مستقل في نيويورك

الرقابة في الصين والمهرجانات الفنية

حي الشيخ رضوان
سياق متصل

تصعيد إسرائيلي مزدوج: حصار خانق على غزة واعتداءات مستمرة في الضفة الغربية

واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر السبت شنّ غاراتها الجوية على قطاع غزة، في خرق جديد لاتفاق وقف إطلاق النار، بالتزامن مع تصاعد الاعتداءات في الضفة