شهرٌ مضى على سقوط نظام الرئيس المخلوع، بشار الأسد، فجر الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي، إثر هجوم خاطف شنّته فصائل المعارضة المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام، انتهى بهروب الأسد إلى موسكو بعد وصول فصائل المعارضة إلى دمشق.
وشهدت هذه المدة العديد من الأحداث التي شغلت الشعب السوري، لعل أهمها التوترات الأمنية التي أعقبت اندلاع عدة مظاهرات في مناطق مختلفة من الساحل السوري وحمص ودمشق على خلفية انتشار مقطع فيديو يُظهر حرق مقام الشيخ أبو عبد الله الحسين الخصيبي في مدينة حلب.
تخللت هذه المظاهرات أعمال شغب، وتزامنت مع تحركات لفلول نظام الأسد في منطقة الساحل، حيث قُتل 14 عنصرًا من إدارة العمليات العسكرية في كمين بريف طرطوس. وردّت إدارة العمليات العسكرية بإطلاق حملة أمنية كبيرة ضد فلول النظام المخلوع في عدة محافظات، تخللها الكثير من الانتهاكات بحق المدنيين، حيث انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات عدّة تُظهر عناصر من القيادة وهم يمارسون الإهانة بحق عدد من الأشخاص.
كانت التوترات الأمنية التي جاءت بعد سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي من أهم الأحداث التي شهدتها مختلف المدن السورية
وأثارت هذه الممارسات جدلًا واسعًا بين السوريين في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث رأى البعض فيها امتدادًا لسياسات النظام السابق، مُبدين تخوفهم من المرحلة المقبلة، ومن وقوع فتنة أو حرب أهلية وطائفية بين السوريين، في حين اعتبرها آخرون سلوكًا فرديًا لا يعكس توجه القيادة الجديدة للبلاد.
ترقية ضباط مقربين من هيئة تحرير الشام
وأثار إعلان إدارة العمليات العسكرية ترقية نحو 50 ضابطًا، بينهم قائد الجناح العسكري لهيئة تحرير الشام، ووزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال، مرهف أبو قصرة، جدلًا كبيرًا بين السوريين لعدة أسباب، منها أن معظم هؤلاء الضباط ينتمون إلى الهيئة أو مقربين منها.
إضافةً إلى وجود عدة ضباط أجانب بين هذه الأسماء، الأمر الذي رأى البعض أنه قد يكون مصدرًا لتداعيات سلبية خلال هذه المرحلة، خاصةً أن هؤلاء ينتمون إلى تنظيمات جهادية متحالفة مع الهيئة. وذلك عدا عن استثناء عدد كبير من الضباط المنشقين، الذين يرى كثير من السوريين أنهم أحق بالترقيات والعودة إلى ممارسة مهامهم، وأن يكونوا جزءًا أساسيًا من عملية إعادة هيكلة الجيش.
في هذا السياق، لا يزال الحديث عن حل الفصائل المسلحة ودمجها في كيان عسكري مستمرًا. وكان أبو قصرة قد أعلن مؤخرًا عن عقد مشاورات مع الفصائل العسكرية تمهيدًا لدمجها في وزارة الدفاع، في إطار إعادة هيكلة الجيش.
تُعد هذه المسألة إحدى أكبر التحديات التي تواجه الإدارة السورية الجديدة، وذلك نظرًا إلى عدد الفصائل المسلحة الموجودة على الأرض، رغم إبداء معظمها استعدادها لحل نفسها والاندماج في جيش واحد. مع ذلك، يبقى الأمر معقدًا بسبب اختلاف المرجعيات الفكرية والأيديولوجية لهذه الفصائل، الأمر الذي من شأنه إعاقة عملية الدمج، أو يجعلها مجرد إجراء شكلي.
📌 اشتكى بعض أهالي محافظة القنيطرة الذين التقاهم موقع "ألترا صوت" من غياب مصادر إعلامية دقيقة تغطّي ما يحدث في المنطقة.
📌 يُحصر الواصلون إلى المحافظة، بما فيهم الإعلاميون إلا بعض القنوات والشبكات، بالتجوّل بين خان أرنبة ومدينة البعث والمنطقة العمّالية، بينما يعانون لدخول القرى… pic.twitter.com/vzu8UR08wf
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 8, 2025
مساعٍ لتخفيف العقوبات المفروضة على سوريا
أما اقتصاديًا، فلا تزال الأوضاع صعبة رغم تحسنها مقارنةً بما كانت عليه في زمن النظام المخلوع. ويعتبر الملف الاقتصادي والمعيشي من التحديات الكبيرة والجوهرية التي تواجهها الإدارة الجديدة لسوريا، لا سيما في ظل استمرار العقوبات الغربية المفروضة على البلاد، والتي تُطالب حكومة تسيير الأعمال برفعها على اعتبار أن سببها، وهو نظام بشار الأسد، قد زال.
وتربط عدة دول غربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، رفع العقوبات بسلوك السلطات الجديدة. ومع ذلك، علّقت واشنطن قبل أيام بعض هذه العقوبات لمدة ستة أشهر، حيث أصدرت وزارة الخزانة الأميركية رخصة عامة تتيح إجراء معاملات مع المؤسسات الحكومية السورية، وبعض المعاملات المتعلقة بقطاع الطاقة، بالإضافة إلى تحويل الأموال الشخصية إلى سوريا، بما في ذلك التحويلات عبر البنك المركزي، وذلك بهدف تسهيل تدفق المساعدات الإنسانية.
في هذا السياق، صرّح وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، اليوم الأربعاء، بأن بعض العقوبات المفروضة على سوريا قد ترفع سريعًا، خاصةً تلك التي تعرقل وصول المساعدات وانتعاش البلاد، مشيرًا إلى أن العقوبات المفروضة على، بشار الأسد، ومسؤولي نظامه لن تُرفع.
وكانت عدة وسائل إعلام أوروبية قد تداولت خبرًا مفاده أن وزارة الخارجية الألمانية تقود حاليًا جهودًا داخل الاتحاد الأوروبي للتوصل إلى اتفاق بشأن تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا في قطاعات معينة، علمًا أن هكذا قرار تتطلب إجماع كافة الدول الأعضاء.
حوار وطني وتوغل إسرائيلي جديد
وفيما يخص مسألة الانتقال الديمقراطي، فلا يزال الموضوع غائبًا حتى هذه اللحظة، حيث تقتصر تصريحات معظم مسؤولي الإدارة الجديدة، بمن فيهم، أحمد الشرع، على الحديث عن الحوار الوطني المرتقب وصياغة الدستور وإجراء الانتخابات التي أعلن الشرع، في لقاء تلفزيوني، أنها ستُجرى بعد 4 سنوات، وذلك دون التطرق إلى إنشاء هيئات انتقالية تُنظّم أمور هذه المرحلة، وتحدد مهام وصلاحيات الإدارة الحالية.
🎥 شكاوٍ من بسطات عشوائية تعيق الحركة وغياب تام لشرطة المرور. pic.twitter.com/5cMyJInoZn
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 7, 2025
وكان وزير الخارجية السوري، أسعد حسن الشيباني، قد أعلن، أمس الثلاثاء، أن الإدارة الجديدة تعمل على تشكيل لجنة تحضيرية موسعة تضم ممثلين عن مختلف أطياف الشعب السوري، بهدف عقد مؤتمر حوار وطني قد يشكل "حجر الأساس" لمستقبل سوريا على حد قوله.
وفي جنوب سوريا، واصل جيش الاحتلال الإسرائيلي توغله في ريف القنيطرة. فبعد توغله في مدينة السلام (البعث سابقًا)، الأسبوع الماضي، ووصول عمق التوغل إلى نحو 8 كيلومترات، وسع اليوم مناطق سيطرته لتشمل مواقع جديدة في ريف القنيطرة الشمالي.
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد تجاوز المنطقة العازلة في مرتفعات الجولان السوري المحتل عقب سقوط نظام الأسد، وهي المنطقة التي تفصل بين مناطق سيطرة القوات الإسرائيلية والسورية منذ عام 1974. ولم يكتفِ جيش الاحتلال بدخول هذه المنطقة، بل توغل في عدة مناطق وصولًا إلى الجانب الشرقي من جبل الشيخ، الذي يُعد موقعًا استراتيجيًا شديد الأهمية.