يتجه انخفاض الإنتاج الليبي من النفط ـ بسبب أزمة مصرف ليبيا المركزي ـ إلى التأثير على استقرار إمدادات الطاقة العالمية، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة الأميركية إلى إظهار دعمها القوي للمؤسسة الوطنية الليبية للنفط وحمايتها من "التدخلات والضغوط التي تواجهها"، في إشارة إلى التجاذبات والصراعات ما بين حكومة شرق ليبيا غير المعترف بها دوليًا، والمدعومة من معسكر حفتر، ومجلس النواب والمجلس الرئاسي في طرابلس الذي أقال محافظ بنك ليبيا المركزي الصديق الكبير (فرّ هاربًا إلى تركيا) وكلّف بدلًا منه محمد شكري، ما دفع حكومة شرق ليبيا، في 26 آب/ أغسطس الماضي، إلى إعلان حالة "القوة القاهرة" على قطاع النفط بالكامل، وتوقف الإنتاج والتصدير من الحقول والموانئ النفطية الليبية.
وجاء الدعم الأميركي الصريح للمؤسسة الوطنية الليبية للنفط على خلفية الزيارة التي يجريها رئيس المؤسسة، فرحات بن قدارة، للعاصمة الأميركية واشنطن التي التقى فيها عددًا من المسؤولين في الإدارة الأميركية، بينهم مستشار الرئيس الأميركي الخاص أموس هوكستين، ومساعد وزير الخارجية الأميركي جوشوا هاريس، والقائم بأعمال نائب المدير المساعد لمكتب الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في الشرق الأوسط سيبيل سيغل، إضافةً إلى عدة مسؤولين آخرين وفقًا لبيان صادر عن المؤسسة الوطنية الليبية للنفط.
وبحسب البيان الليبي، أكد المسؤولون الأميركيون: "دعمهم الكامل للمؤسسة الوطنية للنفط في جهودها للحفاظ على استقلاليتها وحياديتها خاصةً في ظل التحديات والضغوط التي تواجهها".
توجد مخاوف فعلية من انزلاق ليبيا إلى مربع من الفوضى المدمّرة من جديد بسبب أزمة البنك المركزي
كما شدد الموقف الأميركي على: " ضرورة حماية المؤسسة من التدخلات التي قد تعرقل أداءها"، مبرزين دورها: "الحيوي في تأمين دخل الدولة الليبية بالإضافة إلى استقرار إمدادات الطاقة العالمية، لا سيما في ظل القضايا المتعلقة بخفض الإنتاج وأزمة مصرف ليبيا المركزي ".
وبحسب البيان الليبي، فقد بحث رئيس مؤسسة النفط الليبية مع المسؤولين الأميركيين: "مواصلة الاتفاق بين المؤسسة والولايات المتحدة وتعزيز التعاون الاقتصادي ودخول الشركات الأميركية إلى قطاع النفط الليبي".
ونقل البيان الليبي عن المسؤولين الأميركيين استعدادهم لتقديم: "كافة أشكال الدعم الفني والتقني لتعزيز التعاون مع المؤسسة في مجالات الحوكمة والشفافية إضافة إلى رفع كفاءة العاملين في قطاع النفط الليبي".
وتم التأكيد خلال الاجتماعات أيضًا على: "أهمية تطوير الشراكات في مجال تقليل انبعاثات الكربون من خلال نقل التكنولوجيا والمعرفة اللازمة لتحقيق الأهداف البيئية المشتركة خاصة في إطار المبادرات التي طرحتها المؤسسة الوطنية للنفط خلال قمة المناخ العالمية Cop28 للحد من انبعاثات الميثان وثاني أكسيد الكربون".
كما تم الاتفاق، وفق البيان، على: "مواصلة التنسيق بين الطرفين بما يشمل تنظيم لقاءات وزيارات مستقبلية بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي ودعم دخول الشركات الأمريكية إلى قطاع النفط الليبي".
وتفسر "واشنطن بوست" هذا الحرص الكبير على ضمان تدفق إمدادات النفط الليبي بأنه بات الأرخص عالميًا بسبب سياسات وقرارات المحافظ السابق الصديق الكبير الذي فرّ إلى تركيا.
تحذيرات من إغراق ليبيا في الفوضىوقالت الصحيفة الأميركية إن الأوضاع في ليبيا تتجه إلى إدخال البلاد في أزمة أعمق، وذلك نتيجةً للنزاع المستمر حول السيطرة على مصرف ليبيا المركزي، حيث ترى الصحيفة أن من شأن استمرار الصراع أن يشل الاقتصاد ويفاقم معاناة المواطنين، فقد أدى الصراع حتى الآن على إدارة المصرف إلى تعليق عملياته ما عرقل المعاملات مع أكثر من 30 مؤسسة مالية دولية وعزل ليبيا عن النظام المالي العالمي.
وبالنسبة للأثر الاقتصادي على المواطنين الليبيين فتعتبره الصحيفة وخيمًا، إذ نتج عن إغلاق البنك انخفاض حاد في صادرات النفط، ووضع قيود على سحب النقود، وتكرار انقطاع الكهرباء، وصعوبة تحصيل النفط في البلاد.
وأضافت "واشنطن بوست" أنّ صدام حفتر، نجل العقيد الليبي المتقاعد خليفة حفتر، يعمل على تعميق الأزمة، ويسعى إلى إشعال الفتنة بين فصائل غرب ليبيا وشراء دعم قادة مليشيات مختارين، كما أبلغ والده دبلوماسيين غربيين الشهر الماضي، حسب الصحيفة الأميركية، عن خطته لشن محاولة أخرى للسيطرة على العاصمة طرابلس.
هل جنى المحافظ السابق على نفسه؟
اعتبرت "واشنطن بوست"، في قراءتها التحليلية، أن محافظ مصرف ليبيا المركزي المقال الصديق الكبير جنى على نفسه، فقد تمكن بعد سقوط معمر القذافي من شراء ولاء خصومه على الطرفين والحفاظ على التحكم (في هذه المؤسسة). كما دعم واردات الوقود مما جعل الوقود الليبي الأرخص عالميًا، وسهّل تهريبه إلى أنحاء العالم وإلى أوروبا مقابل أرباح ضخمة، لكن نفوذه تدهور مع الوقت، الأمر الذي أدى به إلى وضعه الحالي.
ووفقًا لتحليل "واشنطن بوست"، فإن جذور أزمة مصرف ليبيا المركزي تعود إلى صراع أوسع بين الدبيبة في الغرب ومعسكر حفتر في الشرق، وذلك منذ المحاولة الفاشلة للسيطرة على طرابلس خلال الحرب الأهلية.