1. سياسة
  2. سياق متصل

عامان على "طوفان الأقصى": المقاومة لم ترفع الراية البيضاء وإسرائيل تفقد صورتها أمام العالم

7 أكتوبر 2025
قصف إسرائيلي
يتصاعد الدخان من المنطقة التي استهدفتها القوات الإسرائيلية في مدينة غزة (Getty)
أغيد حجازي أغيد حجازي

بعد عامين على "طوفان الأقصى"، لا تزال غزة تنزف تحت الركام، وتتنفس من بين الحصار والرماد. عامان مرا، تحوّل خلالهما الشريط الساحلي الصغير إلى أطلالٍ يختلط فيها الغبار برائحة الموت، وتتقاطع فيها الحكايات المنقطعة لأسرٍ أُبيدت بالكامل، وأطفالٍ لم يبقَ لهم سوى أسماؤهم على الجدران المهدّمة.

في الذكرى الثانية للحرب، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أنّ نسبة الدمار في القطاع بلغت نحو 90%، واصفًا ما جرى بأنه "إبادة جماعية مستمرة" تستهدف البشر والحجر معًا.

ووفق الإحصاءات الصادرة عن المكتب، أُلقي أكثر من 200 ألف طن من المتفجرات على غزة، فاحترقت البيوت والمدارس والمساجد والمستشفيات، وتحوّل التعليم والطب إلى أحلام معلّقة على أنقاض المباني.

أمّا الحصيلة البشرية، فتكاد تختصر مأساة قرن كامل؛ أكثر من 67 ألف شهيد، و169 ألف جريح، فيما أُبيدت 2700 أسرة بالكامل ومسحت من السجل المدني، واستُشهد 460 شخصًا جوعًا في ظل حصارٍ يخنق ما تبقّى من حياة.

هكذا بدت غزة بعد عامين على الحرب؛ مدينةٌ تصمد بكرامتها، وتكتب بدمها وثيقة الاتهام للعالم الصامت، في واحدةٍ من أكثر المآسي الإنسانية إيلامًا في التاريخ الحديث.

ورغم كلّ ما سبق، لم ترفع المقاومة الفلسطينية الراية البيضاء، بل ما زالت ماضية في عملياتها العسكرية، تُرعب الاحتلال في كلّ مواجهة، وتفاجئه كما لو أنّها تقاتله للمرة الأولى.

في الذكرى الثانية للحرب، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أنّ نسبة الدمار في القطاع بلغت نحو 90%

عملية غيّرت الوعي الأمني والسياسي في تل أبيب

وفي الذكرى الثانية لعملية "طوفان الأقصى"، تتواصل القراءات السياسية والعسكرية حول ما أحدثته من تحوّلات عميقة في ميزان الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي. فبعد عامين من اندلاعها، لم تعد العملية حدثًا عابرًا في سياق المواجهة الفلسطينية – الإسرائيلية، بل أصبحت نقطة انعطاف تاريخية أعادت تعريف مفاهيم الردع والقوة، وفتحت نقاشًا واسعًا حول مستقبل الصراع واتجاهاته.

وفي هذا الإطار، قال الكاتب السياسي صالح أبو عزة لموقع "الترا صوت" إن من أطلق عملية "طوفان" لم يكن يتوقّع أن تستمر المعركة لهذه المدة، إذ كانت التقديرات الفلسطينية، وكذلك لدى بعض صنّاع القرار، تشير إلى احتمال امتدادها لستة أشهر فقط قبل أن يحقّق الجانب الفلسطيني إنجازًا ميدانيًا أو سياسيًا. وأضاف أنّ" إسرائيل بعد 7 أكتوبر لم تعد هي إسرائيل قبل ذلك التاريخ، وأنّ ما حصل قد هزّ وجود الكيان وأعاد تعريف حساباته الأمنية والسياسية".

ولفت أبو عزة إلى أنّ إسرائيل استخدمت أدوات القمع على نحوٍ يتناسب مع حجم التهديد الذي شعرت به، وبدأت حملتها الإبادية أمام مرأى ومسمع العالم، معتبرًا أنّ المسؤولية الأولى عن هذه الجرائم تقع على الكيان الإسرائيلي، مع الإشارة إلى مسؤولياتٍ دولية إضافية.

وأوضح أنّ الولايات المتحدة "ساهمت في رعاية الإرهاب الإسرائيلي واستمرار الإبادة"، في حين لم ينهض المجتمع الدولي بواجباته عبر آليات الأمم المتحدة، ولا سيما الجمعية العامة ومجلس الأمن، لإرغام إسرائيل على وقف هذه الأعمال.

وأضاف أبو عزة أنّ الصورة الدولية لإسرائيل تغيّرت بفعل الأحداث، مؤكدًا أنّ الدعم الذي كانت تحظى به في أوساطٍ أوروبية وأميركية تلاشى، وأنّ كثيرين، وخصوصًا من جيل الشباب (جيل زد)، باتوا ينظرون إلى إسرائيل كدولةٍ تمارس الجرائم وتقف وراء إبادات جماعية.

من جهته، قال المختصّ في الشأن الإسرائيلي، حسن حجازي، إنّ مرور عامين على عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر شكّل لحظةً مفصلية في تاريخ الصراع مع الكيان الصهيوني، معتبرًا أنّ العملية حملت في طيّاتها آثارًا وتداعياتٍ عميقة ستبقى ماثلة في الوعي السياسي والعسكري الإسرائيلي لفترة طويلة، إذ أثّرت على طريقة إدارة الصراع وآليات اتخاذ القرار لدى مختلف القوى المعنية به.

وأوضح حجازي، في تصريح لـ"الترا صوت"، أنّ العملية مثّلت أعلى درجات التعبير عن حقّ الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه، بعد أن فقد الأمل في التسويات السياسية والمفاوضات التي امتدت لعقدين من الزمن منذ اتفاق أوسلو.

وبيّن حجازي أنّ الإنجاز الأبرز للعملية تمثّل في قدرة الفلسطينيين المحاصرين على مفاجأة العدو الإسرائيلي وتكبيده خسائر فادحة، متجاوزين الإجراءات الأمنية والعسكرية المشدّدة، مبرزًا أنّ العملية غيّرت صورة جيش الاحتلال الذي طالما روّج لتفوّقه وقدرته على السيطرة المطلقة.

غزة كشفت الكيان الصهيوني أمام العالم

ومع امتداد الحرب وتبدّل ملامحها على مدار عامين، برزت تساؤلات حول آفاق الصراع ومستقبل المقاومة الفلسطينية. وبينما تتكشف الأبعاد السياسية والعسكرية لهذه المواجهة التاريخية، يرى محللون أنّ العملية لم تغيّر فقط واقع الميدان، بل أعادت صياغة الوعي العالمي تجاه القضية الفلسطينية، ووضعت إسرائيل أمام امتحانٍ غير مسبوق في صورتها وموقعها الدولي.

وفي هذا السياق أشار حجازي إلى أنّ أحد التحديات التي تواجه الفلسطينيين اليوم هو أنّ "طوفان الأقصى" ظلّ حالةً فريدة وغير شاملة، إذ لم تتحوّل إلى معركة مفتوحة في كلّ الساحات، ما جعل الفلسطينيين يواجهون آلة الاحتلال وحدهم رغم دعم جبهات الإسناد في بعض المناطق. 

واعتبر أنّ العامل الحاسم في تفوّق الاحتلال كان امتلاكه قوةً عسكرية فائقة ودعمًا غير محدود من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، مشيرًا إلى أنّ إسرائيل لجأت منذ اليوم الأول إلى الاستغاثة بالدعم الأميركي العسكري والاستخباراتي للحفاظ على وجودها، وهو ما يثبت أنّ الكيان الصهيوني صنيعة خارجية يعتمد في بقائه على توازنات القوى الدولية.

مع امتداد الحرب وتبدّل ملامحها على مدار عامين، برزت تساؤلات حول آفاق الصراع ومستقبل المقاومة الفلسطينية

وأوضح أنّ العملية وما تلاها من حرب إبادة إسرائيلية ضد قطاع غزة أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العالمي، وحوّلتها إلى رمز للعدالة والمقاومة تتردّد أصداؤه في المظاهرات والمنتديات في مختلف القارات. كما كشفت الوجه الإجرامي الحقيقي للكيان الصهيوني الذي دمّر مساحات واسعة من غزة، وأوقع ما يقارب سبعين ألف شهيد في واحدة من أبشع الحروب في التاريخ المعاصر.

ورأى أبو عزة أنّ الموقف العربي والإسلامي لم يكن موحّدًا أو فعّالًا بالقدر الكافي، مشيرًا إلى وجود دول "اقترب موقفها من التخاذل، وجزء منها اتُّهم بالتآمر ضد الفلسطينيين على مستويات متعددة، سواء سياسيًا أو إعلاميًا أو اقتصاديًا". 

وختم الكاتب تأكيده بأنّ الفلسطيني في قطاع غزة "قاتل بشرف"، وأنّ جبهات الإسناد قدّمت تضحيات كبيرة، لكنه اعتبر أنّ "العدوى" لم تنتقل إلى بقية الحقول العربية والإسلامية بالقدر الذي يسمح بالاصطفاف الكامل لمواجهة الكيان الإسرائيلي.

من جهته، أشار حجازي إلى أنّ "طوفان الأقصى" فضح أيضًا نوايا إسرائيل التوسعية تجاه دول المنطقة، إذ أظهرت تصريحات مسؤوليها رغبتهم في فرض مشروع "إسرائيل الكبرى" وإخضاع المنطقة بأكملها للهيمنة الإسرائيلية. كما أشار إلى أنّ العملية أدّت إلى عزلة سياسية واقتصادية متزايدة لإسرائيل، بعد مقاطعة عدد كبير من دول العالم لها وتراجع التعاطف الشعبي الغربي معها.

وختم الخبير في الشأن الإسرائيلي بالقول إنّ عملية "طوفان الأقصى" كانت نقطة تحوّل تاريخية، إذ أظهرت حيوية الشعب الفلسطيني وقدرته على الصمود والإبداع رغم الحصار، وعرّت الطبيعة الإجرامية للاحتلال أمام العالم، مؤكّدًا أنّ آثارها ستبقى حاضرة على المدى القريب والبعيد، بعدما أعادت تعريف الصراع وكشفت حدود القوة الإسرائيلية ومدى هشاشتها أمام إرادة الشعوب.

كلمات مفتاحية
قوات الدعم السريع

الحرب في السودان: هل تلوح مؤشرات لوقف التصعيد؟

يبدو الوضع في السودان متأرجحًا بين خيار التصعيد أو الهدنة الإنسانية المقترحة من قبل الآلية الرباعية الدولية

حي الشيخ رضوان

تصعيد إسرائيلي مزدوج: حصار خانق على غزة واعتداءات مستمرة في الضفة الغربية

واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر السبت شنّ غاراتها الجوية على قطاع غزة، في خرق جديد لاتفاق وقف إطلاق النار، بالتزامن مع تصاعد الاعتداءات في الضفة

الدمار في غزة

غزة بعد الهدنة: الفلسطينيون بحاجة إلى مستقبل لا مجرد مساعدات

ما المستقبل الذي ينتظر الفلسطينيين في غزة؟

قوات الدعم السريع
سياق متصل

الحرب في السودان: هل تلوح مؤشرات لوقف التصعيد؟

يبدو الوضع في السودان متأرجحًا بين خيار التصعيد أو الهدنة الإنسانية المقترحة من قبل الآلية الرباعية الدولية

الأفراح في اليمن (شبكات التواصل الاجتماعي)
فنون

الفن في زمن الحرب: الأعراس تعيد رسم خريطة الغناء اليمني

الأفراح والغناء اليمني

مهرجان اندي تشينا - Getty
نشرة ثقافية

الرقابة الصين تتسبب في إلغاء مهرجان سينمائي مستقل في نيويورك

الرقابة في الصين والمهرجانات الفنية

حي الشيخ رضوان
سياق متصل

تصعيد إسرائيلي مزدوج: حصار خانق على غزة واعتداءات مستمرة في الضفة الغربية

واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر السبت شنّ غاراتها الجوية على قطاع غزة، في خرق جديد لاتفاق وقف إطلاق النار، بالتزامن مع تصاعد الاعتداءات في الضفة