نُشر اليوم، الأحد، حوارٌ مطوّل أجراه موقع العربي الجديد مع المفكّر عزمي بشارة. وقد دار الحوار، بشكلٍ رئيسي حول خطة ترامب لغزة والمشهد الفلسطيني السياسي وطروحات "اليوم التالي" والوحدة الفلسطينية، والحالة في الضفة الغربية والداخل. كما تناول الحوار الذي أجراه الصحفي ربيع عيد، الظّرف السوري الجديد بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد.
خطة ترامب لغزة والبديل العربي
يرى المفكر العربي عزمي بشارة أن إسرائيل وضعت الأساس لأفكار ترامب، من خلال حرب الإبادة التي شنتها على غزة، حيث جعلت القطاع مكانًا غير صالح للعيش، ليُصبح التهجير هو الاستنتاج الطبيعي، بموجب عقلية مقاول التطوير العقاري التي لا يملك الرئيس الأميركي غيرها، لكن أيضًا بموجب تبنّي ترامب لمواقف أقصى اليمين الإسرائيلي، ومصطلحاتِه ومنظوره إلى الصراع عمومًا.
وعلى رأس تلك المواقف والمنظورات أنّ "إسرائيل صغيرة وقوية ومتحضّرة ومحاطة بأعداء كثيرين متخلفين يملكون أراضي شاسعة، وتوجد دولة يهودية واحدة، واثنتان وعشرون دولة عربية، ولا حاجة إلى دولة عربية إضافية:: وغير ذلك من كليشيهاتٍ تعجّ بها كراريس الدعاية الصهيونية".
يضاف إلى ذلك، حسب مؤلف كتاب "من يهودية الدولة حتى شارون" أنّ الحلقة المحيطة بترامب "تتشابك باللوبي الإسرائيلي، وتتبنّى خطاب اليمين القومي الديني المتطرّف بشأن تاريخ فلسطين، وتتعامل معه بلغة رأسمالية التطوير العقاري بمصطلحاتٍ توراتية. كنّا نعرف مدى قوة اللوبي الإسرائيلي ولوبي الإنجيليين وتداخلهما، ولكننا نُفاجأ في كل مرة من صلافة هذا التحالف وعدوانيّته وتصميمه".
عزمي بشارة: الحلقة المحيطة بترامب تتشابك باللوبي الإسرائيلي، وتتبنّى خطاب اليمين القومي الديني المتطرّف بشأن تاريخ فلسطين، وتتعامل معه بلغة رأسمالية التطوير العقاري بمصطلحاتٍ توراتية
أمام هذه المحدّدات، يرى بشارة أنّ على الدول العربية للتصدي لخطة ترامب، "اتخاذ خطوات تجعل غزّة صالحة للعيش البشري، من دون طلب إذنٍ ممن يريد تهجير سكّانها. المطلوب، والواقعي، والممكن هو إعداد خطّة عملية والمباشرة بتنفيذها، تتضمن الإغاثة المباشرة والمعونات الغذائية والدوائية، والسكن المؤقت، وممارسة التعليم بأساليب ميدانية وإقامة مستشفيات ميدانية وإيفاد فرق طبية، ووضع خطّة لإزالة الركام، بما في ذلك مشاريع للاستفادة منه وإعادة تدوير ما يمكن إعادة تدويره، وخطة للإعمار. وتخصيص الميزانيات اللازمة لذلك كله".
واعتبر بشارة أنه "يُفضّل إنشاء هيئة خاصة لإعادة الإعمار تُخصّص لها الميزانيات اللازمة"، لافتًا إلى أنّ "ثمّة مبالغات غربية مقصودة بخصوص المدة الزمنية اللازمة لتنفيذ ذلك كله"، مؤكّدًا أنّ "وسيلة الصمود الرئيسة حاليًا هي إعادة الإعمار الشاملة، ولا سيما أن من آثارها غير المباشرة توفير وظائف أيضًا".
ويرى بشارة أن مثل هذه الخطوة، بخلاف ما يرى آخرون، "لن تؤدي إلى تعريض مصالح الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة للخطر، فترامب لا يحترم غير الأقوياء من حلفائه وخصومه على حد سواء".
وضرب بشارة على ذلك مثالًا هو تعاطي ترامب مع أوروبا وروسيا، حيث "أهدى لبوتين إنجازات في أوكرانيا قبل التفاوض الفعلي، فقط بسبب تصميم الأخير على الاستمرار رغم العقوبات والحصار الدولي، وتردّد أوروبا في مواجهته واعتمادها على الولايات المتحدة في الدفاع عن نفسها".
🔴 أبرز ما جاء في مقابلة "تلفزيون سوريا" مع المفكر العربي عزمي بشارة.. pic.twitter.com/fnx8m2jo0c
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) December 23, 2024
مستقبل وقف إطلاق النار
يرى عزمي بشارة أنه "يصعب تقدير مستقبل وقف إطلاق النار إذا لم تبدأ الدول العربية فورًا بخطة الإعمار والإغاثة الشاملة التي أشرتُ إليها من خلال معبر رفح، وإذا لم تغيّر نمط سلوكها في أثناء الحرب، والذي أوصلها إلى استهانة الإدارة الأميركية وإسرائيل بها إلى هذه الدرجة. وحبّذا لو نسمع منها تحذيراً واضحاً لحكومة نتنياهو من العودة إلى الحرب".
في سياق متّصل، أكد بشارة أنّ الاحتلال الإسرائيلي "استغلّ الحرب على غزّة لتنفيذ خطط موجودة في الأدراج لتوسيع الاستيطان وتقطيع أوصال الضفة الغربية، تمهيدًا لضم الكتل الاستيطانية ومناطق في غور الأردن، وتنفيذ أوامر مؤجلة لهدم البيوت ومصادرة الأراضي، والتخلص من تجمّعات بدوية".
كما لفت بشارة إلى أن إسرائيل "تعمل على القضاء على بؤر المقاومة بنفسها من خلال تهميش دور السلطة الفلسطينية، حتى في حفظ الأمن الإسرائيلي، بحيث تفعل هذه السلطة ما يُطلب منها فقط، وهو موقف الائتلاف الحالي الحاكم في إسرائيل، والذي لا يرى حاجة إلى وجود سلطة فلسطينية، ويعادي أي سلطة فلسطينية موحدة مهما كان نوعها".
إحياء منظمة التحرير
يعتقد مؤلف كتاب "صفقة ترامب – نتنياهو: الطريق إلى النص، ومنه إلى الإجابة عن سؤال: ما العمل؟" أنّ الظرف الجديد بعد حرب الإبادة، وحيث العدوان الجاري في الضفة الغربية، يحتّم البدء بإحياء منظمة التحرير الفلسطينية من خلال تفعيل مؤسّساتها، وضم حركتي حماس والجهاد وقوى المجتمع الفلسطيني الذي أظهر صمودًا وتضامنا فائقين. واستغلال الاعتراف العالمي المعنوي بدولة فلسطينية".
تحديات الانتقال السوري
انطلق عزمي بشارة في حديثه عن الوضع السوري، من القول إنّ أي حوار وطني "يجب أن ينعقد بالضرورة بمشاركة مختلف فئات الشعب السوري وتياراته السياسية والاجتماعية وانتماءات أفراده المذهبية والدينية والإثنية، بعد إقصاء النظام السابق ومن يواليه"، لكن السؤال المطروح، حسب مؤلف كتاب "سوريا درب الآلام نحو الحرية: محاولة في التاريخ الراهن"، يتعلق بمدى إلزامية نتائج الحوار لناحية المبادئ الدستورية التي يجب تبنّيها، إذ يُفترض، حسب عزمي بشارة، أن يتوصل الحوار إلى حدٍّ أدنى من الإجماع المُلزم الذي يمكّن من العيش المشترك، وسقفٍ أعلى من الحقوق والحريات. إذ لا يجوز أن يكون الحوار شكليًّا وإرضائيّا، بل يفترض أن تنتج عنه مبادئ دستورية مُلزمة يُصاغ الدستور على أساسها".
وأردف بشارة أنّ "السلطة الحالية مشغولة جدًّا وبحق بتوفير الظروف اللازمة لتسيير الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ولا سيما على مستوى توفير الأمن ورفع العقوبات المفروضة والتي تشل الاقتصاد السوري، مستغلةً الاعتراف الدولي بالسلطات الانتقالية".
لكن بشارة يرى أنه "من الصعب القيام بهذه المهام من دون الانفتاح على فئات الشعب السوري كافّة، ولا يمكن الاستغناء عن العاملين في الدولة، وعن الجزء الأكبر من أجهزتها المدنية. وهذا يتطلب إعادة تثقيف لعناصر هيئة تحرير الشام وغيرها من الفصائل للتخلّي عن زاوية النظر الفصائلية وعقلية العمل المسلح التي لا تثق بغير الموالين، أو العقلية السلفية التي تصنّف الناس بموجب دينهم ومذهبهم ودرجة إيمانهم على مستوى المظهر الخارجي وغيره".
عزمي بشارة: لا يجوز أن يكون الحوار الوطني في سوريا شكليًّا وإرضائيّا، بل يفترض أن تنتج عنه مبادئ دستورية مُلزمة يُصاغ الدستور على أساسها
ملفّ العدالة الانتقالية
من المفترض، حسب عزمي بشارة، أن "يكون تشريع العدالة الانتقالية من أهم وظائف هيئة الحكم الانتقالي، أو السلطة التشريعية المؤقتة المزمع إقامتها"، إذ يعدّ التشريع للعدالة الانتقالية، بما في ذلك تحديد الأجهزة المسؤولة، وإنشاء بعضها، شرطًا ضروريا. ولكن ثمة شروط أخرى، مثل رفض التعميم ونبذ الشائعات والمبالغات وتجريم التحريض الطائفي، والتشجيع على المصالحة لكي يتمكّن المجتمع السوري من طي هذه الفصل، والانتقال إلى مرحلة جديدة من تاريخه. وهذا لن يحصل من خلال شعبوية وسائل التواصل الاجتماعي، ويجب أن تقوده الإدارة الجديدة، ولا سيما أنه يصعب المزايدة عليها في العداء للنظام السابق".
الجيش الجديد
قامت الإدارة الجديد بحلّ الجيش، بغض النظر عن تعدد الآراء وتقييم تجارب سابقة (في العراق جرى حل الجيش. وفي جنوب أفريقيا لم يحل الجيش بعد إسقاط نظام الأبارتهايد، بل تغيرت قيادته وعقيدته).
وأعرب بشارة عن أمله في "أن تُنقد الإدارة الجديدة ما يمكن إنقاذه باستخدام الهيكلية القائمة، وعدم البدء من الصفر، واستدعاء ضباط منشقين وبعض الضباط غير المنشقّين، فمن الصعب بناء جيش من الفصائل من دون وجود عسكريين محترفين غير فصائليين. لستُ خبيرًا في تشكيل الجيوش، ولكن يبدو لي أن المهمّة لن تكون سهلة لناحية الدمج وتأسيس عقيدة عسكرية، وتقديم الولاء للوطن في الجيش على الولاءات الأخرى، ودمج انتماءات المجتمع السوري المختلفة الطائفية والمذهبية في الجيش، فهو الفرصة لتعزيز الوطنية السورية" حسب مؤلف كتابيْ "الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة" و"الجيش والسياسة - إشكاليات نظرية ونماذج عربية".
روسيا تجاوزت البراغماتية إلى الميكيافيلية
استبعد عزمي بشاة أن تعمد روسيا إلى تسليم بشار الأسد، "وهو الذي، بدعمها، استمرّ في الحكم طوال عقدٍ منذ ممارسة حق النقض مراتٍ في مجلس الأمن، وصولًا إلى التدخل العسكري برضى أميركي عام 2015".
وعلى ذلك الأساس يرى بشارة أنّ روسيا "تتحمّل جزءًا من المسؤولية عما آل إليه الوضع في سوريا في ظل حكم الأسد". ومع ذلك يضيف بشارة: "على كل حال، في هذا العالم الذي تحكمه علاقات القوة والمصالح العارية أصبح كل شيء جائزًا".
وأكد بشارة أنه "سوف تنشأ علاقات عادية بين روسيا وسوريا في مجالات أخرى، وهذه لا بد منها على مستوى الدولتين. فثمّة علاقات بين الدول من المفترض أن تتجاوز العلاقة بين الأنظمة. وأعتقد أن الإدارة الحالية تتمتّع بالبراغماتية اللازمة لحكم سورية، أما النظام في روسيا فتجاوز منذ مدة طويلة البراغماتية إلى المَكْيافيلية".
التقسيم الذي تطمح إليه إسرائيل
يرى عزمي بشارة أن استراتيجية إسرائيل خلال الثورة السورية، تلخصت في "تشجيع كل ما من شأنه أن يُضعف سوريا. وقد فضّلت سوريا ضعيفة (مقسّمة في الواقع إلى أربع مناطق) في ظل حكم الأسد الذي تربّع على خرائب بلده.
وتعاونت مع روسيا وأميركا خلال ممارسة هذه السياسة. وكل ما قامت به إسرائيل منذ سقوط الأسد من تدمير للبنية التحتية العسكرية ومحاولتها الحيلولة دون قيام جيش سوري يؤكّد هذا التوجه"، معتبرًا أنّ "غياب مؤسسات الدولة حاليًا يعدّ فرصة ذهبية بالنسبة لها، ليس فقط للتوسّع، وإنما أيضاً للبحث عن نفوذ في سوريا. ولا أعتقد أنها تنازلت عن تصوّرها القاضي بضرورة تقسيم سوريا. أما ممارساتها فحدّث ولا حرج"، ولذلك يرى بشارة أنه "يجب على الإدارة الجديدة أن تدرك أنّ وحدة الشعب السوري في ظل ثوابت وطنية ومحرّمات أمر مصيري لدولة أراضيها نفسها محتلة، وتعد قضية فلسطين أساسية بالنسبة لها على مستوى دورها الإقليمي ومكانتها، وعلى مستوى الروابط التاريخية مع فلسطين وشعبها. وتجاهل هذه القضايا مؤقتًا إلى حين رفع العقوبات والإصغاء للنصائح الغربية بعدم إثارة قضايا المناطق المحتلة لن يكبح جماح إسرائيل أو يدفعها إلى تغيير مخطّطاتها"
الانفتاح العربي على سوريا
قل عزمي بشارة إنّ الانفتاح العربي على سوريا يعدّ أولوية، مضيفًا أنّ "الإدارة الحالية تدرك ذلك. والمطلوب هو الدعم الدبلوماسي لرفع العقوبات، والدعم الاقتصادي المباشر، والاستثمار فورًا في البنية التحتية، وفي القطاعات الإنتاجية، لا سيما الزراعة والصناعة الزراعية، وتشجيع رجال الأعمال السوريين على العودة للاستثمار في سوريا، وتشجيع الدولة على تطوير القطاع السياحي الواعد جدا الذي لم يُستغل في سوريا على نحو كافٍ في الماضي بسبب الانغلاق الذي كان قائمًا".