عودة الكوكايين إلى أميركا وصعود ملك المخدرات الجديد في المكسيك
22 سبتمبر 2025
بينما ينشغل صناع القرار في الولايات المتحدة بحرب الفنتانيل وتشديد القيود على المهاجرين، عاد الكوكايين ليغزو السوق الأميركية بزخم غير مسبوق. لم تغيّر هذه العودة فقط خريطة الاستهلاك، بل رفعت أيضًا نيمسيو "إل مينتشو" أوسيغويرا إلى موقع لم يبلغه أحد من قبله كزعيم لكارتيل خاليسكو وأقوى بارون مخدرات في العالم اليوم. المفارقة أن صعوده جاء مدفوعًا من حيث لا تدري الولايات المتحدة نفسها، بعدما تركت فراغًا في مواجهة تجارة الكوكايين فتح الطريق أمامه ليبني إمبراطوريته.
شهدت الولايات المتحدة طفرة لافتة في استهلاك الكوكايين خلال السنوات الأخيرة. فبحسب بيانات شركة "Millennium Health" ارتفع الاستهلاك في غرب البلاد بنسبة 154% منذ عام 2019، وفي شرقها بنسبة 19% خلال الفترة نفسها. ومع ارتفاع الكميات المهربة، تراجعت الأسعار إلى النصف تقريبًا، ليصل الغرام الواحد من الكوكايين النقي إلى 60–75 دولارًا فقط.
في المقابل، تشير بيانات "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" (CDC) إلى أن استخدام الفنتانيل بدأ بالتراجع منذ منتصف 2023، ما يعزز مكانة الكوكايين مجددًا كالمخدر الأكثر حضورًا في السوق الأميركية.
يحمل نيمسيو "إل مينتشو" أوسيغويرا لقب "ملك المخدرات الجديد"، ويعود ذلك جزئيًا إلى الانتعاش الكبير في استهلاك الكوكايين داخل الولايات المتحدة، وإلى الحرب التي شنّها الرئيس دونالد ترامب على الفنتانيل. وكما قال ديريك مالتز، الرئيس السابق لإدارة مكافحة المخدرات الأمريكية، في تصريح لصحيفة "وول ستريت جورنال": "إل مينتشو هو أقوى مهرب مخدرات في العالم اليوم، وما نشهده الآن هو عودة السوق الأمريكية إلى الكوكايين".
ساعدت سياسات ترامب نفسها "إل مينتشو" من حيث لم يحسب حسابًا، عبر نقل عناصر فدراليين من مكافحة المخدرات إلى مكافحة الهجرة، ما جعل الرقابة على المعابر الحدودية أضعف وسهّل تهريب الكوكايين
أمضى أوسيغويرا (59 عامًا) عقودًا في بناء كارتل خاليسكو، المسمى على اسم الولاية التي ينشط فيها، حتى أطاح بمنافسه التاريخي كارتل سينالوا الذي ركّز أكثر على تهريب الفنتانيل. وبهذا تحوّل إلى رأس أكبر منظمة إجرامية عابرة للحدود في العالم. ولد في أسرة فقيرة وبدأ حياته بائعًا للأفوكادو، لكنه صار اليوم المستفيد الأكبر من الطفرة الجديدة في استهلاك الكوكايين. كارتيله ينقل المسحوق الأبيض من كولومبيا إلى الإكوادور ثم إلى الساحل الغربي للمكسيك عبر زوارق سريعة وغواصات.
ساعدت سياسات ترامب نفسها "إل مينتشو" من حيث لم يحسب حسابًا، عبر نقل عناصر فدراليين من مكافحة المخدرات إلى مكافحة الهجرة، ما جعل الرقابة على المعابر الحدودية أضعف وسهّل تهريب الكوكايين.
لا يقتصر كارتيل خاليسكو على المخدرات. وفقًا لوول ستريت جورنال، يعمل الكارتل كحكومة ظل: يفرض ضرائب على منتجات مثل التورتيلا والدجاج والسجائر والبيرة، يسيطر على شركات إنشاء تبني مدارس وطرقات، ويستفيد من تهريب الوقود (يُقدّر أن ثلث الوقود المباع في المكسيك غير قانوني). كما أدار مراكز اتصالات للاحتيال على مسنين بمئات ملايين الدولارات. وفي الوقت نفسه يقدم نفسه كـ"فارس الفقراء"، من خلال توزيع غذاء وأدوية وألعاب في مناطق نفوذه.
رغم رصد مكافأة 15 مليون دولار لمن يقود إلى اعتقاله، يبقى القبض على أوسيغويرا مهمة شبه مستحيلة. نادرًا ما يغادر مجمّعه الجبلي المحصّن، تحرسه قوات مدرّبة على يد الكوماندوز الكولومبي ومسلحة بقاذفات "RPG". يُجبر الزوار القلائل على تغطية وجوههم ثم يسافرون لساعات للوصول إلى مقره السري، حيث تُمنع جميع الأجهزة الإلكترونية. حتى أن عيادة خاصة بُنيت قربه لعلاج مرض الكلى الذي يعانيه.
مثل كثير من الكارتيلات المكسيكية، يُدار خاليسكو كعائلة. شقيقه أنطونيو كان مسؤولًا عن شراء الأسلحة قبل اعتقاله وتسليمه إلى الولايات المتحدة عام 2022. ابنه أيضًا أُدين هذا العام في واشنطن بالسجن المؤبد بتهم تهريب المخدرات. ومع ذلك يواصل "إل مينتشو" تعزيز نفوذه وتوسيع إمبراطوريته.
ومع ذلك، كما قال مسؤول سابق في إدارة ترامب، فإن "كونه ملك المخدرات في المكسيك يضعه في موقع شديد الخطورة". لأن القوة المطلقة التي بناها أوسيغويرا جعلته ليس مجرد زعيم عصابة، بل رمزًا لدولة موازية تتحدّى القانون المكسيكي وتضع صورة البلاد على المحك أمام العالم.