غريتا ثونبرغ.. صوت العدالة البيئية الذي اختار الوقوف إلى جانب غزة
7 أكتوبر 2025
بخلاف كثيرٍ من الناشطين البيئيين، ترى الناشطة السويدية غريتا ثونبرغ أنّه لا يمكن الفصل بين الدفاع عن العدالة البيئية والنضال من أجل العدالة الإنسانية. وقد دفعتها هذه القناعة إلى تبنّي القضايا العادلة في العالم، دون الاكتراث باتهامات «تسييس النضال البيئي».
ومن بين القضايا التي حظيت بدعمٍ قويٍ من ثونبرغ القضية الفلسطينية، إذ كانت في طليعة النشطاء الذين سعوا إلى كسر الحصار المفروض على قطاع غزة منذ 18 عامًا، من خلال مشاركتها في سفينة مادلين ضمن أسطول الصمود العالمي.
وفي مشاركتها الأخيرة، نالت ثونبرغ نصيبها من المعاملة الإسرائيلية القاسية للأسرى والمعتقلين، حيث أفاد ناشطون اعتُقلوا معها بأنها تعرّضت للضرب والإهانة، وأُجبرت على تقبيل العلم الإسرائيلي والتصوير معه، كما حُرمت من النوم وظهرت على جسدها آثار طفحٍ جلدي نتيجة احتجازها أسبوعًا كاملًا في زنزانة موبوءة ببقّ الفراش.
غريتا ثونبرغ: لن أفهم أبدا كيف يمكن للبشر أن يكونوا بهذه الدرجة من الشر
عند وصولها إلى مطار أثينا بعد ترحيلها مع عشرات النشطاء، قالت غريتا ثونبرغ إن لديها الكثير لتقوله عن سوء المعاملة التي تعرّضت لها في إسرائيل مع رفاقها، لكنها اعتبرت أن ذلك يظلّ ثانويًا أمام استمرار صمت العالم على جريمة الإبادة الجماعية في غزة، مضيفة: "لن أفهم أبدًا كيف يمكن للبشر أن يكونوا بهذه الدرجة من الشر".
وفي حين يقف سياسيون مثل دونالد ترامب وفلاديمير بوتين وبنيامين نتنياهو من الفتاة العشرينية موقفًا عدائيًا، متهمين إياها بإثارة الفوضى، ينظر إليها آخرون، من أمثال باراك أوباما وأنجيلا ميركل، كإحدى أبرز المدافعات عن كوكب الأرض اللواتي دفعن دولًا عديدة إلى إعادة النظر في التزاماتها البيئية.
"إضراب مدرسي من أجل المناخ"
نشأت غريتا ثونبرغ وسط عائلة فنية؛ فوالدها ممثل سابق ومنتج، أما والدتها فهي مغنية الأوبرا مالينا إرمان. وقد أصيبت غريتا، المولودة عام 2003، في سن الحادية عشرة باكتئاب حادّ، شُخِّص طبيًا على أنه أحد أنواع اضطرابات طيف التوحّد يُعرف باسم متلازمة أسبرجر. وبدلًا من أن يتحول المرض إلى عائق، شكّل دافعًا للفتاة إلى خوض مجالات إنسانية وجدت فيها ذاتها وتحررت من كآبتها. فقد مثّل اهتمامها بالبيئة وبظاهرة تغيّر المناخ مجالًا رحبًا لاختبار تجربة إنسانية قادتها لاحقًا إلى العالمية.
في عام 2018، أسست حركة أطلقت عليها اسم "أيام الجمعة من أجل المستقبل"، حيث كانت تنظم كل يوم جمعة اعتصامًا أمام البرلمان السويدي، حاملة لافتة كتب عليها شعار: "إضراب مدرسي من أجل المناخ".
تجاوب مع هذه الحركة الاحتجاجية عدد من الشباب السويدي الذين التحقوا بغريتا، ومع اتساع القاعدة الجماهيرية لحركة "أيام الجمعة من أجل المستقبل"، انتقلت الاحتجاجات إلى الشوارع، وأصبح خطابها موجَّهًا بشكل أكبر إلى قادة دول العالم من أجل اتخاذ التدابير الضرورية لحماية الكوكب من ظاهرة الاحتباس الحراري.
وقد وجدت هذه النضالات صداها عالميًا، إذ تداعى نشطاء البيئة في مختلف الدول إلى تنظيم مظاهرات كبيرة في أيلول/سبتمبر عام 2019، وذلك قبيل انعقاد قمة الأمم المتحدة حول المناخ في نيويورك. وهناك، توجهت ثونبرغ إلى القادة بسؤال بسيط لكنه مفعم بالدلالات الرمزية، حين قالت في إحدى التظاهرات الجماهيرية الضخمة: "كيف تجرؤون؟ لقد سرقتم أحلامي وطفولتي!"
وفي ذلك العام، وبالتحديد في كانون الأول/ديسمبر 2019، اختارت مجلة "تايم" الأميركية غريتا ثونبرغ شخصية العام، وذلك من بين ستة مرشحين كان من بينهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وكانت تلك المرة الأولى التي يُمنح فيها هذا اللقب لشخص في سن السادسة عشرة منذ أن بدأت المجلة تقليدها السنوي عام 1927.
كان ذلك التكريم بمثابة اعتراف نوعي بمستوى التأثير الذي أحدثته غريتا ثونبرغ في قضية المناخ على الصعيد العالمي. وتوالت بعد ذلك الاعترافات والجوائز، وصولًا إلى ترشيحها عدة مرات لجائزة نوبل للسلام تقديرًا لجهودها في حماية البيئة والمناخ.
واصلت ثونبرغ التعبير عن تضامنها مع الفلسطينيين دون وجل
حضور القضية الفلسطينية
شكّلت حرب الإبادة الجماعية في غزة هزّة قوية للوجدان العالمي، ولم تتأخّر الناشطة البيئية السويدية غريتا ثونبرغ عن الانضمام إلى صفوف المندّدين بها والداعمين للفلسطينيين.
فخلال مشاركتها في مسيرة من أجل المناخ في أمستردام في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، دعت ثونبرغ، أمام حشد جماهيري قُدّر بنحو 70 ألف شخص، إلى وقف إطلاق النار في غزة، قائلة:"بصفتنا حركة من أجل العدالة البيئية، علينا أن نصغي إلى أصوات جميع من يتعرّضون للقمع، وكل الذين يناضلون من أجل الحرية والعدالة".
أثارت تصريحاتها موجة انتقادات حادة في ألمانيا، حيث اتهمتها رئيسة حزب الخضر ريكاردا لانغ بـ"استغلال قضية المناخ لتبنّي موقف أحادي من النزاع الفلسطيني–الإسرائيلي"، مضيفة أنها "أحجمت عن التنديد بفظائع حماس".
واعتبر رئيس مجموعة الصداقة الألمانية–الإسرائيلية، فولكر بيكر، أن ذلك "يمثّل نهاية غريتا ثونبرغ كناشطة بيئية"، زاعمًا أن "كراهية إسرائيل أصبحت قضيتها الرئيسية". ووصل الجدل إلى حدّ مطالبة الفرع الألماني لحركة "أيام الجمعة من أجل المستقبل" بقطع علاقاته مع الفرع السويدي الذي تتزعمه ثونبرغ.
لكن هذه الهجمات لم تضعف من موقفها، إذ واصلت التعبير عن تضامنها مع الفلسطينيين دون وجل. ففي أيلول/سبتمبر 2024 شاركت في اعتصامات وفعاليات داعمة لغزة في عدة عواصم أوروبية، واعتُقلت لاحقًا في الدنمارك مع عدد من النشطاء بعد سيطرتهم على أحد مباني جامعة كوبنهاغن للمطالبة بمقاطعة الجامعات الإسرائيلية.
وفي أيار/مايو 2024، ظهرت ثونبرغ مجددًا في مدينة مالمو السويدية ضمن احتجاج ضخم شارك فيه أكثر من 12 ألف متظاهر، ندّدوا بمشاركة إسرائيل في مسابقة “يوروفيجن” التي استضافتها المدينة.