19-مايو-2025
غالية أبو مطير

(AP) الجدة الفلسطينية غالية أبو مطير بين أحفادها

تتجدد نكبة الفلسطينيين في غزة بعد أكثر من سبعة عقود على التهجير الأول، حيث يعيش مئات الآلاف اليوم في مخيمات لإيواء النازحين، كما عاش أجدادهم عام 1948. وفي الذكرى الـ77 للنكبة، يعود الفلسطينيون الذين عاصروا النكبة إلى مشهد النزوح الجماعي، وسط حرب الإبادة المتواصلة، فيما تزداد المخاوف من أن يتحوّل الحصار إلى عملية تهجير قسري يشمل جميع سكان القطاع، ما يُعيد طرح سؤال النكبة بوصفه فعلًا مستمرًا.

وللعام الثاني على التوالي، تتزامن ذكرى نكبة الفلسطينيين مع تصعيد جيش الاحتلال حرب الإبادة الجماعية التي يشنها في مختلف أنحاء القطاع، مما أسفر عن سقوط أكثر من 53 ألف شهيد منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي. كما أعلن، أمس الأحد، بدء الاجتياح البري للقطاع فيما عُرف بعملية "عربات جدعون"، نسبة إلى آخر العمليات التي نفذتها منظمة "الهاغاناه" في الأراضي المحتلة إبان الانتداب البريطاني بين عام 1947 – 1948. حيثُ تهدف العملية إلى تهجير سكان القطاع من الشمال إلى الجنوب.

من خيمة إلى خيمة

اضطرت الجدة الفلسطينية، غالية أبو مطير (81 عامًا) إلى النزوح من قريتها "وادي حنين" في قضاء الرملة شمال غربي القدس عندما كانت في الرابعة من عمرها، بعد فرارها مع والديها وأشقائها الثلاثة هربًا من اجتياح المنظمات الصهيونية للقرية عام 1948، لتجد نفسها تعيش في خيمة في خانيونس. واليوم، بعد 77 عامًا، تعود مرة أخرى إلى العيش في خيمة جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل على مختلف أنحاء القطاع.

تروي الجدة الفلسطينية مسار رحلة نزوحها، مثل جميع الفلسطينيين، منذ نكبة الفلسطينيين وصولًا إلى العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة للشهر الـ19 على التوالي

تروي أبو مطير لوكالة "أسوشيتد برس" مسار رحلة نزوحها، مثل جميع الفلسطينيين، منذ نكبة الفلسطينيين وصولًا إلى العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة للشهر الـ19 على التوالي. تقول أبو مطير من خارج الخيمة التي تعيش فيها مع أبنائها وبناتها وأحفادها الـ45 الناجين من حرب الإبادة الجماعية و45 حفيدًا: "اليوم نحن في نكبة أكبر من النكبة التي رأيناها من قبل"، مضيفة "حياتنا كلها رعب، رعب في الليل والنهار، الصواريخ والطائرات تحلق في السماء. لسنا أحياء. لو كنا أمواتًا، لكان ذلك أرحم لنا".

حياة مليئة بالنزوح

تشير وكالة "أسوشيتد برس" إلى أن مخاوف واسعة تسود بين سكان غزة من أن يكون الهدف النهائي لجيش الاحتلال هو تهجير السكان الفلسطينيين البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة من القطاع. فقد نشأت غزة من رحم النكبة، بعد تهجير نحو 200 ألف فلسطيني عام 1948، ويُقدّر أن نحو 70% من سكانها اليوم هم من أحفاد مهجّري عام النكبة.

لا تتذكر أبو مطير الكثير عن "واد حنين"، وهي قرية صغيرة تشتهر بزراعة الحمضيات، تقول الجدة "غادرنا بملابسنا فقط، بلا هوية، أو أي شيء"، معيدة سرد تفاصيل رحلة النزوح على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، مشيةً إلى أنهم ساروا حينها مسافة 75 كم حتى تمكنوا من الوصول إلى خانيونس، حيثُ استقروا في مدينة خيام نشأت لإيواء آلاف اللاجئين، بدعم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".

وأضافت أبو مطير أن عائلتها انتقلت بعد عامين من الخيمة التي كانوا يسكنونها إلى مدينة رفح جنوبي غزة، حيث قامت العائلة ببناء منزل لها. لكن هذا الاستقرار لم يدم طويلًا، إذ اضطرت العائلة للهروب مرة أخرى بعد اجتياح جيش الاحتلال لسيناء المصرية في عام 1956، لتجد نفسها نازحة مرة أخرى إلى وسط، قبل أن تعود إلى رفح. كما أنها غادرت مع أشقائها لفترة من الوقت إلى الأردن، في أعقاب حرب 1967 التي أسفرت عن احتلال إسرائيل لغزة والضفة الغربية. تقول أبو مطير "شهدت جميع الحروب، لكن لم تكن أي منها مثل هذه الحرب".

غالية أبو مطير
الجدة الفلسطينية غالية أبو مطير (AP)

وكانت عائلة أبو مطير قد نزحت من رفح عقب اجتياح جيش الاحتلال للمدينة العام الماضي، حيث تعيش الآن مع عائلتها في مخيم في منطقة مواصي خانيونس. وفرت عائلة أبو مطير، قبل عام، من رفح عندما اجتاحت القوات الإسرائيلية المدينة. وهم يعيشون الآن في مدينة الخيام المترامية الأطراف في المواصي على الساحل خارج خان يونس. وبحسب أبو مطير، فقد استشهد أحد أبنائها جراء غارة جوية، تاركًا وراءه ثلاث بنات وابنًا وزوجته، إضافة إلى استشهاد ثلاثة من أحفادها.

وفي الثاني من آذار/مارس، منع جيش الاحتلال دخول جميع المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الغذائية والأدوية والوقود، مما أدى إلى ارتفاع معدّلات الإصابة بسوء التغذية، جراء نفاد الأغذية من القطاع. تشير أبو مطير في حديثها إلى أنه "لا يوجد طعام ولا ماء" في المواصي، وأضافت "تقصفنا الطائرات، وأطفالنا يسقطون (قتلى) أمام أعيننا".

غزة بين جيلين

على الرغم من تأكيد الفلسطينيين أنهم لا يريدون مغادرة غزة، إلا أن الدمار الذي أحدثه العدوان الإسرائيلي دفع البعض للتفكير باتخاذ مثل هذه الخطوة. يقول مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية في غزة، أمجد الشوا، لـ"أسوشيتد برس": "أتفهم ذلك؛ لا يوجد خيار هنا للبقاء على قيد الحياة، عليك مغادرة غزة". ومع ذلك، أكد الشوا أنه لن يغادر القطاع أبدًا.

تعرف نور أبو مريم (21)، التي نشأت في مدينة غزة، قصة أجدادها الذين هجّرتهم المنظمات الصهيونية من مدينتهم الواقعة خارج مدينة عسقلان عام 1948. تشير أبو مريم إلى عائلتها اضطرت إلى النزوح من منزلها في مدينة غزة منذ بدء العدوان على القطاع، وأضافت أنهم عادوا خلال وقف إطلاق النار لمدة شهرين في وقت سابق من هذا العام، لكن منطقتهم الآن تتلقى أوامر الإخلاء القسري، ما يجعلهم يخشون أن ينزوحوا مرة أخرى.

تقول أبو مريم لـ"أسوشيتد برس" إن عائلتها تفكر في المغادرة إذا فُتحت الحدود، مشيرة إلى أنها كانت ستتمكن "من الصمود لو توفرت ضروريات الحياة كالطعام والمياه النظيفة والمنازل"، وأضافت "الجوع هو ما سيجبرنا على الهجرة".

من جانبها، أكدت خلود اللحام (23 عامًا)، والتي نزحت إلى دير البلح، أنها "مُصرة" على البقاء، مضيفةً "إنها أرض آبائنا وأجدادنا منذ آلاف السنين"، وتابعت قائلة "لقد تم غزو واحتلال غزة على مدى قرون، فهل يجب أن نتركها بهذه السهولة؟".

تتذكر أبو مطير المرات القليلة التي استطاعت فيها مغادرة غزة على مدار عقود من الاحتلال الإسرائيلي. تقول إنها في إحدى المرات، ذهبت في زيارة جماعية إلى القدس. وبينما كانت حافلتهم تمر عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة، نادى السائق بأسماء البلدات التي اختفت، مشيرة إلى أنهم مروا بالقرب من "وادي حنين"، لكنهم لم ينزلوا من الحافلة.

تعرف أبو مطير فلسطينيين عملوا في مستوطنة "نيس زيونا"، التي كانت تُعرف سابقًا بـ"وادي حنين"، مشيرة إلى أنهم أخبروها أنه لم يبقَ من البلدة الفلسطينية سوى منزل أو منزلين، بينما تم تحويل المسجد إلى كنيس يهودي. وتختم حديثها لـ"أسوشيتد برس" قائلة إنها بعدما كانت تحلم بالعودة إلى بلدتها الأصلية، أصبحت الآن تريد العودة إلى رفح، قبل أن معظم رفح قد سُوي بالأرض، بما في ذلك منزل عائلتها، وأضافت "إلى ماذا نعود؟ إلى الأنقاض؟".