فيليب لازاريني.. صمود على المواقف رغم الضغوط الإسرائيلية المتعددة
12 سبتمبر 2025
يخوض المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، السويسري من أصل إيطالي فيليب لازاريني، صراعًا دبلوماسيًا وإنسانيًا مع إسرائيل، التي تمنعه من دخول قطاع غزة وتحظر عمل الوكالة الأممية التي يترأسها.
ويأتي هذا الإجراء الإسرائيلي رداً على مواقفه وتصريحاته المنددة بالحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، والتي وصفها لازاريني بأنها "حرب إبادة جماعية".
وفي أحدث تصريحاته، حذر لازاريني من أن غزة "تتعرض للمحو وتحويلها إلى أرض قاحلة"، داعيًا المجتمع الدولي إلى وضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب، "قبل أن تصبح الفظائع قاعدة جديدة".
ويرى محللون أن إسرائيل تمنع لازاريني وتحظر عمل الوكالة الأممية لأسباب استراتيجية تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية. إذ تُعدّ "الأونروا" عنصرًا أساسيًا في صمود الفلسطينيين إلى جانب المقاومة والتشبث بالأرض ورفض سياسات الإحلال الاستيطاني، إضافةً إلى مكتسبات القانون الإنساني والدولي والدعم الشعبي المتزايد للقضية الفلسطينية.
يرى محللون أن إسرائيل تمنع لازاريني وتحظر عمل الوكالة الأممية لأسباب استراتيجية تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية
لازاريني والموقف الراسخ ضد الحرب على غزة
لم يخضع لازاريني للضغط الإسرائيلي، وظلّ متمسكًا بمواقفه، مؤكّدًا أن إسرائيل حولت قطاع غزة إلى "جحيم على الأرض" وأن الأطفال الفلسطينيين محكوم عليهم بالموت، إما قصفًا أو تجويعًا. ووصف المجاعة بأنها "آخر الكوارث التي تصيب سكان غزة"، مشددًا على أن الإنكار الإسرائيلي المتواصل لهذه الكارثة يمثل "أشد تعبير عن نزع الإنسانية عن الفلسطينيين".
ويشير لازاريني إلى أن هذا الإنكار ليس جديدًا، إذ سبق أن أعلن وزير الأمن الإسرائيلي السابق يوآف غالانت عند بداية العدوان على غزة: "نفرض حصارًا كاملاً على غزة… نحن نحارب حيوانات بشرية ونتصرف وفقًا لذلك". وقد اعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش تصريح غالانت بمثابة دعوة صريحة "لارتكاب جرائم حرب"، فيما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية بعد أشهر مذكرة اعتقال بحق غالانت ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لارتكابهما جرائم حرب متعددة في غزة.
الإفلات من العقاب والتواطؤ الدولي
ويؤكد لازاريني أن ما يزيد الوضع سوءًا هو "إفلات الجناة من العقاب، رغم علم الجميع بما يحدث"، مشيرًا إلى تجاهل إسرائيل "للقانون الإنساني الدولي واتفاقيات جنيف"، وتواطؤ العديد من الدول الكبرى مع هذا الإفلات، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، التي فرضت عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية وقضاتها. ويعتقد لازاريني أن القبول بهذه الممارسات سيمثل سابقة خطيرة ويجعل تطبيق القانون الدولي والإنساني مستقبلًا أمرًا شبه مستحيل.
"الأونروا" تحت الاستهداف الإسرائيلي
بسبب مواقفه، أصبح لازاريني والوكالة التي يرأسها هدفًا مستمرًا لهجمات المسؤولين الإسرائيليين، الذين اتهموها بعدم الحياد، وزعموا أن بعض موظفيها ينتمون إلى حركة حماس أو شاركوا في هجمات 7 أكتوبر. وقد أظهر تحقيق أممي صادر في نيسان/إبريل الماضي أن هذه الاتهامات تفتقر إلى الأدلة.
ورغم الحظر الإسرائيلي، أكدت الأمم المتحدة أن "الأونروا" ستواصل عملها داخل الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية، معتبرة أن خدماتها تشكل العمود الفقري لجهود الإغاثة والمساعدات الإنسانية في القطاع.
ويشير متابعون إلى أن الهدف من الاتهامات الإسرائيلية هو تبرير استخدام العنف ضد مقرات الوكالة ومكاتبها، وهو ما أدى إلى مقتل نحو 240 موظفًا، واعتقال العشرات، وتدمير ثلثي المنشآت، رغم دورها الحيوي في تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين.
وبالرغم من كل ذلك، ظل لازاريني متمسكًا بدفاعه عن الوكالة، نافياً عنها أي انحياز، ومؤكدًا أن "الأونروا على الجانب الصحيح من التاريخ".
فيليب لازاريني: مسيرة إنسانية متواصلة
فتح فيليب لازاريني عينيه على العالم عام 1964 في مدينة نوشاتيل السويسرية، لأبوين مهاجرين من إيطاليا. تلقى تعليمه في سويسرا، ونال الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة لوزان والبكالوريوس في الاقتصاد من جامعة نوشاتيل.
رغم الحظر الإسرائيلي، أكدت الأمم المتحدة أن "الأونروا" ستواصل عملها داخل الأراضي الفلسطينية، معتبرة خدماتها أساسًا لجهود الإغاثة
منذ بداية مسيرته المهنية، اتجه لازاريني إلى العمل الإنساني، حيث بدأ العمل مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام 1989 في بلدان متعددة، بينها السودان قبل انفصال الجنوب عن الشمال، ولبنان، والأردن، وقطاع غزة، والعراق، والصومال، كما تولى إدارة عمليات الصليب الأحمر في دول أخرى مثل البوسنة وأنغولا ورواندا.
وتدرج لازاريني في المناصب الإنسانية العليا، فعين عام 2010 نائب مدير قسم التنسيق والاستجابة في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، ثم أصبح عام 2013 نائبًا للممثل الخاص للأمين العام ومنسق الأمم المتحدة المقيم في الصومال، كما شغل عدة مناصب إضافية منها المنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية والممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP). وفي عام 2015، تولى نائب المنسق الخاص للبنان إلى جانب مهامه الأخرى.
وفي عام 2020، عيّنه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مفوضًا عامًا لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، ليصبح المفوض السادس عشر منذ تأسيس الوكالة عام 1949، وسادس سويسري يتقلد هذا المنصب بعد بيير كراهينبول (2014–2019).
أسندت لـ"الأونروا" منذ تأسيسها مهمة الاستجابة للحاجات الاقتصادية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين، لتصبح ركيزة أساسية في الصمود الفلسطيني، إلى جانب المقاومة، والتجذر في الأرض، ورفض سياسات الإحلال الاستيطاني، والدعم الشعبي المتزايد للقضية.
تقدم الوكالة خدماتها لأكثر من ستة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية، وقطاع غزة، ولبنان، والأردن، وسوريا، تشمل التعليم، والرعاية الصحية، والخدمات الاجتماعية، والبنى التحتية للمخيمات، والمساعدات الطارئة، والتمويلات الصغيرة.
وتدرّس مدارس "الأونروا" أكثر من 540 ألف طالب، وتستقبل مرافقها الصحية حوالي 7 ملايين مريض سنويًا، كما تُقدَّم المساعدات الغذائية والنقدية لنحو 1.8 مليون شخص. وفي قطاع غزة وحده تدير الوكالة الأممية 8 مخيمات تؤوي حوالي مليوني نازح.