قاضٍ فيدرالي يوبّخ إدارة ترامب: لا ترحيل للطلاب الأجانب باسم الأمن القومي
1 أكتوبر 2025
وجّه قاضٍ فيدرالي في بوسطن انتقادات مباشرة لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مؤكدًا أن استخدامها الترحيل وسيلةً لترهيب الطلبة الأجانب في الجامعات الأميركية يمثّل انتهاكًا صارخًا للتعديل الأول من الدستور.
الحكم، الذي اعتُبر محطة فارقة في الجدل حول حدود حرية التعبير، أعاد تسليط الضوء على محاولات الإدارة الأميركية تحويل قانون الهجرة إلى أداة سياسية لإسكات الأصوات المؤيدة لفلسطين، وأثار تساؤلات عميقة حول مستقبل الحريات الأكاديمية في الولايات المتحدة في ظل تنامي الاستقطاب السياسي والقانوني.
ترهيب ممنهج تحت غطاء القانون
اعتبر القاضي وليام جي. يونغ أنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب تجاوزت صلاحياتها القانونية حين وظّفت قانون الهجرة كأداة لإسكات أصوات الطلاب الأجانب الذين شاركوا في تظاهرات مؤيدة لفلسطين. ورأى يونغ أنّ الإدارة سعت إلى "تقويض الحماية الدستورية لحرية التعبير" عبر اللجوء إلى بند غامض في قانون الهجرة يمنح وزير الخارجية سلطة إلغاء الإقامة بذريعة تهديد السياسة الخارجية الأميركية.
وتعود القضية إلى اعتقال خمسة طلاب أجانب في آذار/مارس الماضي، بينهم محمود خليل، وروميساء أوزتورك، ومحسن مهدوي، وبدر خان سوري، ويونسو تشونغ، الأمر الذي أثار حالة ذعر داخل الجامعات الأميركية، ودفع أساتذة وباحثين إلى التراجع عن أبحاث مرتبطة بالشرق الأوسط خشية الملاحقة.
اعتبر القاضي وليام جي. يونغ أنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب تجاوزت صلاحياتها القانونية حين وظّفت قانون الهجرة كأداة لإسكات أصوات الطلاب الأجانب الذين شاركوا في تظاهرات مؤيدة لفلسطين
وحكم القاضي يونغ لصالح "الجمعية الأميركية لأساتذة الجامعات"، التي رفعت دعوى قضائية لمنع ترحيل الطلاب الأجانب مستقبلًا، معتبرًا أن إدارة ترامب قيّدت حرية التعبير في الحرم الجامعي في انتهاك واضح للتعديل الأول من الدستور الأميركي. وأكد أن مسؤولي وزارتي الخارجية والأمن الداخلي "تصرّفوا بتنسيق فيما بينهم لإساءة استخدام الصلاحيات الواسعة الموكلة إليهم، من أجل استهداف غير المواطنين المؤيدين للفلسطينيين بالترحيل، أساسًا بسبب خطابهم السياسي المحمي بموجب التعديل الأول".
وأضاف: "لقد فعلوا ذلك من أجل بثّ الخوف في نفوس غير المواطنين الآخرين المؤيدين للفلسطينيين، وبالتالي كبح حرية التعبير المؤيدة لفلسطين بشكل استباقي (وبطريقة فعّالة)، وحرمان هؤلاء الأشخاص عمدًا – بمن فيهم المدّعون في هذه القضية – من الحق في حرية التعبير الذي يكفله لهم الدستور".
ووجّه يونغ انتقادًا حادًا إلى جهاز الهجرة والجمارك الأميركي (ICE)، بسبب قيام عناصره المقنّعين بتنفيذ عملية اعتقال الطالبة التركية في جامعة تافتس بولاية ماساتشوستس، روميساء أوزتورك، التي أوقفت بعد أن شاركت في كتابة مقال رأي انتقدت فيه طريقة تعامل إدارة جامعتها مع الاحتجاجات المناهضة للحرب الإسرائيلية على غزة.
انتصار لحرية التعبير
وفي تعقيب على الحكم، وصف معهد "نايت" لحرية التعبير القرار بأنه "انتصار تاريخي" للحقوق الدستورية لغير المواطنين. وأكد مدير المعهد، جميل جعفر، أن القرار يثبت أن الحكومة "لا تستطيع سجن الناس أو ترحيلهم لمجرد أنهم يعبرون عن آراء سياسية مخالفة".
بدوره، شدد القاضي يونغ على أن التعديل الأول لا يميّز بين مواطن وأجنبي مقيم بصورة قانونية، مؤكدًا أن القيود المفروضة على حرية التعبير تنطبق بالتساوي على الجميع.
سياق سياسي أوسع
القرار لم يقتصر على نقد سياسة الإدارة الأميركية، بل وجّه انتقادات مباشرة للرئيس ترامب شخصيًا، معتبرًا أنه زرع مناخًا من الخوف داخل الجامعات الأميركية. ووصف القاضي أساليب المداهمات التي نفذتها سلطات الهجرة والجمارك، بما في ذلك ارتداء الأقنعة، بأنها ممارسات "تذكّر بعصابات الكو كلوكس كلان".
وفي خطوة رمزية، أرفق يونغ صورة رسالة تهديد وصلته أثناء نظر القضية كتب فيها: "ترامب لديه العفو والدبابات… ماذا لديك أنت؟"، ليؤكد أن حكمه جاء بوصفه ردًا دستوريًا على محاولات تكميم الأصوات المعارضة.
وصف القاضي أساليب المداهمات التي نفذتها سلطات الهجرة والجمارك، بما في ذلك ارتداء الأقنعة، بأنها ممارسات "تذكّر بعصابات الكو كلوكس كلان"
موقف إدارة ترامب
رغم الانتقادات القضائية، تمسكت إدارة ترامب بموقفها، إذ جددت وزارة الخارجية القول إن الترحيلات استهدفت من "حرّضوا على العنف أو أبدوا مواقف معادية لأميركا وإسرائيل"، مؤكدة أن هذه السياسة ستستمر "لحماية الأميركيين". لكن القاضي خلص في حكمه المكوّن من 161 صفحة إلى أن الإدارة حولت القانون إلى "عصا دستورية مكسورة" لقمع حرية التعبير، واصفًا ما جرى بأنه "جريمة دستورية" واضحة.
صراع أوسع حول حرية التعبير
يكشف هذا الحكم عن مواجهة حادة بين القضاء والإدارة التنفيذية في الولايات المتحدة، حيث تحوّل ملف حرية التعبير إلى مرآة لصراع سياسي أوسع يتصل مباشرة بالمواقف من القضية الفلسطينية. وإذا كان الرئيس ترامب قد سعى إلى توظيف قانون الهجرة لفرض إرادته وإسكات الأصوات المعارضة، فإن محكمة بوسطن أعادت التذكير بأن الدستور لا يسمح بتحويل القانون إلى أداة سياسية على هذا النحو.
وتبدو الرسالة الأهم واضحة: معركة حرية التعبير في أميركا تجاوزت أسوار الجامعات، لتصل إلى قلب النظام السياسي والدستوري والقضائي.