كلوديا كاردينالي وألبرتو مورافيا: حكاية مقابلة صحفية هزّت إيطاليا
24 سبتمبر 2025
قد يتساءل البعض ما الذي يدفع بأديب مرموق إلى كتابة سيرة تجنح نحو الأدب عن فنانة ما؟ وما هي طبيعة النصّ الذي يُمكن أن ينتج عن هذه الثنائية بين الأدب والفن؟ الأمثلة في هذا الشأن عديدة ويحتاج رصدها إلى بحثٍ دؤوب. ألم يقرأ أحدكم ما كتبه صالح مرسي عن ليلى مراد أو إدوارد سعيد عن تحية كاريوكا أو نجيب محفوظ عن أم كلثوم؟
في هذا الشأن، تأخذ قصة الأديب الإيطالي ألبرتو مورافيا مع الفنانة كلوديا كاردينالي بُعدًا جماليًّا مختلفًا، فالأمر لا يتعلق بجمالية النصّ المكتوب أو نجاح مورافيا في استحضار خلجات كاردينالي وإبراز مواطن الجمال فيها كأنثى وفنانة على الورق، بل في الحكاية التي دارت بينهما قبل خروج هذا الكتاب إلى النور!
في حواره مع مجلة La Stampa (2008)، حكى مورافيا أن مجلة Esquire كانت قد طلبت منه إجراء مقابلة مع كاردينالي. فوافق على الفور، لأنه كان في حاجةٍ إلى المال على الرغم من عدم ارتياحه في البداية لهذا الأمر. فقد استقر لدى أغلب الكُتّاب والصحفيين أن إجراء هذا النوع من المقابلات الصحفية مع النجوم والنجمات هو أمر مزعج ومضيعة للوقت. لكن مورافيا أصرّ على خوض التجربة وتحويل مسار المقابلة إلى حوار فلسفي مطوّل يبتعد عن الأسئلة النمطية التي توّجه إلى النجوم حول نشأتهم وتكوينهم الفني وعدد الأفلام التي عملوا بها، وكذلك علاقتهم بالمنتجين والمخرجين وزملاء المهنة من الممثلين والممثلات. لقد أراد مورافيا أن يسحب كاردينالي إلى مساحته المفضّلة في التعبير عن الجسد والمشاعر الأنثوية وصفات النساء والهواجس التي تضمرها داخلها. لم يكن مهتمًا بمسألة نجوميتها أو مشوارها السينمائي. تحدثت كاردينالي في صراحة دون خجلٍ وفتحت قلبها لمورافيا، ونشرت هذه المقابلة عام 1961، فحققت نجاحًا مدويًّا وقُرأت على نطاقٍ واسع. وقد حرضته أيضًّا على إجراء مقابلة مشابهة مع الممثلة الفرنسية بريجيت باردو، انطلاقًا من سؤال حول الماركسية لكنها لم تتم.
لكن مورافيا أصرّ على خوض التجربة وتحويل مسار المقابلة إلى حوار فلسفي مطوّل يبتعد عن الأسئلة النمطية
نجاح المقابلة أغرى الناشرين في تحوليها إلى كتابٍ مستقل حمل عنوان "كلوديا كاردينالي" وقد تم ترجمته إلى لغاتٍ أُخرى كالفرنسية.
على الرغم من النجاح الكبير الذي حققته تلك المقابلة، وإشادة القُراء والصحفيين بذكاء الأسئلة وخروجها عن النمط السائد، فإنّ مورافيا كان قد صرّح في مقابلةٍ له مع مجلة الباري ماتش الفرنسية، بأنه لا تُوجد ممثلة قد جعلته يحلم بها، فالنساء في أعماله الأدبية من وحي خياله، ولذلك فهنّ أكثر جمالًا بطبيعة الحال. والشخصيات الواقعية في رأيه سطحية، بينما المتخيّلة أكثر مرونة وتحررًا.
كان اللقاء بين مورافيا وكاردينالي قد دار في مكتبه على آلة كاتبة. حكت كاردينالي هذه التفاصيل في مقدمة الطبعة الفرنسية من الكتاب. تتذكر أن لقاءها الأول بمورافيا كان أثناء جلسة تصوير لها في حديقةٍ عامة، قبل أن يتصل بها هاتفيًّا ويخبرها بشأن المقابلة المطلوبة. ظلّت ذكريات هذا اللقاء البعيد محفورة في رأسها، فكلّما سافرت إلى روما تمر من أمام منزل مورافيا لتستعيد ذكريات هذا الحوار.
من بين الأسئلة التي وجهها مورافيا إلى كاردينالي، سؤال عن اللحظات التي تدمع خلالها عيناها، فأجابت عندما تشاهد مشهدًا مؤثرًا في أحد الأفلام، بينما الظلام يحيط بالأجواء في قاعة العرض.