دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين حكومة الاحتلال الإسرائيلي ولبنان حيز التنفيذ، فجر اليوم الأربعاء، والذي استبقه جيش الاحتلال بجولة من التصعيد كانت الأعنف منذ الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر 2023، بما في ذلك وسط العاصمة بيروت، التي شهدت مناطقها الغربية نزوحًا كثيفًا بعد استهداف مكاتب "جمعية القرض الحسن" الخيرية، فضلًا عن مشاهد حيّة للحزام الناري الذي استهدف ضاحية بيروت الجنوبية بـ20 غارة جوية في ظرف 120 ثانية، في صورة ستبقى شاهدًا على هيستيريا الإجرام الإسرائيلي المهووس بتدمير المُدمر.
وبعد دقائق من إعلان الرئيس الأميركي، جو بايدن، توصلت حكومة الاحتلال ولبنان إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، شنت مقاتلات الاحتلال سلسلة غارات جوية استهدفت جميع المعابر الحدودية التي تربط لبنان مع سوريا من الجانبين، مما أخرجها جميعها عن الخدمة، بما في ذلك المعبر الذي يربط بين قرية العبودية من الجانب اللبناني مع قرية الدبوسية من الجانب السوري، والذي تم استهدافه للمرة الأولى.
أبرز بنود "وثيقة الضمانات الأميركية"
وبحسب موقع "المدن" الإلكتروني، فإن الاتفاق نص على اعتراف لبنان وإسرائيل بالقرار الأممي رقم 1701، حاصرًا حيازة السلاح في جنوب لبنان بالقوى الأمنية والجيش اللبناني، إضافة إلى قوات حفظ السلام الدولية "اليونيفيل". كما تضمن الاتفاق بندًا يشترط "تفكيك جميع المنشآت غير المصرح بها المعنية بإنتاج الأسلحة والمواد ذات الصلة بالأسلحة"، وكذلك "تفكيك جميع البُنى التحتية والمواقع العسكرية، ومصادرة جميع الأسلحة غير المصرح بها التي لا تتوافق مع هذه الالتزامات".
الاتفاق نص على اعتراف لبنان وإسرائيل بالقرار الأممي رقم 1701، حاصرًا حيازة السلاح في جنوب لبنان بالقوى الأمنية والجيش اللبناني إلى جانب "اليونيفيل"
وذكر بند في الاتفاق أنه "سيتم إنشاء لجنة تحظى بموافقة كل من إسرائيل ولبنان للإشراف والمساعدة في ضمان تنفيذ هذه الالتزامات"، وبحسب ما أفادت "قناة الجديد" اللبنانية، فإن اللجنة الدولية ستضم الولايات المتحدة إلى جانب فرنسا، لبنان، وإسرائيل. وحدد الاتفاق مهلة 60 يومًا لانسحاب جيش الاحتلال من جنوب لبنان، ووفقًا لمراسل "التلفزيون العربي"، أحمد درواشة، فإن وزير الأمن في حكومة الاحتلال، يسرائيل كاتس، أصدر أمرًا باعتقال أي لبناني يدخل إلى بلدة كفركلا اللبنانية.
وبحسب ما نقل موقع "عرب 48" عن وسائل إعلام عبرية، فإن الاتفاق تضمن "وثيقة ضمانات أميركية" وقعتها واشنطن مع تل أبيب بشكل منفصل عن الاتفاق، وتنص أبرز بنود هذه الوثيقة على تبادل الجانبين "معلومات استخباراتية حساسة تتعلق بالانتهاكات، بما في ذلك أي اختراق لحزب الله في صفوف الجيش اللبناني"، إضافة إلى اعتراف واشنطن بـ"حق إسرائيل في الرد على التهديدات القادمة من الأراضي اللبنانية وفقًا للقانون الدولي".
كما تضمنت الوثيقة بندًا يشير إلى احتفاظ "إسرائيل بحقها في التحرك ضد أي انتهاكات للالتزامات في أي وقت"، بما في ذلك المعابر الحدودية مع سوريا، فيما قال البند الأخير من الوثيقة "ستُنفذ الطلعات الجوية الإسرائيلية فوق لبنان لأغراض استخباراتية ومراقبة واستطلاع فقط، وستُنفذ بطريقة لا تكون مرئية للعين المجردة قدر الإمكان، ودون كسر حاجز الصوت".
وقال الجيش اللبناني في بيان، اليوم الإربعاء، إنه: "مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، يعمل الجيش على اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستكمال الانتشار في الجنوب وفق تكليف الحكومة اللبنانية، وتنفيذ مهماته بالتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) ضمن إطار القرار 1701"، بحسب ما نقلت الوكالة الوطنية للإعلام.
لبنان بين اتفاقين
وتعليقًا على "وثيقة الضمانات الأميركية"، نقل موقع "العربي الجديد" عن مصدر وزاري لبناني قوله: "مجلس الوزراء سيناقش، اليوم الأربعاء، التطورات واتفاق وقف إطلاق النار، والدولة اللبنانية حتمًا لن تسمح بما يمسّ سيادتها، هدفنا الأول وقف العدوان، وفي الوقت نفسه الحفاظ على السيادة"، معيدًا التذكير بالتزام لبنان بتطبيق القرار الأممي، ومؤكدًا في الوقت نفسه على أنه "لا حرية حركة للعدو في لبنان، والوجود الأميركي هو رقابي ولن يكون هناك أي تحرّك عسكري له".
ما جانبه، يرى مصدر نيابي في حزب الله، أن "هناك محاولة إسرائيلية لتصوير نصرها عبر تلاعبها وإعلامها بمضمون القرار 1701، لكن موقف لبنان عبّرت عنه الحكومة بالالتزام بالقرار الأممي كما هو من دون أي تعديل، ولن تكون هناك أي حرية حركة للعدو داخل لبنان"، مؤكدًا أن "إسرائيل عجزت عن تحقيق شروطها، ولم تتمكن من تحقيق أهدافها، بما في ذلك إنشاء منطقة عازلة، والميدان لعب دورًا أساسيًا بذلك".
بايدن أعلن عن توصّل "إسرائيل" وحزب الله إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار، واصفًا الاتفاق بأنه "نبأ سار".
اقرأ أكثر: https://t.co/vFfMWIoyiO pic.twitter.com/Q55xJniHGC— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) November 27, 2024
وفي قراءته لبنود "وثيقة الضمانات الأميركية"، يشير نائب مديرة شؤون الأبحاث في مركز مالكوم كير–كارنيغي، مهنّد الحاج علي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى وجود اختلاف بين القرار 1701 الذي أُقر في عام 2006، والمقترح الأميركي الذي أدى إلى وقف إطلاق النار، اليوم الأربعاء، إذ "ينصّ الاتفاق الراهن على إنشاء هيئة إشراف أميركية - فرنسية لمراقبة التطبيق، ما يعني حوكمة لموضوع تنفيذ القرار 1701، وهذه نقطة جديدة لم تكن واردة عام 2006".
ولفت الحاج على إلى البند الذي ينص على "حرية الحركة الإسرائيلية في حال حصول خرق من جانب حزب الله"، حيثُ يرى أنه "عمليًا بضماناتٍ أميركية، سُربت إلى الإعلام، وبشكل مقصود، لإظهار أن هناك غطاءً أميركيًا لأي ضربة يمكن أن تحصل ضد حزب الله في حال عدم التزامه بالتنفيذ"، كما اعتبر أن "هناك نوعًا من إعلان سياسي جديد لحزب الله لجهة التعاون والمساهمة الفعّالة لانتخاب رئيس للجمهورية من خلال مجلس النواب بالطريقة الدستورية، على أن تكون خطواته السياسية وشؤون الدولة تحت سقف اتفاق الطائف، بالتعاون مع القوى السياسية".
أما على المستوى الإجرائي، فيوضح الحاج علي أنه على "عكس القرار 1701، هناك مهلة 60 يومًا وضعت لها علاقة بالعمل الإشرافي، بمعنى أن الانسحاب الإسرائيلي أصبح مشروطًا بتنفيذ الاتفاق من قبل حزب الله، ما يُترجم بأن الأرض اليوم مقابل الالتزام"، لافتًا إلى أن الجانب الإسرائيلي وعكس ما كان عليه عام 2006، تمتع بقدرات استخباراتية عالية تقنيًا، وكذلك في خرق التنظيم نفسه، الأمر الذي يتيح له معرفة ما إذا كان هناك تنفيذ للقرار 1701 أم لا"، معتبرًا "أننا سنكون في المرحلة المقبلة أمام نوع من الوصاية الأميركية" على لبنان.