كيف تبدلت مناطق حيوية في تركيا بعد عودة سوريين إلى بلدهم؟
23 سبتمبر 2025
قرب جامع الفاتح، وفي شارع فوزي باشا، مرورًا بنزلة الأمنيات وحتى منطقة أكسراي. في ميدان اسنيورت، أو منطقة باغجلاربمدينة إسطنبول التركية، تبدل المشهد تمامًا، فبعد أن كانت تعتبر ضمن أكثر المناطق الحيوية التي شغلها السوريون بالعمل أو التجوال أو تمركزوا فيها كسكن، أخذت منحى مختلفًا حالها حال مناطق ثانية في مدن تركية أخرى، منذ سقوط نظام الأسد في سوريا وعودة مئات الآلاف من السوريين إلى بلدهم.
يرصد "الترا صوت" في هذا التقرير تغيرات حدثت في الشارع التركي على صعيد حركة البيع والشراء وأسعار الإيجارات، إلى جانب نشاط السوريين في سوق العمل، كما يقدم شهادات لسوريين ما زالوا يعيشون في تركيا، بينما بدأت الأمور تتغير حولهم.
"سَكَنَت من جديد"
من يتجوّل في شوارع مدينة إسطنبول على سبيل المثال، سيجد أن العديد من المحلات أغلقت أبوابها بعد أن كانت تعج بالزبائن، فعدد من محلات البقالة والمطاعم أنهى تجارته كليًا في تركيا ونقل عمله إلى سوريا، إذ تقول دينا مكي لـ"الترا صوت"، "لم تعد ساحة اسنيورت كما كانت قبل عام مثلًا، العديد من صاغة الذهب السوريين أغلقوا متاجرهم، المطاعم ومحلات العصير الشهيرة التي كانت تكتظ بالسوريين أقفلت أبوابها نهائيًا، حتى المقاعد في الساحة بدت خالية من جلّاسها السوريين على نحو أقل من السابق بكثير".
من يتجوّل في شوارع مدينة إسطنبول سيجد أن العديد من المحلات أغلقت أبوابها بعد أن كانت تعج بالزبائن
وتضيف أن المجمع السكني الذي تقطن فيه حاليًا غادرته عشرات العوائل السورية بعد أن كان مليئًا بالسوريين، وأصبحت حديقته ساكنة مقارنة بذي قبل، مع الإشارة إلى الارتفاع الحاد بالإيجارات في هذه المنطقة، رغم وفرة العديد من المنازل المتاحة للإيجار، بعد سفر سوريين.
وبهذا الخصوص، أكد محمد عثمان وهو وسيط عقارات تركي يملك مكتبًا في منطقة السلطان أيوب بإسطنبول لـ"الترا صوت"، أن إيجارات المنازل ارتفعت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، لافتًا إلى أن العديد من العوائل العربية غادرت تركيا نهائيًا، بسبب ارتفاع الأسعار، ولا يقتصر ذلك على اللاجئين السوريين ممن عادوا إلى سوريا.
من جانبها، تخبر زينب وهي سيدة سورية غادرت تركيا قبل شهرين "الترا صوت"، أن خلال أشهر قليلة من بداية العام الجاري، سكنت شوارع حيوية من جديد، بعد أن كانت تعج بحركة البيع والشراء و"التمشاية" على مدار اليوم، "حتى في رمضان الفائت، كانت أحياء منطقة الفاتح في إسطنبول التي طالما أنعشها السوريون بحركة التجارة والتنزّه، هادئة نوعًا ما، مقارنة بأشهر رمضان السابقة، إذ كانت البسطات الصغيرة والباعة المتجولون ممن يعرضون المشروبات الرمضانية والحلويات تملأ الأرصفة وواجهات المحلات سابقًا، وهذا ما بدا أقل بشكل ملحوظ رمضان الفائت من هذا العام".
ومع سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، ظهرت توقعات وتنبؤات في الإعلام التركي عن وضع البلاد إذا غادرها السوريون، وكانت أسعار الإيجارات مرجحة للنزول، وهو ما لم يتحقق فعليًا خلال الأشهر الماضية، إذ قال هاكان أكدوغان، رئيس اللجنة المهنية للخدمات العقارية في غرفة تجارة إسطنبول سابقًا، "يتركز اللاجئون السوريون في مناطق معينة، ونعتقد أن أسعار الإيجار في تلك المناطق تحديدًا ستعود إلى وضعها الطبيعي وستبقى مستقرة لفترة من الوقت".
وعلى خلاف ذلك، شهدت تركيا ارتفاعًا ملحوظًا بإيجارات المنازل مع عودة سوريين وعرب بشكل عام، فضلًا عن أن العديد من الأبنية كانت قد صنّفت ضمن الآيلة للسقوط ووضعت على قائمة الهدم، بعد جرد الحكومة التركية للمناطق، إبان زلزال عام 2023 وتضرر العديد من المناطق.
عودة الأيدي العاملة
في المعامل وورشات الخياطة ومصانع البلاستيك والورق، كانت الأيدي العاملة السورية المحرك الأساسي لها، وهو ما أثر بشكل كبير على سوق العمل، إذ يروي شاب سوري لديه ورشة خياطة في تركيا لـ"الترا صوت"، فضّل عدم ذكر اسمه، أنه سيغلق ورشته مع نهاية العام ويعود لبلده، لافتًا إلى أن أصدقاء له أغلقوا ورشاتهم بعد عودة "الشغيلة" إلى سوريا، "حتى ورشات الأتراك تأثرت، العمال السوريون غادروا تركيا، كما أنه لا يوجد حركة بيع وشراء كالسابق بسبب تضخم الأسعار الحاصل في عموم البلاد".
من جهتها، تقول زبيدة النايف من دير الزور إن أخوها أغلق محلًا لتأجير وبيع السيارات في إسطنبول وعاد إلى دمشق، بينما بقية أخوتها في مدينة شانلي أورفا التركية ما زالوا على أعمالهم هناك، إذ تبقى عودة أهالي شمال شرق سوريا صعبة في ظل عدم استقرار مناطقهم بعد، وهو ما جعل مدينة مثل شانلي أورفا تعج إلى اللحظة بالسوريين، إذ تعتبر من المناطق التركية التي تمركز بها سكان شمال شرق سوريا (الحسكة ودير الزور والرقة) أكثر من غيرهم خلال السنوات الأخيرة.
ومن الأمور التي تأثرت بعودة سوريين إلى بلدهم، حركة السياح العرب القادمين إلى تركيا بغرض التنزّه، والذي عادة ما كان يتم عبر برامج ينظمها سوريون أو عراقيون على وجه الخصوص، فضلًا عن السياح السوريين ممن كانوا يقدمون إلى تركيا بهدف رؤية أحبائهم وأقاربهم، إذ كانت تعتبر تركيا من الدول التي يسهل على السوريين الحصول على تأشيرة دخول إليها، ما جعلها لسنوات طويلة ملتقى للمغتربين.
بيع بخسارة
تأتي مرحلة حزم الأمتعة وبيع الأثاث والممتلكات مثل السيارات من المهام الشاقة على السوريين وسط الظروف الراهنة في تركيا، حيث رصد "الترا صوت" حركة كبيرة لعرض الأثاث المنزلي بأسعار رخيصة جدًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك لضيق الوقت الذي يملكه من أراد المغادرة، واستغلال محلات بيع الأثاث المستعمل لظروف المسافرين.
وعن ذلك، يقول السوري مصعب لـ"الترا صوت"، "اشتريت سيارة قبل أشهر بما يعادل مبلغ 36 ألف دولار، وعندما قررت مغادرة تركيا عرضتها للبيع لفترة لكن ولضيق الوقت اضطررت لبيعها أخيرًا بمبلغ 17 ألف دولار، لنفس شركة بيع السيارات، بعتها بخسارة فادحة".
وربما من الصعب حصر حجم تأثر تركيا من نواحٍ عدة بعودة مئات الآلاف من السوريين إلى بلدهم خلال أول عام فقط، لكن ما بدا واضحًا وملموسًا، هو تأثر حركة البيع والشراء وإيجارات المنازل وحتى البنوك بعد سحب مبالغ ضخمة من قبل أصحابها كانت قد أودعت لسنوات طويلة في البنوك التركية، إضافة إلى الفراغ الذي تركته الأيدي العاملة المنسحبة من سوق العمل.
من ناحية أخرى، وفي وقت بقي اللاجئ السوري مضمونًا أساسيًا للخطابات السياسية والاقتصادية والحملات الانتخابية والشماعة لسوء الظروف في تركيا بشكل أساسي، خلال العقد الماضي، كانت قد وصلت لحملات ترحيل سوريين وإعادتهم قسرًا لبلدهم، تبدّل كذلك الرأي العام أو خفّت حدته إلى حد ما اتجاههم، كنتيجة لعودة نحو نصف مليون سوري خلال الأشهر الماضية، وفق ما أوضح وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا عبر حسابه في منصة "X" مؤخرًا.