كيف تحولت "ديسكورد" من منصة ألعاب إلى غرفة قيادة شعبية للاحتجاجات في المغرب؟

شهد المغرب موجة احتجاجات غير مسبوقة قادها شباب من جيل زد، مستخدمين أدوات رقمية غير تقليدية لتنظيم مطالبهم الاجتماعية. لم تكن هذه الحركة امتدادًا مباشرًا للربيع العربي، بل كانت تجسيدًا لجيل جديد يتقن التكنولوجيا، يرفض القيادات التقليدية، ويعيد تعريف معنى الاحتجاج. 

أنشأ المحتجون المغاربة خادمًا على "ديسكورد" تحت اسم GenZ212، في إشارة إلى رمز الاتصال الدولي للمغرب.

في قلب هذه الظاهرة، برزت منصة "ديسكورد"، المعروفة أساسًا بين هواة الألعاب، كأداة مركزية للتنسيق، التعبئة، وتبادل المعلومات.

كيف استخدم جيل زد "ديسكورد"؟

أنشأ المحتجون المغاربة خادمًا على "ديسكورد" تحت اسم GenZ212، في إشارة إلى رمز الاتصال الدولي للمغرب. هذا الخادم لم يكن مجرد مساحة للدردشة، بل تحول إلى غرفة عمليات رقمية تضم قنوات مخصصة لكل قضية: التعليم، الصحة، الفساد، وحتى قنوات للتصميم البصري وصياغة الشعارات.

• تنظيم لا مركزي: رفض المحتجون فكرة القيادة الهرمية، لم يكن هناك زعيم واحد، بل مجموعة من المشرفين المتناوبين، مما صعّب على السلطات تتبع أو استهداف شخصيات محددة.
• نقاشات معمّقة: استخدم الشباب القنوات لتبادل الإحصاءات، سرد تجاربهم الشخصية في المدارس والمستشفيات، وصياغة مطالبهم بلغة واضحة، هذه النقاشات خلقت نوعًا من "الصحافة الشعبية" التي تجاوزت الإعلام التقليدي.
• التنسيق الميداني: بالتوازي مع "ديسكورد"، استخدم المحتجون "تلغرام" لإرسال تنبيهات فورية حول أماكن التجمع، التغييرات التي تطرأ على مسار التجمع، وحتى التعليمات المتعلقة باللباس (مثل ارتداء الأسود أو حمل لافتات معينة).

الثقافة الرقمية كأداة تعبئة

لم يكن المحتوى جادًا فقط، إذ استخدم الشباب الرموز التعبيرية، صور الأنمي، وميمات من ألعاب مثل One Piece وValorant لبناء هوية جماعية مرحة ومتحمسة. هذه العناصر لم تكن سطحية، بل ساهمت في خلق شعور بالانتماء، وكسرت الحواجز النفسية بين المشاركين.

وصل عدد أعضاء الخادم إلى أكثر من 87,000، منهم حوالي 1,500 مشارك نشط، و400 شاركوا فعليًا في الاحتجاجات الميدانية. هذه النسبة العالية من التحول من التفاعل الرقمي إلى الفعل الواقعي تعكس فعالية النموذج التنظيمي الجديد. لكن السلطات المغربية لم تتعامل بلين. تم اعتقال المئات، ومُسحت مقاطع الفيديو من هواتف المحتجين، مما أثار انتقادات من منظمات حقوقية وأحزاب معارضة.

جيل جديد، أدوات جديدة، معارك جديدة

وفقًا لموقع "barlamantoday"، فإن ما حدث في المغرب لا يمكن فصله عن موجات مشابهة في بيرو، إندونيسيا، ونيجيريا، حيث استخدم جيل زد أدوات مثل "ديسكورد" و"تيك توك" لتجاوز الرقابة، ولبناء سردياتهم الخاصة، من أجل تحدي الأنظمة القائمة. هذه الحركات لا تعتمد على الأيديولوجيا، بل على التجربة اليومية، والقدرة على تحويل الغضب إلى سردية رقمية قابلة للمشاركة.

التنظيم الرقمي كممارسة جديدة للمواطنة

احتجاجات جيل زد في المغرب لا تطرح فقط مطالب اجتماعية، بل تعيد تعريف مفهوم المواطنة في العصر الرقمي. بعيدًا عن الانتماء الحزبي أو القيادة التقليدية، يتجسد شكل جديد من المشاركة السياسية يقوم على التجربة اليومية، والتفاعل الجماعي، والمساهمة الرمزية في بناء سردية مشتركة.

 في خادم GenZ212، لم تكن المشاركة مشروطة بعضوية أو توقيع على بيان، بل تجسدت في تصميم لافتة، كتابة تعليق، أو اقتراح مسار احتجاج. هذه الأفعال الصغيرة، المتفرقة، تشكل نسيجًا أخلاقيًا جديدًا، حيث تُقاس المواطنة بمدى المساهمة لا بالانتماء.

احتجاجات جيل زد في المغرب لا تطرح فقط مطالب اجتماعية، بل تعيد تعريف مفهوم المواطنة في العصر الرقمي

هذا النموذج الرقمي يعزز الشعور بالمسؤولية الجماعية، لكنه يواجه تحديات تتعلق بالاستمرارية، التمثيل، والقدرة على التأثير في السياسات العامة. ومع ذلك، فإن ما يميز هذه الحركات هو قدرتها على خلق التزام أخلاقي غير مرئي، ينبع من الإيمان بقضية مشتركة، لا من الانضباط التنظيمي. إنها مواطنة مرنة، لا مركزية، تتشكل في الفضاء الرقمي وتنعكس في الواقع الميداني.