سجّل قطاع غزة خلال شهر آذار/مارس 2025 ارتفاعًا قياسيًا في مؤشر أسعار المستهلك مقارنة بشهر شباط/فبراير، في أعلى نسبة تُسجَّل على الإطلاق في الأراضي الفلسطينية. ويُعزى هذا الارتفاع الحاد في الأسعار إلى استئناف العدوان الإسرائيلي على القطاع في 18 آذار/مارس، والذي سبقته سلطات الاحتلال بفرض إغلاقٍ كامل على المعابر، ومنع إدخال السلع والوقود والمساعدات الإنسانية، ما تسبب في انقطاع مادة الخبز، أحد المكونات الأساسية في تغذية جميع سكان القطاع.
وقالت مديرة الإعلام والتواصل في "الأونروا"، جولييت توما، في بيان: "مع استمرار حصار السلطات الإسرائيلية على غزة لأكثر من ستة أسابيع، كل الإمدادات الأساسية على وشك النفاد". وأضافت أن نفاد الإمدادات الأساسية يترافق مع "ارتفاع كبير في أسعار" البضائع المتوفر بغزة خلال آذار/مارس الماضي، مشيرةً إلى أن "هذا يعني أن الرضع والأطفال ينامون جائعين". وتابعت مؤكدةً أن القطاع في ظل انقطاع"هذه الإمدادات الأساسية، يقترب كل يوم من الجوع الشديد للغاية".
"لم أعد أتنفس إلا دخان الحطب"
بحسب تقرير لموقع "الترا فلسطين"، فإن "المخابز المدعومة شكّلت في الأشهر القليلة الماضية طوق نجاة حقيقي للكثير من العائلات" في غزة، كما يقول صاحب "مخابز كامل عجور"، محفوظ عجور. مضيفًا أنه بعد توقف برنامج الغذاء العالمي، الذي كان يمول هذه المخابز ليتم بيع الخبز بسعر رمزي، بالإضافة إلى انقطاع الوقود والطحين، أصبحت "المسؤولية ثقيلة جدًا"، لافتًا إلى أنه "لم يعد هناك مكان يشتري منه خبزًا بثمن مقبول، وأسعار الدقيق أصبحت خيالية، ووصلت لمستويات لم نكن نتصورها".
تسبّب منع سلطات الاحتلال إدخال السلع والوقود والمساعدات الإنسانية إلى غزة بانقطاع مادة الخبز، أحد المكونات الرئيسية التي يعتمد عليها جميع أكثر من ملوني شخص في التغذية
ووفقًا لعجوز، فإن الكثير من العائلات باتت تبحث فقط عن حفنة طحين، لتتمكن من عجنها وخبزها بأي وسيلة متاحة، من أجل سد رمق أطفالها. وأضاف: "لقد تحوّل الخبز من مادة غذائية أساسية إلى حلم يومي". كما لفت، في سياق حديثه، إلى أن المخابز لم تكن مجرد أماكن لإنتاج الخبز، بل شكّلت أيضًا مصدرًا حيويًا للرزق، مشيرًا إلى أن مخبزه كان يؤمّن فرص عمل لأكثر من 160 عاملًا، كلٌّ منهم يعيل أسرة، وبعضهم كان المعيل الوحيد لأطفاله.
من جانبها، تروي السيدة سمر ياسين (31 عامًا)، التي كانت تجلس على كرسي بلاستيكي متآكل، أمام موقد نار صغير يفوح منه دخان كثيف، معاناتها مع اليومية في ظل الحصار الإسرائيلي على القطاع. تقول ياسين لـ"الترا فلسطين": "لم أعد أتنفس إلا دخان الحطب، حياتي انحصرت في العجن والخبز والتفتيش عن حطب أو نايلون كي أشعل النار، قبل أشهر فقط"، وأضافت: "كنت أشتري الخبز بسعر بسيط من المخبز، وأعود به لأطفالي دون عناء. أما الآن، فأنا أقضي يومي كله ألهث خلف لقمة العيش".
الاحتلال ينتهج التعطيش لإبادة #غزة. pic.twitter.com/iab1y8kSPZ
— Ultra Palestine - الترا فلسطين (@palestineultra) April 12, 2025
بحسب "الترا فلسطين"، فقدت ياسين زوجها وأصبحت المعيلة الوحيدة لطفليها وسط الحرب والحصار، حيث تحوّلت الحياة إلى صراع يومي من أجل البقاء. ترسل طفلها الأكبر كل صباح ليجمع الحطب وسط القصف، وتحمل الصغير معها في طوابير المياه، بينما الخبز والماء باتا معركتين قاسيتين. تقول ياسين: "لم أعد أفكر إلا في كيف أوفر قوت يومنا". وتحذر من أن استمرار الأزمة دون حل سيؤدي إلى توسّع المجاعة، وأضافت: "نحن على حافة الهاوية، والوقت يضيق".
يشير "الترا فلسطين" إلى أن تصاعد أزمة الخبز دفع الكثير من العائلات إلى اللجوء إلى ما يُعرف بـ"الخبز البديل"، إذ بدأ السكان بصناعته من مكونات غير تقليدية كالعدس المطحون أو الحبوب المطحونة يدويًا، في محاولات بدائية للبقاء على قيد الحياة. كما انتشرت أفران الطين، رغم ما تتطلبه من جهد وتكاليف يومية لتأمين الحطب، الأمر الذي حوّل إنتاج رغيف الخبز إلى عبء مالي إضافي يُثقل كاهل الأسر المحاصرة.
ارتفاع المواد الأساسية بنسبة 40.58%
في ظل استمرار الحصار وتصاعد العدوان الإسرائيلي، سجّل القطاع ارتفاعًا غير مسبوق في مؤشر أسعار المستهلك خلال شهر آذار/مارس 2025، بلغ 40.58% مقارنة مع شباط/فبراير من العام ذاته، في قفزة تعكس عمق الأزمة المعيشية التي يعيشها السكان، حيثُ سجل سعر أسطوانة الغاز النسبة الأكبر في ارتفاع المواد الأساسية بنسبة 925%، بحسب بيان صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
🔴 استهداف تكايا #غزة.. طعام مغمس بالدم.@palestineultra pic.twitter.com/TMhkQJRb3C
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 15, 2025
وأشار المركزي للإحصاء إلى أن هذا الارتفاع الحاد ترافق مع إغلاق المعابر ومنع إدخال السلع والوقود، ما أدى إلى نقص حاد في المواد الأساسية وارتفاع جنوني في الأسعار، خصوصًا مع تزايد الطلب خلال شهر رمضان. وتعد هذه القفزة الأكبر بين المناطق الفلسطينية، حيث فاق الارتفاع السنوي في غزة بتسجيله 3.21%، ما جعله الأكبر في مختلف الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتفاقمت الأزمة مع استئناف جيش الاحتلال حرب الإبادة على غزة في القصف في الـ19 من آذار/مارس الماضي، مما أدى إلى شلل كامل في عمل المنظمات الإغاثية، ومنع توزيع المساعدات الغذائية والطحين، ما تسبب في نفاد كميات الطحين وتوقف معظم المخابز عن العمل، وفقًا المركزي للإحصاء.
وأكد المركزي للإحصاء أن منع دخول غاز الطهي والوقود أضاف أعباء جديدة على العائلات التي باتت تكافح يوميًا لتأمين الخبز. ومع غياب أي حلول ملموسة، تحوّلت الحياة اليومية في غزة إلى معركة من أجل البقاء، وسط تحذيرات من تفاقم المجاعة واتساع رقعة الفقر بشكل غير مسبوق.